• الساعة الآن 10:55 AM
  • 13℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

من سيحاسب من.. سوريا "الجديدة" تبحث عن "طريق العدالة"

news-details

 

"العدالة والمحاسبة".. كلمتان رددهما السوريون كثيرا خلال 14 عاما من النزاع الدامي، وبعد سقوط بشار الأسد أتيحت الفرصة وفُتحت الأبواب وازدادت حالة المطالبة بتطبيقهما، لكن وفقا لخبراء وحقوقيين لن تكون هذه العملية بالأمر السهل.

وبناء على الواقع المفروض حتى الآن في "سوريا الجديدة ما بعد الأسد" لا يبدو الكثير من الاهتمام لدى السلطات التي تمسك بزمام الأمور في دمشق للبدء بأولى خطوات تطبيق هذه القضية.

وفي المقابل، لم تعرف الآلية التي سيتم المضي بهذا الطريق الذي يمر بعدة محطات وتعترضه عقبات، يتعلق جزء كبير منها بالمستويات التي يجب إدراكها ما قبل الشروع بخطوات تطبيق العدالة وفي أثناء المضي فيها.

 

ثلاثة مستويات

ويعتبر ملف العدالة من الملفات الأكثر تعقيدا في الحالة السورية، بسبب حجم الجرائم التي ارتكبت في السنوات الماضية من قبل معظم الأطراف، وإن كان لنظام الأسد النصيب الأكبر.

كما أن الغوص في هذه الجرائم لكشفها والتحقيق بها يفوق قدرة أي نظام قضائي على استيعابه، وفقا لكبير المفاوضين في المعارضة السورية سابقا، المحامي محمد صبرا.

ويشرح صبرا، في حديثه لموقع "الحرة"، أن ملف العدالة المعقد يتضمن 3 مستويات.

ويقول إنه يجب إدراك هذه المستويات، قبل الذهاب إلى تفكيك الوسائل والسبل التي سيسلكها السوريون في معالجة هذا الملف.

 المستوى الأول: هو العدالة النسبية أي حق الضحايا بالإنصاف (حق أهل القتلى وحق المعتقلين وحق كل من تعرض لعملية انتهاك لحقوقه بأن يصل إلى الإنصاف).

 المستوى الثاني: العدالة المطلقة، ويذهب مفهومها باتجاه إقامة العدل بشكل جماعي.

وقد لا تتطابق العدالة المطلقة مع النسبية.

ويطرح صبرا مثالا عن ذلك بقوله: "أي أن أقيم العدل بشكل إجمالي للمجتمع السوري بكامله ليشعر بأنه تم تثبيت أسس العدالة، دون أن يشمل ذلك بالضرورة وصول أي شخص بعينه لحقه".

ويتعلق المستوى الثالث بكيفية توظيف ملف العدالة في تعزيز السلم الأهلي، وحالة الذهاب من الصراع إلى مرحلة بناء الدولة.

 

كيف يبدأ الطريق؟

بعد إدراك المستويات الثلاث المذكورة، تبدأ عملية الاختيار بين أنماط العدالة المراد تطبيقها.

هل نريد الذهاب إلى العدالة الناجزة التي تحقق النسبية؟ أم إلى العدالة الانتقالية؟، يتساءل المحامي صبرا، ويشرح المسارات التي يختلف بها كل نوع عن الآخر.

تتطلب العدالة الناجزة محاكمة جميع من ارتكب جرائم ضد السوريين بغض النظر عن نوعها والجهة التي ارتكبتها، وبغض النظر عن المستويات الأخرى المجتمعية لمفاهيم التعويض وجبر الضرر.

في المقابل، تشمل العدالة الانتقالية طيف واسع من الأدوات التي يتم استخدامها، مع محاكمة بعض الذين أوغلوا في ارتكاب الجرائم وارتكبوا مجازر كبرى، والذين قادوا عملية ارتكاب الانتهاكات.

بعد تحقيق ما سبق يتم الذهاب باتجاه تشكيل لجان حقيقة ومصالحة والكشف عن مصير المغيبين وعن الآليات التي اتبعها النظام في تغييب وقتل عدد كبير من السوريين، بحسب المحامي السوري.

ويؤكد أن "مسار العدالة الانتقالية يمتد لسنوات ويضم سلة خطوات كاملة".

في النوعين يشير صبرا إلى أن العملية يجب أن تبنى على أسس الحوار الوطني.

ويضيف قائلا: "أي أن يكون هذا الأمر مطروحا على مؤتمر الحوار الوطني حتى يستطيع أن يحدد التوجه العام باتجاه تحقيق العدالة".

ويوضح مدير "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، فضل عبد الغني، أن مسار العدالة الانتقالية يتطلب تشكيل هيئة وطنية.

ويقول لموقع "الحرة" إن هذه الهيئة يجب أن تكون مشكّلة من خبرات ومن منظمات مجتمع مدني وما إلى ذلك، بالتنسيق مع السلطات الحاكمة.

"يجب أن تكون الهيئة مستقلة أي لا يجب أن تشكلها الحكومة". ويتابع عبد الغني مؤكدا على معايير تشكيلها بأن تضم "خبراء في منظمات مجتمع مدني وعملوا في هذا الإطار منذ سنوات طويلة".

 

من يقود مسار العدالة؟

لا توجد لغاية اليوم سردية متكاملة لدى السلطة الجديدة بخصوص العدالة الانتقالية، يتم عكسها بخطاب رسمي ويصار إلى تطبيقها بواسطة بآليات وأدوات واضحة.

كما أنه ليس هنالك وضوح فيما إذا كان هنالك دور للمجتمعات المحلية وأهالي الضحايا ومنظمات المجتمع المدني السورية في مسار العدالة الانتقالية أم لا، وما هي المحاكم التي ستتولى تطبيق العدالة (محلية، وطنية، دولية).

ما سبق يشير إليه الباحث في مركز "عمران للدراسات الاستراتيجية"، أيمن الدسوقي، في حديثه لموقع "الحرة".

ويقول إنه "في ظل الغموض الذي يحيط بمسار العدالة الانتقالية تزداد احتماليات تطبيق العدالة بشكل فردي وعشوائي، وما يحمله ذلك من مخاطر فوضى أمنية واندلاع موجات عنف لا يمكن التنبؤ بمساراتها".

ويؤكد الحقوقي السوري عبد الغني أن الهيئة الوطنية التي ينبغي تشكيلها هي التي تتولى مهمة قيادة مسار العدالة الانتقالية.

ويشرح أنه من أبرز مهامها قضية المحاسبة، فضلا عن ملفات أخرى مثل لجان الحقيقة والمصالحة وجبر الضرر والتعويضات وإصلاح المؤسسات.

وينقسم ملف المحاسبة إلى قسمين: الأول جنائي والثاني غير جنائي.

ويستهدف الجنائي، وفقا لعبد الغني، من ارتكب جرائم حرب وضد الإنسانية وبشكل أساسي المدرجين ضمن الصفوف العليا من الجيش والأمن والسلطة السياسية.

أما القسم غير الجنائي فيذهب باتجاه تشكيل لجان الحقيقة والمصالحة.

ولدى "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" اعتقاد أن الأمور غير الجنائية واسعة جدا.

وطالب مديرها عبد الغني الفئات المدرجة تحت هذا البند بالقيام بخطوات، دون انتظار تشكيل "الهيئة الوطنية".

وتشمل الفئات موالين للنظام السوري، وكانوا انتقلوا من ضفة إلى أخرى، دون التعبير عن أي شيء.

ويتابع عبد الغني أن الخطوات المراد أن يتخذوها كشكل من أشكال المحاسبة، يجب أن تتضمن تقديم الاعتذار الخطي والفيديو المرئي الذي يحمل لغة تواضع.

ويجب عليهم أن يردوا الحقوق لأصحابها وأن يعوضوا المتضررين بالكثير من الأموال.

كما عليهم أن يتعهدوا بأن لا يستلموا مناصبا قيادية لاحقا، وألا يشاركوا بأي نشاطات قبل أن يقوموا بما سبق، الأمر الذي قد يزيد من حالة احتقان الضحايا، وفق الحقوقي السوري.

 

"جسم قضائي مترهل"

الخطوات المعقدة المذكورة سابقا التي تعترض طريق العدالة الطويل، لا تقتصر على ما سبق فحسب.

ويضاف إليه تحديات لاحت في أفق سوريا سابقا، ولاتزال على حالها حتى الآن، كما يقول المحامي السوري، محمد صبرا.

ويشرح صبرا أن "الجسم القضائي السوري في الوقت الحالي مرهق ومنهك ويحتاج الكثير من إعادة البناء سواء على صعيد تعزيزه بموارد بشرية أو من خلال إعادة بناء المنظومة القانونية".

ومنذ حكم البعث، صدرت سلسلة قوانين وتشريعات قيدت بمجملها القضاء وحولته إلى مجرد أداة من أدوات السلطة.

ويؤكد المحامي السوري على ضرورة "البدء أولا بإعادة بناء الجسم القضائي، سواء من ناحية المنظومة القانونية وتعزيزه بالموارد البشرية".

وعلاوة على ذلك، سيكون الجسم القضائي السوري في المرحلة المقبلة منشغلا إلى حد كبير بالقضايا المدنية، على غرار القضايا المتعلقة بالحقوق العينية ومعاملات الإرث وانتقال الحقوق المتعلقة بهذا الأمر.

ويضيف صبرا: "حتى نستطيع تحقيق العدالة الجنائية والبت بالانتهاكات التي ارتكبت مؤخرا لابد من إنشاء نوع من المحاكم المتخصصة بحيث تكون قادرة على تحقيق العدالة بكفاءة وسرعة لازمة".

وزاد أن ما سبق "يتطلب الكثير من الدراسات الواقعية والكثير من الأموال التي يجب أن تخصص لهذا القسم من القضاء".

 

قبل أم بعد المؤتمر الوطني؟

ورغم أن نظام الأسد كان في مقدمة مرتكبي الانتهاكات وجرائم الحرب في سوريا، إلا أن أطرافا أخرى أدرجت أفعالها ضمن هذا الإطار.

وبالتالي سيكون السؤال عما إذا كان مسار العدالة في البلاد سيقتصر على طرف دون آخر أم قد يشمل الجميع.

ويشدد المحامي السوري على أهمية الدور المناط بمؤتمر الحوار الوطني.

ويقول إن المؤتمر، الذي لم يتحدد موعده، بعد يجب أن "يرسم السياسات العامة باتجاه أي نوع من أنواع العدالة سيتم اختياره".

قالت مصادر لقناة الحرة، إن المؤتمر الوطني للقوى السورية سيعقد يومي الرابع والخامس من يناير المقبل، وسيشهد إعلان حل مجلس الشعب وجميع الفصائل المسلحة ومن بينها هيئة تحرير الشام التي يقودها أحمد الشرع الملقب بالجولاني، والتي أطاحت بنظام الأسد.

كما سيتحمل المؤتمر الوطني مهمة تحديد الأدوات التي تحقق مسألة الكفاءة وتحقيق العدالة، إضافة إلى بحث القضايا المالية المترتبة للمضي بهذا المسار.

ويعتقد الباحث السوري الدسوقي أنه لا يمكن الانتظار لحين انعقاد مؤتمر الحوار الوطني لمناقشة العدالة الانتقالية، لارتباطها بموضوع ملح وهو استقرار الدولة والسلم الأهلي.

ولذلك يقول الدسوقي إنه "يتوجب البدء بإجراء حوار منفصل وسابق على مؤتمر الحوار الوطني بخصوص العدالة الانتقالية، ويكون بين ممثلي السلطة الجديدة وتشكيلات السوريين المعنيين بالعدالة الانتقالية".

ومن شأن ما سبق أن يمنح شرعية لمسار العدالة، ويقي البلد مخاطر الانزلاق مجددا للعنف على نطاق واسع.

 

"تحديات ومخاطر"

ويشير الدسوقي إلى تحديات ومخاطر تواجه مسار العدالة، إذ ليس هنالك إمكانية متاحة لمحاسبة جميع مرتكبي الانتهاكات في عهد الأسد، وهو ما تؤكده تجارب الدول الأخرى.

كما أن الانتهاكات التي مورست ليست على ذات السوية والأثر والضرر.

فمن الانتهاكات ما قد يستوجب العزل السياسي، ومنها ما قد يتطلب الحبس وإنزال أشد العقوبات، ومنها ما يمكن العفو عنها، وهذه أمور يجب الاتفاق بشأنها.

أما المخاطر التي تواجه مسار العدالة فمتعددة، بينها تغليب الاعتبارات السياسية والمصلحية على اعتبارات العدالة، "كأن يتم التغاضي عن شخص لمكانته الاقتصادية أو علاقاته الإقليمية والدولية".

ويضاف إليها مدى كفاءة وشرعية المؤسسات المناط بها تطبيق العدالة، لكيلا تحدث انتهاكات أو تغلب اعتبارات معينة تحرف مسار العدالة. والأهم غياب سردية للعدالة الانتقالية، بحسب الباحث السوري.

"مفهوم العدالة أساسي للانتقال إلى مرحلة المجتمع المستقر"، يقول المحامي السوري محمد صبرا.

ويضيف أنه "لا يمكن تحقيق السلم الأهلي دون إعادة الاعتبار للضحايا ودون إنصافهم".

يمنع مفهوم العدالة تكرار حدوث الانتهاكات والجرائم التي حدثت خلال السنوات الـ13 الماضية.

ويؤكد صبرا: "لا يمكن إعادة إنتاج الذات السورية على أسس صحيحة دون تحقيقها".

وبمعنى آخر "يثبت تحقيق العدالة انتقالنا من دولة العنف والتوحش إلى دولة القانون ودولة الاحتكام للمؤسسات القضائية، باعتبارها الحكم لحل الصراعات داخل المجتمع بشكل عام"، كما يضيف صبرا.

 

شارك الخبر: