خاص | النقار
الجرموزي المخلص وهبة السماء الجديدة التي جادت بها على سلطة صنعاء. انتظرته طويلاً كوزير معتكف في صومعته يقلب الأفكار ويفرز ما تكدس منها ليخرج من ثم بحلول أعجبت المشاط وأحمد حامد وقربتهما من “شعبهما العزيز”. لم يتبقَّ إلا أن ينصرم الشهر المتبقي وتأتي السنة الجديدة ميلادية كما يبدو، وآذنة بعهد جديد وعد به وزير المالية عبد الجبار الجرموزي: نصف راتب شهري يتم صرفه بانتظام حتى لا يكون للموظفين حجة بعدها على حكومة الرهوي ومفتاح. ومن أوفى بوعده من حكومة وزير ماليتها الجرموزي؟!
لكن لأن الشيطان يكمن دائماً في التفاصيل، فعليكم أيها الموظفون أن تكتفوا بتلك البشرى وقد حملها لكم الجرموزي خالصة مبرأة كذمته المالية، خصوصاً وأنها تأتي بعد اعتكاف دام لأشهر تخلى فيها حتى عن كتابة التغريدات ومتابعة من قد ينتقده أو يأتي على ذكره سلباً أو إيجاباً. كل هذا من أجلكم بطبيعة الحال، فهو لا يرضى أن يقال عنه (معالي الوزير) أو أن يبيت مبطناً وثمة موظفون غرثى في عهده. وبالتالي هو نصف راتب بالتمام والكمال سيقوم وزير المالية حياله بإلزام كل المؤسسات الإيرادية بتوريد وتسليم إيراداتها إلى حسابه حتى يتسنى له صرفه لكل واحد منكم. تبقى فقط أن يتحول كل ذلك إلى قانون يُعرض على مجلس النواب للتصويت عليه وإقراره بالإجماع كغيره من القوانين.
إلا أن التفاصيل التي يكمن فيها الشيطان ولا يريد الجرموزي وحكومته الرهوية لأصحاب نصف الراتب الشهري أن يشغلوا رؤوسهم بها، يبدو أنها استوقفت حقوقياً هنا وبرلمانياً هناك ليتحدثوا عنها بشيء من الذهول. لكن قبل إيراد ما كتبه هؤلاء لا بأس من التعريج إلى موقع “المساء برس” التابع لسلطة صنعاء لقراءة فحوى الخطة الجرموزية لإنقاذ الموظف. حيث نقل الموقع عن “مصادر خاصة مطلعة على ملف الآلية المؤقتة لصرف مرتبات موظفي الدولة في المناطق التي تديرها حكومة صنعاء”، أنه “سيتم صرف نصف راتب شهرياً كإجراء مؤقت حتى يتم إعادة توحيد السياسة النقدية والاقتصادية والمالية لليمن”.
الموقع تحدث عن “توقعات سابقة كانت تشير إلى أن حكومة صنعاء ستعمل على إيجاد آلية لصرف نصف راتب كل شهرين… إلا أن المفاجأة كانت بأن نصف الراتب سيصرف شهرياً وليس كل شهرين”، بالتالي هي مفاجأة كبرى لم يكن أحد ليتوقعها، خصوصاً وأنها جاءت من “حكومة التغيير والبناء”.
أما الآلية المتبعة، فهي بحسب “المساء برس” كالتالي: “قامت حكومة صنعاء باقتراض المبلغ الذي ستسدد منه مرتبات موظفي الدولة في مناطق سيطرتها للقطاعات غير الإيرادية، كون القطاعات الإيرادية لم تتوقف مرتبات موظفيها واستمرت بالصرف”، وعليه فإن “الاقتراض سيكون من المؤسسات الإيرادية المحلية، على أن تبقى المرتبات المتوقفة وأيضاً المرتبات التي سيستأنف صرفها على شكل نصف راتب شهرياً كمديونية لدى التحالف السعودي الإماراتي كون مسألة المرتبات والتداعيات الاقتصادية السلبية على العدوان على اليمن لن تسقط بالتقادم وستبقى مسؤولية تتحمل تداعياتها الاقتصادية والمالية والقانونية على السعودية كونها التي أعلنت الحرب والعدوان على اليمن وفرضت عليه حصاراً مالياً واقتصادياً”.
ظاهره العذاب وباطنه العذاب
الصيغة الغائمة التي أوردها “المساء برس” يشرحها النائب في برلمان صنعاء عبده بشر بوضوح أكثر، مشيراً إلى أن القانون الذي تقدمت به من وصفها بـ”حكومة اللا تغيير واللا بناء” إلى مجلس النواب والذي يفترض بأنه قانون لصرف المرتبات “ظاهره العذاب وباطنه العذاب”، وأنه “استكمال مصادرة أموال الوحدات المستقلة والملحقة والصناديق ومنها صندوق المعلم، والنتيجة صرف نصف مرتب كل ٣ أشهر وفي أحسن الأحوال نصف مرتب شهرياً ومصادرة أي حقوق سابقة”.
أما كيف ذلك، فيورد النائب بشر فقرات من ذلك القانون لتوضيح المسألة أكثر، حيث تقول مادة 11 مثلاً (تصرف المرتبات بموجب كشوفات آخر مرتب منصرف من الحكومة قبل صدور هذا القانون ووفقا لتقييم إنجاز وانضباط الشهر السابق للصرف وتبرأ ذمة الحكومة منه بعد الصرف).
وبحسب بشر، تنص المادة 18 على (يلغى أي حكم أو نص في أي قانون نافذ يتعارض مع أحكام هذا القانون)، معلقاً عليه بالقول: “وهذا يتعارض مع نصوص دستورية وقانونية تقرر المرتبات والحفاظ على حقوق الموظفين”.
ويبدو أن النائب بشر سلسل مواد القانون بالتدرج من الأقل مفاجأة إلى الأعلى، حيث تقول مادة 8: (تفويض وزير المالية بتحديد الوحدات وفرض الجبايات عليها وإذا لم تورد المبالغ يتم سحبها من أرصدتها لدى بنك حكومي أو خاص أو مختلط)، فيما مادة 9 تنص على: (لا تعتبر المبالغ المفروضة على الوحدات والجهات قرضاً أو ديناً على الحكومة أو الخزينة العامة ولا تلتزم الحكومة بالتعويض عنها، وفي حال تحصلت بلادنا على التعويضات تنظر وزارة المالية في إمكانية إرجاع المبالغ إلى تلك الجهات من عدمه).
وباختصار، وفق النائب بشر، “نهب عيني عينك، وبقانون. وهذا هو القانون المقدم إلى مجلس النواب”.
يا للانتصار العظيم!
المحامي عبدالفتاح الوشلي انتقد بشدة قانون “نصف راتب” الذي أقرته الحكومة، معتبراً أن الموظفين الذين عانوا من الجوع والفقر لسنوات، أصبحوا الآن ضحايا “انتصروا عليهم بقانون نصف راتب إبليس”. وقال الوشلي إن الحكومة كانت تدعي على مدى خمس سنوات أنها تسعى لإجبار السعودية على دفع مرتبات الموظفين بسعر الدولار الذي كان عليه قبل العدوان، إلا أن المفاوضات انتهت بترتيبات لصالحهم للحصول على أكبر قدر من الدولارات. وتساءل عن مصير التعويضات المتعلقة بمرتبات الموظفين، مشيراً إلى غموض الطريقة التي ستورد فيها هذه الأموال.
وأضاف الوشلي أن الإيرادات الشهرية للمؤسسات الحكومية الإيرادية، والتي يتم توريدها للبنك المركزي تصل إلى نحو 11 مليار ريال، بالإضافة إلى 7 مليارات توريد مستندي، في حين أن قيمة نصف الراتب الشهري ستتجاوز الـ 60 مليار ريال، منها 35 ملياراً لموظفي ما قبل 2014. واختتم بالقول: “للأمانة، ما سيحل بكم هو نتيجة ما فعلتموه، ونحن نستحق ما حل بنا بسبب صدقنا فيكم. جهزوا السجون والمعتقلات، فالموجودات لا تكفي”.
يصرون على المساواة في الجوع رغم قدرتهم على إشباع الجميع
أما المحامي والحقوقي مطهر محمد أحمد انتقد بشدة واعتبر القانون جزءاً من محاولات “وأد” المؤسسات عبر مجلس نيابي أصبح يتبنى قوانين جباية مثيرة للجدل. وقال في منشوره: “هل كان مجلس إقرار الجبايات منتخباً من الشعب أم من السلطة التنفيذية؟” مشيراً إلى أن المجلس لن يجرؤ على الاطلاع على إيرادات الضرائب والجمارك وفوارق النفط والغاز والاتصالات. وأضاف أن الحكومة الحالية أسوأ من سابقتها، إذ تسعى لمساواة الناس في الجوع رغم قدرتها على إشباعهم، مستعرضاً إيرادات ضخمة من ضريبة القيمة المضافة التي بلغت 205 مليارات ريال خلال عشرة أشهر، متسائلاً عن مصير باقي الإيرادات من الضرائب والجمارك.
وفي ختام منشوره، وجه نصيحة إلى ما تبقى من أعضاء السلطة التشريعية قائلاً: “إما أن تمارسوا سلطتكم بشكل كامل، أو تعلنوا وفاة هذه السلطة التي قد تكون شرعنت جريمة قتل من تبقى من الناس”.