لا تخلف الحرب التي تشنها إسرائيل على كل من حماس وحزب الله، خسائر فادحة في الأرواح وحسب، بل تُكلف أيضا فاتورة مالية باهظة الثمن، بحسب ما أوردت أسوشيتد برس، بعدما تضخم الإنفاق الحربي لإسرائيل بخاصة في المناطق الحدودية الأكثر خطورة، فيما تعثر النمو الاقتصادي.
ويقول اقتصاديون إن إسرائيل قد تواجه تراجعا في الاستثمار وارتفاعا في الضرائب، بعدما أثقلت الحرب ميزانية البلاد ووضعت الحكومة أمام اختيارات صعبة، بين الخطط الاقتصادية والعسكرية.
فاتورة الحرب بالأرقام
الفاتورة الشهرية التي تنفقها الحكومة الإسرائيلية على الجيش آخذة في الزيادة، فقبل هجوم حماس في السابع من أكتوبر 2023، كان الانفاق الحربي لإسرائيل يبلغ 1.8 مليار دولار، ليتضخم بعد ذلك التاريخ ويبلغ 4.7 مليار دولار بنهاية العام الماضي، بحسب معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.
وبحسب المعهد، أنفقت الحكومة الإسرائيلية 27.5 مليار دولار على الجيش العام الماضي، مما يضع إسرائيل في المرتبة الخامسة عشر عالميا من حيث حجم الانفاق الحربي، متقدمة على إسبانيا وكندا، اللتين تتفوقان على إسرائيل من حيث عدد السكان.
الإنفاق الحربي يمثل 5.3% من الناتج الاقتصادي السنوي لإسرائيل، مقارنة بالولايات المتحدة التي تنفق 3.4% وألمانيا 1.5%. لكن هذا الرقم قد يبدو هزيلا إذا ما قُورن بما تنفقه أوكرانيا لرد العدوان الروسي عليها.
وتنفق كييف 37% من الناتج المحلي الإجمالي، وأكثر من نصف ميزانية الحكومة على الحرب مع موسكو.
خسائر وأعباء اقتصادية على الجانبين
خلال 3 أشهر من هجوم حماس، انكمش الناتج الاقتصادي لإسرائيل بنسبة 5.6 في المئة، وهو الأداء الأسوأ بين 38 دولة تشكل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي تضم بلدانا أغلبها غني.
الاقتصاد انتعش جزئيا في إسرائيل مع نمو بنسبة 4% في الجزء الأول من هذا العام، لكنه نما 0.2 % فقط في الربع الثاني من العام نفسه.
أما في غزة، فتسببت الحرب في خسائر اقتصادية أكثر فداحة، في القطاع الذي يعاني اقتصادا متعثرا بالفعل، مع نزوح 90% من قاطنيه، وبطالة تضرب الأغلبية العظمى من السكان.
الحرب عصفت أيضا باقتصاد الضفة الغربية، حيث خسر عشرات الآلاف من الفلسطينيين العاملين وظائفهم في إسرائيل بعد هجوم السابع من أكتوبر، والمداهمات العسكرية ونقاط التفتيش للقوات الإسرائيلية التي أعاقت الحركة على الأرض.
ويقول البنك الدولي إن اقتصاد الضفة الغربية انكمش بنسبة 25% في الربع الأول من هذا العام.
وفي إسرائيل فرضت الحرب الكثير من الأعباء الاقتصادية، فالاستدعاء للخدمة العسكرية أو تمديد مدتها يهدد بتقويض القوى العاملة، فيما تعوق الإضطرابات الأمنية أي تحرك للاستثمار في مشروع جديد.
كما أثر تعطل رحلات الطيران بشكل كبير على السياحة القادمة إلى إسرائيل.
وفي المقابل تنفق الحكومة الإسرائيلية على إيواء آلاف الإسرائيليين الذين أجبروا على ترك بيوتهم في الجنوب على الحدود مع قطاع غزة أو في الشمال، حيث تهددهم هجمات حزب الله.
ويعد أكبر المخاوف القائمة الآن، أن يبقى الصراع مفتوحا، خاصة أنه تجاوز العام بالفعل. فرغم أن اقتصاد إسرائيل تعافى بسرعة بعد حرب 2006 مع حزب الله، لكنها حرب استمرت 34 يوما فقط، وهو الهاجس الذي استشهدت به وكالة موديز المالية عندما خفضت التصنيف الائتماني للحكومة الإسرائيلية درجتين.
الاقتصاد لا يزال قوي
رغم ما تفرضه الحرب من أعباء اقتصادية، فاقتصاد إسرائيل لا يزال صامدا، إذ تتمتع باقتصاد متنوع ومتطور مع قطاع تكنولوجيا معلومات قوي، يدعم عائدات الضرائب والإنفاق على الدفاع.
وحتى في خضم القتال، جمعت شركات التكنولوجيا نحو 2.5 مليار دولار من رأس المال خلال الربع الثالث من العام، وفقًا لزفي إيكشتاين، رئيس معهد آرون للسياسات الاقتصادية في جامعة رايخمان.
وبحسب إيكشتاين بدأت إسرائيل الحرب "في أفضل حالة اقتصادية" فيما يتعلق بالدين الحكومي، الذي بلغ 60% من الناتج المحلي الإجمالي.
يقول "لقد مولنا الحرب بشكل أساسي بالديون"، التي ارتفعت الآن إلى 62% لكنها لا تزال قابلة للاحتواء، مقارنة بفرنسا عند 111% ومتماشية مع ألمانيا عند 63.5%.
معهد آرون للسياسات الاقتصادية في جامعة رايخمان، يتوقع أن يصل الدين إلى 80% من الناتج المحلي الإجمالي، لكن على افتراض أن القتال لن يشتد بشكل ملحوظ، وأن يتم التوصل إلى نوع من وقف إطلاق النار، أو التوصل إلى حل بحلول نهاية العام المقبل.
وحتى في هذه الحالة، من المرجح أن يرتفع الإنفاق الدفاعي، خاصة إذا احتفظت إسرائيل بوجود عسكري في غزة بعد الحرب.
وتتوقع الميزانية التي وضعها وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش لعام 2025 عجزًا دون 4%.
وقال سموتريتش إن البلاد تتمتع بعملة شيكل مستقرة، وارتفاع في أسعار الأسهم، وسوق عمل محكمة، وعائدات ضريبية قوية، والقدرة على الوصول إلى الائتمان، وقطاع تكنولوجي متعاف.
وعلى الجهة الأخرى، تساءلت وكالة موديز للتصنيف الإئتماني عن أرقام العجز، وتوقعت عجزًا بنسبة 6% للعام المقبل.
وقالت كارنيت فلوج، الرئيسة السابقة للبنك المركزي الإسرائيلي، نائبة رئيس الأبحاث في معهد الديمقراطية الإسرائيلي، إن خفض التصنيف الائتماني سيؤدي إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض، مما يعني أن الإسرائيليين من المرجح أن يواجهوا استقطاعات في الخدمات العامة وارتفاعا في الضرائب.