النقار - خاص
تتباين أسعار الغاز المنزلي من جغرافية سيطرة إلى اخرى داخل الجغرافية الواحدة، وأحيانا تتباين من محافظة الى اخرى داخل جغرافية السيطرة الواحدة.
سعر اسطوانة الغاز سعة 20 لترا في مدينة مأرب للمستهلك يصل الى 5 ألف و 500 ريال جديد، فيما يتراوح سعرها لدى التجار في باقي المحافظات التي تديرها الحكومة المعترف بها دوليا بين 7 الف و 500 ريال، إلى 10 الف و 500 ريال.
وبالمقابل يصل سعر اسطوانة الغاز سعة 20 لترا في مناطق سيطرة الحوثيين الى 6 الاف و 500 ريال قديم كسعر موحد لدى مختلف طرمبات التعبئة.
وبمقارنة السعرين بالدولار الامريكي، سنجد أن أعلى سعر لاسطوانة الغاز في المناطق التي تديرها الحكومة تصل إلى (5.1) دولار، بسعر 2060 ريال للدولار الواحد، وفي مناطق الحوثيين (12.2) دولار، بسعر 534 ريال للدولار الواحد، ما يعني أن السعر في مناطق سيطرة الحوثيين يتضاعف بقرابة مرة ونصف عن اعلى سعر في المناطق التي تديرها الحكومة.
وبذلك فإن قيمة اسطوانة غاز واحدة في مناطق الحوثيين، يمكن أن يتم بها شراء اسطوانتين وما يقرب من 8 لتر في مناطق الحكومة، أي أن اعلى سعر للاسطوانة في مناطق الحكومة يصل إلى 41.1٪ من سعر ها في مناطق الحوثيين.
وبالمقارنة بين السعر في مدينة مأرب (5500 ريال) والحد الاعلى للسعر في مناطق الحكومة (10500 ريال) يتضح ان السعر اصبح مضاعفا في إطار جغرافية سيطرة واحدة، ويبرر التجار ذلك بقيمة النقل، لكن الامر يبدو مبالغا فيه، لأن السعر الرسمي لتعبئة مقطورات الغاز في صافر يصل إلى 3550 ريالا، مضافا إليها (17.75) ريال كضريبة دخل، بموجب قرار حكومة معين عبد الملك الصادر في فبرائر/شباط 2022، ما يعني أن الزيادة تكاد تكون مضاعفة مرتين عن سعر التعبئة في صافر.
وبحسب احصائيات العام 2021 بلغ انتاج منشاة صافر للغاز 26,687 مقطورة، توزع منها 11,948 مقطورة لمناطق الحكومة، و14,739 مقطورة لمناطق الحوثيين، أي ان 55٪ من الكمية المنتجة كانت تذهب الى مناطق الحوثيين، فيما 45٪ تذهب الى مناطق الحكومة.
واتخذت سلطة الحوثيين من الاختناقات التي كانت تحصل في مناطق سيطرتها مبررا لاستيراد الغاز عبر ميناء الحديدة، ابتداء من العام 2023، حيث كان الغاز المستورد يستخدم في البداية لتموين السيارات والقطاع التجاري.
وفي أغسطس/آب 2023 تم منع دخول مقطورات الغاز من مأرب، وتم فتح طرمبات جديدة لتعبئة اسطوانات المواطنين على مدار الساعة، بسعر 7500 ريال، لتخفض لاحقا الى 6500 ريال.
ومع بداية العام 2024 تم اعادة تفعيل معارض الغاز في الحارات، بعد أن ظلت متوقفة منذ بداية الحرب، وبسعر 5500 ريال، لكنها عملت لعدة أشهر، ثم توقفت، بعد خلافات مع شركة الغاز التي أرادت تعميم سعر محطات التعبئة على المعارض، وهو ما رفضه مالكي المعارض، واتجهوا صوب القضاء.
ومن التفاوت السعري الكبير بين مناطق الحوثيين ومناطق الحكومة يتضح أن سلطة صنعاء تستخدم مادة الغاز المنزلي "نار المطابخ" كتجارة على حساب المواطن، حتى صارت "تجارة النار" محمية بنقاط تفتيش تمنع عبور اي كميات حتى ولو كانت اسطوانة واحدة من مناطق الحكومة الى مناطق الحوثيين.
يقول فتحي صالح المقيم في منطقة ضمران بالقبيطة لحج التابعة لسلطة الحوثيين، انه يشتري اسطوانة الغاز من الراهدة ب6500 ريال قديم، ويدفع 500 ريال ايجار (13.1) دولار، فيما قريبه في منطقة سوق الاثنين المجاورة والواقعة في مناطق الحكومة يشتريها من اقرب طرمبة ب 8500 ريال جديد (4.1) دولار، فيما تمنع نقطة الحوثيين الواقعة في المنطقة مرور اي اسطوانة غاز من مناطق الحكومة.
وفي عزلة الاعبوس بمديرية حيفان جنوب محافظة تعز والمقسمة بين طرفي الصراع تمنع نقطة الحوثيين في قرية ظبي عبور السيارات المحملة بأسطوانات الغاز القادمة من مناطق الحكومة.
يقول أحمد سعيد الذي يقطن في اخر تجمع ريفي يقع تحت سيطرة الحوثيين انه يشتري اسطوانة غاز بسعر ثلاثة اسطوانات يشتريها ابن خاله الذي يقطن في أول تجمع ريفي مقابل في مناطق الحكومة، مع أنهما يستلمان مرتب موحد 110 الف ريال جديد.
وادى الفارق الكبير في سعر "نار المطابخ" الى ازدهار تجارة تهريب النار في مناطق التماس، حيث تتم هذه العملية عن طريق الدراجات النارية التي تسلك طرقا بديلة.
يقول (ح. ص) أن انهيار سعر الصرف في مناطق الحكومة أعدم ما تبقى من قيمة مرتبه، فلجأ لاستخدام دراجته النارية لتهريب 3 اسطوانات غاز الى مدينة الراهدة كل 3 ايام عبر طريق وعرة، ويدفع ألف ريال على كل اسطوانة كتسهيلات لعدم إعاقة حركته. ويضيف انه يعبي الثلاث الاسطوانات من طرمبة في مناطق التماس ب24 الف جديد (11.7) دولار، ويبيعها في الراهدة ب(18) ألف ريال قديم (33.7) دولار. ومع ذلك يقول إن هذا العمل مرهق للغاية، لكنه الخيار الوحيد المتاح امامه واخرين مثله.
وتفيد مصادر مطلعة أن استيراد الغاز عبر ميناء الحديدة يكاد يكون محتكرا بين ثلاث شركات، مملوكة لقيادات في سلطة صنعاء معروف عنها انها أصبحت تحتكر استيراد المحروقات. ويضيف أن احتكار الاستيراد مكنها من فرض السعر الذي يغدق عليها أرباحا مهولة على حساب المواطن.
وبذلك تكون سلطة الحوثيين قد حولت نار المطابخ من خدمة تقدمها الدولة للمواطن بهامش ربح بسيط الى تجارة نار تدر ارباح مهولة، ومعها فتح المجال لهوامير تجارة النار في مناطق الحكومة، مستفيدين من الكمية التي كانت تذهب الى مناطق الحوثيين، ليضاعفوا سعر الاسطوانة إلى قرابة الضعفين عن سعرها في صافر، بمبرر ارتفاع أجور الى المناطق البعيدة مع انهيار العملة.