حققت قوات المعارضة السورية تقدما سريعا نحو حلب ثاني أكبر مدينة في البلاد، مما أعاد إشعال الصراع الذي ظل خامدا إلى حد كبير لسنوات.
وبعدما حققت مكاسب محدودة فقط في السنوات الأخيرة، استولت قوات المعارضة بالفعل على حوالي 60 بلدة وقرية كانت تحت سيطرة القوات الحكومية، بجانب قاعدة للجيش السوري ومركز أبحاث عسكري يقع على بعد مائة ياردة فقط من حلب ثاني أكبر مدينة في البلاد.
وادعت الجماعات المسلحة، الجمعة، أنها دخلت المدينة، التي كانت تخضع لسيطرة الحكومة منذ عام 2016.
وفي وقت سابق، الجمعة، استهدفت قذيفة مدفعية سكن الطلاب بجامعة حلب، مما أسفر عن مقتل 3 أشخاص، بحسب وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، التي ألقت باللوم على فصائل المعارضة في الهجوم. ووصف متحدث باسم المعارضة المسلحة ويُدعى حسن عبدالغني، الاتهامات بأنها "أكاذيب لا أساس لها".
وبحسب منظمة الخوذ البيضاء، قُتل 15 مدنيا على الأقل، بينهم 6 أطفال وامرأتان، وأُصيب 36 آخرون، الخميس، في غارات جوية وقصف على مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة في ريفي حلب وإدلب.
وقال عبدالغني لشبكة CNN: "هدف العملية... هو تحرير أرضنا المحتلة من النظام الإجرامي والميليشيات الإيرانية، وكذلك توفير بيئة آمنة لعودة النازحين إلى مدنهم وبلداتهم"، حسب وصفه.
وقال الجيش السوري إنه "يتصدى لمنظمات إرهابية"، وادعى أنه ألحق بتلك الجماعات "خسائر فادحة" منذ الأربعاء.
وتمثل عملية الأربعاء المفاجئة، أول مواجهة كبيرة بين المعارضة السورية والنظام منذ مارس/آذار 2020، عندما توسطت روسيا وتركيا في وقف إطلاق النار في شمال البلاد.
وظل الصراع خامدا إلى حد كبير منذ ذلك الحين، مع اشتباكات محدودة بين المتمردين ونظام بشار الأسد. وقُتل أكثر من 300 ألف مدني على مدار أكثر من عقد من الحرب، بحسب الأمم المتحدة، ونزح ملايين الأشخاص إلى جميع أنحاء المنطقة.
وبدأت الحرب الأهلية في سوريا خلال "الربيع العربي" عام 2011 عندما قمع النظام انتفاضة مؤيدة للديمقراطية ضد الأسد، الذي تولى الحكم منذ عام 2000. وانغمست البلاد في حرب أهلية واسعة النطاق، حيث تم تشكيل قوة معارضة، تُعرف باسم "الجيش السوري الحر"، لمحاربة القوات الحكومية.
وتضخم الصراع مع تكالب جهات إقليمية أخرى وقوى عالمية - من المملكة العربية السعودية وإيران والولايات المتحدة إلى روسيا- مما أدى إلى تصعيد الحرب الأهلية إلى ما وصفه بعض المراقبين بأنه "حرب بالوكالة". وتمكن تنظيم "داعش" أيضا من اكتساب موطئ قدم في البلاد قبل تعرضه لضربات كبيرة.
وعلى مدار أكثر من عام، تابعت إيران وكيلها القوي، حزب الله، يتعرض للقصف عبر حملة جوية وبرية إسرائيلية شرسة في لبنان. فالجماعة المسلحة التي يُنسب لها الفضل في إنقاذ نظام الأسد من المسلحين السوريين، أصبحت ضعيفة بشكل كبير الآن، حيث اُغتيل معظم قادتها.
وقال مصدر أمني تركي لشبكة CNN، إن تركيا حاولت وقف هجوم المتمردين "لمنع المزيد من تصعيد التوترات في المنطقة بسبب العدوان الإسرائيلي"، في إشارة إلى الحربين في لبنان وغزة.
وأضاف المصدر أن المتمردين أطلقوا ما كان من المفترض أن تكون "عملية محدودة" ضد نظام الأسد بعد أن استهدف الجيش السوري والميليشيات المتحالفة معه مدينة إدلب التي يسيطر عليها المتمردون، وقتلوا أكثر من 30 مدنيا. وقال المصدر إن المتمردين وسعوا العملية بعد فرار قوات النظام من البلدات المحيطة بحلب. ولا يمكن لشبكة CNN التحقق بشكل مستقل من تلك الادعاءات.
وقالت وسائل إعلام حكومية إيرانية إن العميد في الحرس الثوري كيومرث بورهاشمي، كبير المستشارين العسكريين الإيرانيين في سوريا، قُتل في حلب.
وفي مكالمة هاتفية مع نظيره السوري لمناقشة التصعيد، اتهم وزير خارجية إيران، عباس عراقجي الولايات المتحدة وإسرائيل بـ"إعادة تنشيط" المتمردين، وأكد على "استمرار دعم" إيران للحكومة والجيش السوري.
ودعا المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف السلطات السورية إلى "إعادة النظام بسرعة في هذه المنطقة واستعادة النظام الدستوري".
ضعف محور المقاومة
يقول محللون إن المتمردين يستغلون الفراغ الذي خلفه حزب الله الضعيف، للتقدم في سوريا.
وقال نانار هواتش، المحلل البارز المتخصص في الشأن السوري في مجموعة الأزمات الدولية، وهي مؤسسة بحثية مقرها بروكسل: "يرى المتمردون فرصة لاختبار الخطوط الأمامية مع ضعف حزب الله، وإيران المضغوطة، وروسيا المنشغلة بأوكرانيا...فُوجئ المتمردون بنجاحهم ودفعوا بقوة أكبر مما توقعوا". وأضاف: "يرى المتمردون تحولا في القوى".
لقد وفرت إيران وروسيا لأكثر من عقد، القوات والأسلحة لمساعدة الأسد على البقاء في السلطة. ودعمت تركيا بقيادة رجب طيب أردوغان الجماعات المتمردة ونشرت قوات تركية للاحتفاظ بالسيطرة على معاقل المعارضة في شمال سوريا.
وحافظت إيران على وجودها العسكري في سوريا كجزء من جهد موسع لإبقاء الأسد في السلطة والحفاظ على بصمتها الإقليمية الاستراتيجية. واستهدفت إسرائيل فيلق القدس التابع للحرس الثوري خلال السنوات الماضية، بما في ذلك غارة جوية على مبنى السفارة الإيرانية في دمشق في أبريل/نيسان الماضي، والتي قتلت قائدا كبيرا في الحرس الثوري الإيراني، مما دفع طهران إلى توجيه أول ضربة مباشرة على الإطلاق لإسرائيل.
وكان لحزب الله وكيل إيران دور فعال في مساعدة الأسد على استعادة الأراضي التي خسرتها الميليشيات والجماعات المتمردة. وحارب مقاتلوه نيابة عن الأسد ضد جماعات المعارضة المسلحة السورية وجبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة. ولقد عملت سوريا كعمود فقري لوجستي أساسي للجماعة، لبناء ترسانتها الصاروخية في وطنها الأم لبنان.
وعلى مدار الشهور الماضية، حولت قوات حزب الله المقاتلة تركيزها تجاه إسرائيل، وسحبت قواتها من سوريا إلى لبنان، في محاولة لتعويض خسائرها مع تقارب الأسد من دول الخليج العربية وتراجع دوره مع "محور المقاومة" الإيراني، وهو مجموعة فضفاضة من الميليشيات الإقليمية المتحالفة مع إيران، حسبما قال هواتش.
ومنذ ذلك الوقت، ألحقت إسرائيل أضرارا جسيمة بالجماعة في لبنان، حيث قتلت زعيمها منذ فترة طويلة حسن نصرالله، وقضت على العديد من كبار القادة في الجماعة. وفي سبتمبر/أيلول، شن الجيش الإسرائيلي هجوما شاملا على المناطق ذات الأغلبية الشيعية في جميع أنحاء البلاد، حيث يتمتع حزب الله بنفوذ كبير، واستهدفت أجزاء أخرى من لبنان.
وقال هواتش: "كان هدف حزب الله هو أن يكون له تواجد ملموس في سوريا، وقد تضاءل هذا التواجد طيلة العام الماضي بسبب سحب القوات خاصة مع التصعيد الإسرائيلي في لبنان".