• الساعة الآن 03:35 AM
  • 8℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

‏"لا نشعر بأننا ننتمي إلى هنا" ‏..عن أبناء محافظة إب وحالة اللاإعتبار لوجودهم

news-details

 

‏خاص | النقار | إياد الصلاحي

‏تجمع المئات من أبناء محافظة إب في ميدان السبعين بالعاصمة صنعاء، حاملين مطلبًا واضحًا: القصاص من قتلة الشيخ صادق أحمد، أحد مشايخ مديرية الشعر. هذا الاعتصام يعكس الغضب المتصاعد والمطالبات المتكررة بالعدالة، لكنه يثير تساؤلاً أعمق: ما هي مكانة أبناء محافظة إب في المشهد اليوم؟

‏سلطة صنعاء، ممثلة بأنصار الله، لا تعطي أبناء محافظة إب أي اعتبارات تُذكر عند التفكير في كيفية مراعاة التعقيدات اليمنية المترابطة ببعضها. لا يتعاملون مع أبناء إب كمواطنين يستحقون المراعاة ضمن موازين القوة وتعقيداتها، ولا أحد منهم يشعر بالخطر من هذه المحافظة. ليس لأن أبناءها ضعفاء وجبناء، بل لأنهم -كمجتمع حضري- مسالمون أكثر، ولا يبالون بمن يحكم ومن يستولي على الحكم لنفسه. لهذا يتعاطى الجميع معهم بدون خوف من أية أحداث قد تطرأ من هناك، وفي حالة الشعور بالخطر منهم، يكون الضرب بقوة أكبر أحد خيارات الفصل السريع، بلا مراعاة لإجراءات أخرى قد تكون مسالمة.

‏هذه الأمور بتراكماتها أحدثت متغيرات غير مرغوبة، إذ تحول الأمر إلى تعامل بدون أي عدالة. هذا ما عبّر عنه أحد مشايخ إب في سياق حديثه، وهو يناشد الدولة بالالتفات لمظلوميتهم خلال وقفة احتجاجية في ميدان السبعين بصنعاء، حيث قال: "نحن أبناء محافظة إب لا نشعر بأننا بشر. هذا ما شعرنا به تجاه تجاهلنا. لقد طارد رجال أمن بزي مدني صاحبنا في شوارع صنعاء وقتلوه بخمسين طلقة".

‏على مدى العقد الماضي، تكشّفت ملامح واضحة لواقع الإهمال الذي تعانيه محافظة إب وأبناؤها وأعيانها، وكأنها تدفع ثمن ميلها نحو السلم وابتعادها عن صراعات القوى. يعتمد معظم سكانها على دعم أبنائهم المغتربين في الخارج، مما يجعلها تبدو في الظل لفترات طويلة. ومع ذلك، تعود إب إلى الواجهة بين الحين والآخر، ولكن من بوابة المآسي والمظالم، إذ ارتفعت وتيرة حوادث القتل المنسوبة لمجهولين، إلى جانب تصاعد الانتهاكات التي يرتكبها عناصر محسوبون على سلطة الجماعة. هذه الانتهاكات الخطيرة تستمر في ظل غياب القوانين الرادعة أو أي تحركات جدية للتخفيف منها.

‏تعد محافظة إب الأكثر تضررًا من حملات الاعتقال التي شنتها السلطات خلال موجة 26 سبتمبر، حيث طالت المئات بل الآلاف من الشباب القاصرين والمواطنين العاديين، بتهمة محاولة الاحتفال بذكرى الجمهورية اليمنية. ما يميز إب عن بقية المحافظات هو حجم هذه الاعتقالات، الذي يعكس تجاهلاً متعمدًا لهذه المحافظة وأبنائها.

‏تسهم إب بمليارات الريالات سنويًا كضرائب وزكوات، ومع ذلك تظل محرومة من المشاريع التنموية، سواء في الطرق أو البنية التحتية، مقارنة بما تحظى به مناطق أخرى. ويشير البعض إلى أن هذا الإهمال ليس جديدًا، بل تعمّق خلال سنوات الحرب اليمنية. ففي الوقت الذي شهدت فيه مناطق سيطرة أنصار الله انقطاعًا حادًا في المشتقات النفطية، كانت محافظة إب تشهد توفرًا مستمرًا للبترول والديزل، ولكن بأسعار مرتفعة جدًا، مما يعكس تعامل السلطات مع المحافظة كمنطقة إيرادية ضخمة تستنزف مواردها وتثقل كاهل سكانها دون أن تقدم لهم المقابل.

‏من الناحية الاقتصادية، يمثل المغتربون اليمنيون من أبناء محافظة إب التوازن الحقيقي لليمنيين، إذ يحافظون منذ سنوات انهيار الدولة على توازن الاقتصاد. هؤلاء المغتربون هم سر البقاء اليمني دون المجاعة، وسر استمرار الحياة رغم كوارثها وبشاعتها. الضخ المالي اليومي من كل دول العالم إلى معظم الأسر اليمنية يحافظ على استمرارية الحياة. ولولا هذه التحويلات لانحدرنا منذ زمن للهاوية والمجاعة.

‏آلاف الأسر وآلاف المشاريع وآلاف البيوت تعتمد على أموال المغتربين اليمنيين. بعضهم يتكفلون شهريًا بعشرين أسرة، وبالطبع من خارج أقاربهم، وآخرون مثلهم. وهكذا استمرت العجلة اليمنية بالدوران، في واحدة من أغرب المراحل المعيشية على مستوى العالم، مراحل السقوط والبقاء على قيد الحياة. ففي حين تسقط الدول، وتطول الحروب، وتنعدم الموارد، يموت البشر وتتوقف عجلة البقاء. إلا أن اليمن أنقذ نفسه بنفسه. وهنا، نحن بالفعل ممنونون جدًا لأبناء محافظة إب.

شارك الخبر: