• الساعة الآن 10:53 AM
  • 15℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

ما مصير العلويين في سوريا بعد إسقاط الأسد؟

news-details

جاء خبر سقوط الرئيس السوري بشار الأسد كالصاعقة على آذان عائلة علي، التي تعيش منذ نحو عشرين عاما في محافظة طرطوس، ذات الأغلبية العلوية.

يقول علي (اسم مستعار) لبي بي سي إنه، مثل علويين كثر في مدن الساحل السوري، يشعر الآن بخوف وذعر لم يتوقعهما يومًا. هذا الشعور تفاقم بعد سقوط نظام بشار الأسد، الذي ينتمي للطائفة ذاتها، وحظي بدعم قوي منها طوال 24 عامًا من حكمه لسوريا.

"أول ما سمعت بسقوط حكم الأسد، شعرت وكأني فقدت أغلى شيء لدي. ما يخيفنا الآن هو أننا أقلية في هذا البلد. نحن خائفون من المجهول، ولا نعرف ما الذي ينتظرنا وما مستقبلنا... مصيرنا كعلويين مجهول تماما".

في وقت مبكر من فجر يوم الأحد الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024، أعلنت هيئة تحرير الشام، بقيادة أحمد الشرع المعروف بأبو محمد الجولاني، السيطرة على العاصمة السورية دمشق وإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد.

ونقلت وكالة تاس الروسية عن مسؤول في محافظة اللاذقية قوله إن "المعارضة تسيطر كليا على محافظتي طرطوس واللاذقية". وأضاف أن "القوات المسلحة للمعارضة لم تقم ولا تعتزم اقتحام القواعد العسكريّة الروسية، الّتي لا تزال تعمل بشكل طبيعي".

ولد علي قبل 35 عاما في بدلة مشقيتا التابعة لمحافظة اللاذقية السورية، وذلك قبل أن ينتقل مع أسرته منذ 18 عاما إلى مدينة بانياس بطرطوس.

يروي بنبرة حزينة في حديثه لبي بي سي : "في زمن الرئيس الأسد لم نخف يوماً من أن يأتي أحد ليذبح أفرادا من طائفتنا بدون محاسبة، كان هناك قانون. أما الآن، فنحن نبقى داخل بيوتنا. يقول لنا أفراد المعارضة ألا نخاف وأنهم لن يذبحونا. هذه الكلمات تتردد بكثرة، ولكننا لا نعرف إذا ما يمكن أن يغدروا بنا أم لا..لا شيء يضمن لنا هذه التطمينات".

لا إحصاءات دقيقة لأعداد العلويين في سوريا، غير أن التقديرات تشير إلى أنهم يشكلون12% من سكان البلاد، البالغ عددهم 23 مليون نسمة.

وبعد انقلاب عام 1970، بقيادة حافظ الأسد، والد الرئيس بشار الأسد، عزز العلويون سلطتهم على المؤسسات الرئيسية والأجهزة الأمنية في سوريا.

وتعتبر العلوية إحدى طوائف الشيعة في الإسلام. وتعني كلمة علوي "تابع علي" وهو ابن عم النبي محمد وصهره. ويتمركز العلويون في سوريا بشكل رئيسي على ساحل البحر الأبيض المتوسط ​​في البلاد، في مدينتي اللاذقية وطرطوس. خارج سوريا، توجد مجتمعات علوية أصغر في تركيا (خاصة في محافظة هاتاي)، وشمال لبنان، وفي مناطق أخرى من الشرق الأوسط.

يقول علي إنه شاهد عناصر من هيئة تحرير الشام وهم يمرون على المنازل في طرطوس لمطالبة السكان بتسليم أي أسلحة لديهم، مما عزز لديه الشعور بالعجز والضعف. لكنه في الوقت ذاته، يؤكد إنه لم يتعرض أو أحد من معارفه لمضايقات من أعضاء هيئة تحرير الشام.

"لا شيء يحمينا أبدا، نحن غير قادرين أن نفعل شيئاً. نشاهد ونبكي من الخوف والعجز ولأن لا مكان لنا نحتمي فيه".

ويقول علي إن ما زاد الأمور سوءًا هو الغارات الجوية الإسرائيلية على مناطق متعددة في سوريا. يصف الوضع الحالي للعلويين بأنهم "باتوا عالقين بين مطرقة المعارضة السورية وسندان الهجمات الإسرائيلية"، على حد تعبيره.

وبعد الإطاحة بالأسد، شنت القوات الإسرائيلية غارات كثيرة تقول وسائل إعلام سورية إنها استهدفت مستودعات الذخيرة في جنوب سوريا، تشمل مواقع بريف درعا ومحافظة القنيطرة جنوب غربي البلاد، هذا إلى جانب محيط مطار المزة العسكري في دمشق.

وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية، تسعى إسرائيل لتدمير الأسلحة الإستراتيجية في ‫سوريا، لتحول دون استيلاء المعارضة السورية على مخزون الأسلحة التابع للجيش السوري "خوفا من استخدامها ضدها في المستقبل".

الرحلة من دمشق إلى الساحل

وعلى مدار اليومين الماضيين، غادر عدد كبير من العائلات العلوية المقيمة في العاصمة السورية دمشق باتجاه الساحل. وشارك أفراد بعض هذه العائلات تجاربهم مع بي بي سي. من بينهمفرح، وهي علوية كانت مقيمة في دمشق.

تقول إنها وعائلتها غادروا دمشق بعد تردد كبير فجر الاثنين الماضي، وإنهم اضطروا للمرور بـ11 حاجزا في طريقهم من العاصمة السورية إلى مدينة جبلة باللاذقية، مشيرة إلى أنهم لم يسلموا من "العبارات الطائفية" طوال الرحلة التي استغرقت نحو 15 ساعة، وهي في المعتاد لا تتجاوز مدتها 3 ساعات.

وتضيف فرح (اسم مستعار): "في كل حاجز كان عناصر هيئة تحرير الشام، يسألوننا هل أنتم سنة أم علويون؟ اضطررنا للقول إننا سنة، وكانت النساء منا ترتدي غطاء الشعر على طول الطريق خوفا من المعارضة".

تصف فرح التعامل من قبل أعضاء هيئة تحرير الشام في الغالبية الساحقة من الحواجز "بالمهين" باستثناء اثنين ممن التقوا بهم على الحواجز كانا "يتعاملان بلطف معنا". ولكن "في أغلب الوقت" كانوا يتعمدون سؤال الرجال من أفراد أسرتها عما إذا كانوا مدنيين أم عسكريين.

تقول: "سبقتنا عائلات من أصدقائنا على الطريق ومنهم من قال لنا إنهم أجبروا على ترك سياراتهم للمعارضة، حتى نحن سرقت سيارتنا، ووجه أحد أفراد المعارضة المسدس نحو رأس والدي وخيره بين البقاء في السيارة أو المغادرة، وبالفعل أخذوا سيارتنا على الطريق".

غادرتعائلات كثيرة مقيمة في أحياء ذات غالبية علوية في دمشق - مثل حي الورود- العاصمة باتجاه الساحل، وكان القرار بحسب فرح سريعا ومفاجئا.

"كنا نرى عائلات تتجه سيرا على الأقدام نحو الساحل. أخذنا ما يمكن أن نأخذه من أغراضنا في أكياس بلاستيكية".

تباين وتفاؤل

بين العلويين أيضاً معارضون للرئيس السوري بشار الأسد عبروا عن فرحتهم لسقوط نظامه ولا يخشون وجود أفراد هيئة تحرير الشام في مدن الساحل. من بينهم هؤلاء باسل (اسم مستعار) الذي قال لبي بي سي إنه خرج مع أصدقائهإلى الشوارع للاحتفال بعد سقوط الأسد.

يقول لبي بي سي: " لا أشعر بأي خطر، أنا وأكثر من صديق لي نزلنا وتصورنا مع الهيئة و"ما في شي"!على العكس، هم (المعارضة) يعملون في السياسة وخلصونا من طاغية. العلويون الخائفون هم إما من فئة البسطاء الذين يخافون بسبب عدم الوعي أو الشبيحة الذين ارتكبوا جرائم في عهد الأسد".

يشير مصطلح "الشبيحة" في سوريا إلى مؤيدي الرئيس السابق بشار الأسد ممن كانوا يتعاملون بعنف لفظي أو بدني مع معارضيه أو يدعون لاستخدام أساليب عنيفة للتعامل مع المعارضة السورية.

ويضيف باسل أن تعامل المعارضة السورية مع العلويين في حمص وحلب أسهم في تهدئة مخاوف العديد من أبناء الطائفة في مناطق الساحل السوري. ويقول: "أنا متفائل كثيرا وأشعر أن المستقبل أفضل لنا كعلويين".

مثل باسل، بتول (اسم مستعار) متفائلة بما سيأتي لكنها توضح إن الخوف الذي يشعر به غالبية العلويين في مدن الساحل السوري "مبرر" نظرا لأن كثيرين يخشون من اندلاع الفوضى وتعرض ممتلكاتهم لأعمال السرقة والنهب.

وأضافت بتول – وهي أم ومدرّسة في طرطوس- إن حالة من الخوف العارم سيطرت على الأجواء في البداية، "فبعض العلويين كانوا يخشون الاستفزازات أو أن ينقلب الوضع لحرب أهلية، أو أن ينتشر السلاح بين الشبيحة بعد تعرضهم لصدمة سيطرة المعارضة على الساحل، خاصة وأننا كنا نسمع أن هيئة تحرير الشام ستأتي وترتكب مجازر جماعية، ولكن مع مرور الوقت بدأ الخوف يهدأ كثيرا مقارنة بالسابق".

شارك الخبر: