يطل جبل الشيخ الذي أعلنت إسرائيل احتلاله بعد سقوط نظام بشار الأسد على 4 دول، وهي سوريا ولبنان والأردن وإسرائيل، مما يطرح تساؤلات عن أهمية السيطرة على هذا المكان المرتفع من الناحية العسكرية.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، في كلمة له من على قمة الجبل، الثلاثاء، إن إسرائيل ستبقى في موقع جبل الشيخ الاستراتيجي على الحدود السورية لحين التوصل لترتيب مختلف.
واحتلت قوات إسرائيلية جبل الشيخ عندما دخلت المنطقة منزوعة السلاح بين سوريا وهضبة الجولان المحتلة بعد الإطاحة بنظام الأسد قبل أيام.
ووصف مسؤولون إسرائيليون الخطوة بأنها محدودة وإجراء مؤقت لضمان أمن الحدود لكنهم لم يشيروا إلى موعد محدد لاحتمال انسحاب القوات. وأمر وزير الدفاع، يسرائيل كاتس، القوات الأسبوع الماضي بالاستعداد للبقاء في جبل الشيخ خلال فصل الشتاء.
ويقول الباحث السوري في مركز "عمران للدراسات الاستراتيجية"، محسن المصطفى، إن "إسرائيل سيطرت مؤخرا على قمة جبل الشيخ البالغ ارتفاعها 2814 مترا، وذلك لأسباب استراتيجية وأمنية، مستغلة الفراغ الأمني الناتج عن انسحاب جيش نظام الأسد بعد سقوط نظامه".
وأضاف في حديثه لموقع "الحرة" أن "جبل الشيخ يُعد موقعا استراتيجيا مهما، حيث يوفر نقطة مراقبة متقدمة تُشرف على مناطق واسعة في سوريا ولبنان والأردن وإسرائيل. هذا الموقع يُمكّن إسرائيل من تعزيز قدراتها في جمع المعلومات الاستخباراتية ومراقبة التحركات العسكرية في المنطقة".
وتابع "بالإضافة إلى ذلك، فإن السيطرة على جبل الشيخ تمكن (الجيش الإسرائيلي) من نشر أنظمة دفاعية واستخباراتية متقدمة، مما يُعزز من أمن المستوطنات الإسرائيلية في مرتفعات الجولان ومناطق الجليل الأعلى".
وتنشر إسرائيل في مواقعها بالجليل وتلال كفرشوبا ومزارع شبعا أجهزة بث وتشويش وأعمدة إرسال واتصالات وتجهيزات تجسسية متقدمة.
محطة رادار
ويقول الخبير العسكري، إسماعيل أبو أيوب، إنه "بعد السيطرة الإسرائيلية الاستراتيجية على هذا الجبل، من المؤكد أنها ستبني محطة رادار بعيد المدى".
ويكشف جبل الشيخ مدينة دمشق، ومن خلاله يمكن مراقبة مناطق شاسعة وخاصة في سوريا ولبنان.
ويوضح أبو أيوب في حديثه لموقع "الحرة" أن "محطة الرادار ستساعد على كشف الأهداف الجوية المدنية والعسكرية على مسافة قد تصل إلى 3 آلاف كيلومتر، وحد أدنى 1500 كيلومتر، وبالتالي تؤمن الإنذار والاستطلاع الراداري لمسافات بعيدة، وتحذر إسرائيل من أي مقذوفات جوية قد تصل إليها".
وأضاف أن "محطة الرادار تؤمن الكثير من عمليات التجسس والرصد، وهذا هو المعنى الحقيقي للسيطرة على جبل الشيخ (...) وأعتقد أن خروج إسرائيل منه لن يكون سهلا في أي مفاوضات مستقبلية (...) وهي لا تأبه لأي قرارات دولية".
وأشار إلى أنه "في سوريا الآن لا يوجد جيش كي يدافع عن جبل الشيخ، والآن الدولة تبدأ ببناء نفسها من الصفر" وذلك بعد إسقاط نظام بشار الأسد الدموي في 8 ديسمبر الحالي.
والثلاثاء، زار نتانياهو الموقع للاستماع إلى إفادة بشأن العمليات مع قادة للجيش ومسؤولين أمنيين.
وقال في بيان صدر عن مكتبه في وقت متأخر من مساء الثلاثاء "نجري هذا التقييم من أجل اتخاذ قرار بشأن نشر جيش الدفاع الإسرائيلي في هذا الموقع المهم لحين التوصل إلى ترتيب آخر يضمن أمن إسرائيل".
وانتقدت الأمم المتحدة وعدد من الدول توغل إسرائيل في المنطقة العازلة التي أعلن عنها بعد حرب 1973 ووصفته بأنه انتهاك للاتفاقات الدولية ودعت لسحب القوات.
هضبة الجولان الاستراتيجية
تبلغ مساحة هضبة الجولان 1200 كيلومتر مربع وتطل أيضا على لبنان وتتاخم الأردن، وتطمع إسرائيل بشدة في الموارد المائية والتربة الخصبة فيها.
وبدأت إسرائيل منذ الإطاحة بالأسد قبل أكثر من أسبوع، في تعزيز وجودها العسكري والمدني في مرتفعات الجولان السورية المحتلة.
تطل هضبة الجولان الغنية بالموارد الطبيعية على لبنان والأردن وتشمل قمة جبل الشيخ المكسوة بالثلج معظم أيام السنة.
احتلت إسرائيل القسم الأكبر من مرتفعات الجولان عام 1967 وأعلنت ضمها عام 1981، وبعد احتلالها بشهر فقط، تم تأسيس مستوطنة "مروم جولان" أول مستوطنة فيها. وبحلول العام 1970 تمت إقامة 12 مستوطنة إضافية في هضبة الجولان.
وإثر حرب أكتوبر 1973 بين إسرائيل وسوريا، تم التوصل إلى اتفاق هدنة استمر العمل به على مدار الخمسين عاما الماضية.
وكجزء من الاتفاق، أقيمت منطقة عازلة بطول 80 كيلومترا وتخضع لمراقبة الأمم المتحدة.
اليوم، يعيش في مرتفعات الجولان نحو 30 ألف مستوطن يهودي في أكثر من 30 مستوطنة بالإضافة إلى نحو 23 ألف درزي موجودون هناك من قبل احتلال الهضبة في العام 1967 ويحملون الجنسية السورية.
كما توجد العديد من القواعد العسكرية بما في ذلك نقطة أممية على قمة جبل الشيخ.
في عام 2019 وخلال ولايته الرئاسية الأولى، اعترف، دونالد ترامب، رسميا بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان المحتلة، فكانت الولايات المتحدة الدولة الأولى والوحيدة التي تعترف بذلك.
وبعدها أعلن نتانياهو عن إقامة مستوطنة "ترامب هايتس" تكريما للرئيس الأميركي آنذاك.
الأحد، وبعد أسبوع من الإطاحة بالأسد وافقت الحكومة الإسرائيلية على خطة لزيادة عدد السكان في الجولان مخصصة 40 مليون شيكل (11 مليون دولار) للمشروع.
وقال نتانياهو إن تدعيم الجولان هو تدعيم لدولة إسرائيل.
الأسبوع الماضي، أكد نتانياهو أن الجولان سيظل إسرائيليا "إلى الأبد".
السيطرة على المنطقة العازلة
ومع سقوط نظام الأسد في سوريا، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي انهيار اتفاق "فض الاشتباك" الموقع عام 1974 مع سوريا بشأن الجولان، وأنه أمر الجيش بالسيطرة على المنطقة العازلة حيث تنتشر قوات من الأمم المتحدة.
الجمعة، أمر وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، قواته بـ "الاستعداد للبقاء" في المنطقة العازلة خلال فصل الشتاء.
ويقول محللون إن القوات الإسرائيلية قد تبقى في المنطقة لما بعد الشتاء.
وقال متحدث باسم الأمم المتحدة إن ذلك يشكل انتهاكا لاتفاق فض الاشتباك.
ويذكر أنه بعد سقوط الأسد، نفذت إسرائيل مئات الغارات في سوريا حيث دمرت عتادا ومنشآت وقدرات للقوات البرية والبحرية والجوية السورية.
وتتمركز قوات من الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك في معسكرات ونقاط مراقبة في الجولان يدعمها مراقبون عسكريون من هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة.
وهناك "منطقة فصل" يطلق عليها عادة المنطقة منزوعة السلاح بين الجيشين الإسرائيلي والسوري وتبلغ مساحتها 400 كيلومتر مربع ولا يسمح لقوات الجانبين بدخولها بموجب اتفاق وقف إطلاق النار.
وهناك منطقة تمتد لمسافة 25 كيلومترا خلف "منطقة الفصل" على الجانبين تخضع لقيود على عدد القوات وكم ونوعية الأسلحة التي يمكن أن يمتلكها الجانبان هناك.
ونددت قطر والسعودية والإمارات بقرار إسرائيل، ووصفته الإمارات التي طبّعت العلاقات مع إسرائيل في عام 2020 بأنه "إمعان في تكريس الاحتلال وخرق وانتهاك للقوانين الدولية".
وتقول إسرائيل إنها تنفذ مئات الضربات على مخزونات الأسلحة الاستراتيجية والبنية التحتية العسكرية في سوريا لمنع المعارضة التي أطاحت بالأسد من استخدامها.
وقال، أحمد الشرع، القائد الفعلي لسوريا، السبت، إن إسرائيل تستخدم ذرائع واهية لتبرير هجماتها على سوريا، لكنه غير مهتم بالانخراط في صراعات جديدة وسط تركيز بلاده على إعادة الإعمار.
ويقود الشرع، المعروف باسم أبو محمد الجولاني، إدارة العمليات العسكرية التي أطاحت بالأسد في الثامن من ديسمبر منهية بذلك حكم العائلة الذي دام خمسة عقود.
وأضاف أن الحلول الدبلوماسية هي السبيل الوحيد لضمان الأمن والاستقرار "بعيدا عن أي مغامرات عسكرية غير محسوبة".