خاص | النقار
تشهد عملية التغيير الجذري التي تعكف عليها سلطة صنعاء في الآونة الأخيرة تحولات سلبية، كان أبرزها دمج عدد من المؤسسات الحكومية المستقلة، ما أثار العديد من التساؤلات والقلق بين أوساط الباحثين والسياسيين والحقوقيين. من أبرز هذه الخطوات دمج مركز الدراسات والبحوث التابع لجامعة صنعاء مع مركز التطوير التربوي التابع لوزارة التربية والتعليم.
الكاتب الصحفي محمد عبد الوهاب الشيباني يرى أن هذا الدمج لا يعد مجرد تغيير هيكلي، بل هو بمثابة محو لتاريخ المركز ورمزيته الثقافية والعلمية، التي كانت تعتبر حجر الزاوية في أبحاث ودراسات تخص مجالات متنوعة. أما الناشط السياسي عبد الجبار الحاج، فيُطلق على هذا الدمج وصف “إجراء سخيف”، مُنتقدًا غياب الفهم لدور المركز العلمي الرفيع وأهميته في المجتمع الأكاديمي.
ومن بين القرارات التي أثارت الكثير من الجدل أيضًا، دمج الهيئة العامة للتأمينات والمعاشات، التي كانت مسؤولة عن معاشات موظفي الدولة المتقاعدين، مع المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية المعنية بمعاشات المتقاعدين من القطاع الخاص. هذا الدمج، كما يرى العديد من الخبراء، قد يؤدي إلى تعطيل فعالية هذه المؤسسات بسبب تدهور الوضع المالي والإداري للهيئة الأولى، ما قد ينعكس بشكل سلبي على انتظام صرف المعاشات لمتقاعدي القطاع الخاص.
وفي خطوة أخرى، تم دمج مصلحة الضرائب مع مصلحة الجمارك، وهو أمر ينظر إليه بأنه غير منطقي بسبب اختلاف طبيعة العمل بين المصلحتين. هذا الدمج سيخلق دون شك تحديات في التنسيق الإداري، وقد يسبب بعض الفوضى في تنظيم العمل الضريبي والجمركي.
أما على صعيد الهيئة العامة للطيران المدني، فقد تم دمجها أيضًا مع مكتب وزير النقل والأشغال، وهو ما يثير تساؤلات جادة حول تأثير هذا القرار على استقلالية الهيئة التي كانت تعمل وفق قوانين دولية تحكم تنظيم الطيران. الفكرة الأساسية في هذه الخطوة هي أن هذه الهيئة كانت تعد وحدة مستقلة ماليًا وإداريًا، والدمج معها قد يفتح الباب لانتقال الإقليم الجوي من تحت إدارة الهيئة في صنعاء إلى خارج اليمن، وهو أمر قد يضر بالقطاع بشكل كبير.
الحديث عن هذه التغييرات لا يمكن أن يخلو من تساؤلات قانونية مهمة، فالكثير من هذه المؤسسات تم إنشاؤها وفق قوانين تنظم عملها وتحدد أهدافها. لكن هذه القرارات جاءت لتخل بتلك الأسس القانونية، ما يفتح المجال للعديد من التحديات الإدارية والمالية.
على الرغم من الدعاية الكبيرة التي رافقت هذه التغييرات من قبل سلطة صنعاء، إلا أن الغموض المحيط بكيفية تنفيذها، وبالأخص التغييرات في تبعية بعض المؤسسات، ينعكس سلبًا على الكفاءة في إدارتها. هذه الخطوات قد تخلق حالة من الفوضى السياسية والإدارية، ما يعزز حالة الفساد الذي ينهش البلد منذ أكثر من عقد من الزمن. بدلاً من أن تسهم هذه الهيكلة في تحسين الأداء، ستصبح أداة جديدة لتعميق الأزمة.