تنظيف كشف الراتب، الذي وضعته حكومة صنعاء كشرط لصرف المرتبات التي تستعد لصرفها ابتداءً من يناير الجاري بشكل منتظم، ليس بالأمر الجديد، بل إنه هدف رئيسي تعمل عليه الجماعة منذ توقف صرف المرتبات في الربع الأخير من عام 2016.
بدأ الحديث عن تنظيف كشف الراتب في عام 2018 في عهد وزير الخدمة المدنية طلال عقلان، ثم استمرت العملية في عهد الوزير إدريس الشرجبي، وتوسعت أكثر في فترة سليم المغلس، وما تزال مستمرة في عهد الوزير الحالي خالد الحوالي.
وعملية تنظيف كشف الراتب التي تقوم بها سلطة صنعاء حق يراد به باطل؛ فهذا الكشف مليء بحالات الازدواج والأسماء الوهمية التي تراكمت لعقود وتصل إلى عشرات الآلاف، لكن ما يتم اليوم ليس تنظيفًا، وإنما تسريح للموظفين ومصادرة حقوقهم المكتسبة.
وتهدف هذه الفكرة الشيطانية إلى حوثنة الوظيفة العامة، وتفصيلها على مقاس عناصر الجماعة ومريديها، وقصر كشف الراتب على جغرافية السيطرة فقط.
ومن الناحية القانونية، تعد عملية تنظيف كشف الراتب غير قانونية طبقًا للفقرة “ب” من المادة 267 من اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية، والتي أكدت أنه إذا “كانت الأسباب والظروف القاهرة عامة، فيُصرف الراتب كاملًا عن مدة الغياب أثناءها أو بسببها، ولا تُتخذ بشأنه أي إجراءات تأديبية”.
والمشكلة في تنظيف كشف الراتب، الذي ترفعه سلطة صنعاء، ليست مرتبطة بالصرف من عدمه، وإنما في العبث ببيانات الموظفين واستبدالهم بآخرين من عناصر الجماعة. والأمر هنا لا ينال من الموظف في مناطق سيطرة الطرف الآخر، لأنه يستلم مرتبه من هناك، وإنما من الموظف في مناطق سيطرة الجماعة، الذي تُصادر سنوات خدمته لعدم قدرته على الدوام لأسباب عدة، منها موقفه السياسي الذي أجبره على النزوح خارج مناطق الحوثيين، أو بسبب عدم قدرته على الدوام لعدم صرف المرتبات، ما دفعه للبحث عن عمل يعيل به أسرته.
والمتتبع لتصريحات مسؤولي سلطة صنعاء منذ عام 2018 سيجد أن الجماعة شطبت أكثر من مائة ألف وظيفة في القطاع المدني على الأقل في مناطق سيطرتها، وضعفها في القطاع العسكري والأمني، على ثلاث مراحل.
بدأت المرحلة الأولى في عهد الوزير طلال عقلان، خلال الأعوام من 2016 وحتى منتصف 2019، والثانية في عهد الوزير إدريس الشرجبي وخلفه سليم المغلس، والثالثة تجري منذ تشكيل حكومة الرهوي في أغسطس 2024.
في المرحلة الأولى، أعلن الوزير عقلان في يونيو 2018 شطب 25 ألف حالة من كشف الراتب في القطاع المدني بمبرر الازدواج الوظيفي والأسماء الوهمية، و80 ألف وظيفة من وزارة الدفاع اعتُبرت وهمية لعدم أخذ البصمة والصورة، و26 ألف وظيفة في وزارة الداخلية.
في المرحلة الثانية، تم شطب 50 ألف وظيفة، بحسب تأكيد حسن المؤيد، وكيل وزارة الخدمة المدنية لشؤون المعلومات لوكالة اليمن الإخبارية. فيما تفيد مصادر أمنية وعسكرية لـ”النقار” أنه تم خلال هذه الفترة تنزيل قرابة 50 ألف حالة في الدفاع والداخلية.
أما في المرحلة الثالثة، فإن عملية تنظيف كشف الراتب التي بدأت منذ سبتمبر 2024 استهدفت 40 ألف وظيفة في القطاع المدني، وقرابة 50 ألفًا في الدفاع والداخلية، بحسب تأكيدات مصادر مطلعة لـ”النقار”.
وعملية تنظيف كشف الراتب ليست عملية تنظيف محضة، وإنما ترافقها عملية إحلال لعناصر الجماعة في سجلات كشف الراتب، وهو ما يعني حوثنة الوظيفة العامة والسعي لحصرها على عناصر الجماعة.
كشف الراتب الذي ستُصرف بموجبه المرتبات من يناير الجاري أصبح كشفًا ملغمًا بعناصر الجماعة. وفي هذا السياق، أكد مصدر مطلع لـ”النقار” أن أكثر من نصف المبالغ المخصصة لصرف المرتبات ستذهب لعناصر الجماعة ومريديها، الذين أُضيفوا إلى كشف المرتبات عن طريق الإحلال والتوظيف من خارج كشوفات طلبات التوظيف في الخدمة المدنية.
عملية صرف المرتبات المرتقبة لن يستفيد منها الموظفون الذين لديهم نواقص في ملفاتهم أو مشكلات أخرى متعلقة بالمعلومات المطلوبة التي طلبتها لجان فحص الملفات. وفي هذا الجانب، يقول برهان الأهدل إن 12 ألف تربوي في محافظة الحديدة سيُحرمون من نصف الراتب بسبب نواقص الملفات.
وتُعد أمانة العاصمة صنعاء أكبر المحافظات التي شهدت تغييرات في كشف المرتبات، تليها محافظات صعدة والحديدة وعمران، بحسب مصادر عاملة في الخدمة المدنية. أما المحافظات التي تُصرف مرتبات موظفيها من قبل حكومة العليمي، فلا وجود لموظفيها في ما تسميه سلطة صنعاء “كشف الراتب النظيف”، وبذلك تكون سلطة صنعاء قد أوجدت كشف راتب خاصًا بها، بعيدًا عن كشف الراتب الموحد لليمن الموحد