عاد آلاف اليمنيين إلى ديارهم بعد تجربة النزوح، غير أن الحرب غيرت النسيج الاجتماعي داخل اليمن وباتت العائلات تعاني أكثر من الفقر والبؤس. فهل بات النازحون خارج أولويات الإغاثة؟
"الناس تغيروا، والفقر صعب، وزوجي لا يعمل، بالكاد نعيش"، تقول اليمنية رؤى ثلاثينية وأم لثلاثة أطفال، أجبرتها الحرب في مدينة تعز جنوبي البلاد، على النزوح سبع سنوات، وعندما أتيح لأسرتها العودة إلى منطقة سكنها الأصلية، وجدت نفسها في ظروف لا تقل قسوة، وهي واحدة من بين ما يقدر بأكثر من مليوني نازح داخلياً عادوا إلى ديارهم، لكنها في الغالب لم تعد تلك التي ألفتها، في ضوء الأوضاع الإنسانية المتفاقمة، والتي زادت سوءاً في العامين الأخيرين، في ظل تراجع وتيرة الأعمال الإغاثية، وانسداد الأفق أمام أي حلول سياسية من شأنها الحد من الوضع المعيشي المتدهور بشكل مضطرد.
تسكن رؤى في منطقة "حوض الأشرف"، التي بقيت خالية من السكان لسنوات، لوقوعها بين مناطق سيطرة القوات الموالية للحكومة المعترف بها دولياً وتلك الموالية لجماعة أنصار الله (الحوثيين)، ومنذ أشهر قليلة، نجحت جهود ومطالبات استمرت سنوات بهدف فتح المنفذ الرئيسي للمدينة. ما أمكن لرؤى وأسر أخرى من العودة، إلى منازل تضررت في الغالب نتيجة اشتباكات، والأهم من ذلك، أن الظروف والمصالح فقدها السكان في الغالب. وفي حديثها لـDW عربية، تقول رؤى "نعيش في غرفة صغيرة بلا كهرباء، ونكاد نعتمد على وجبة واحدة في اليوم"، حيث فقدت الأسرة مصدر دخلها بسبب الحرب.
هذه الظروف التي تعانيها أسرة رؤى، هي جزء من تفاصيل لا تختلف كثيراً عن الحياة القاسية التي تعيشها أسر أخرى بنسب متفاوتة، ففي ذات المنطقة، تسكن أم أيمن، هي الأخرى، وتواجه صعوبات نفسية ومادية كبيرة منذ عودتها إلى منطقتها، وتقول إنها ما زالت تعتبر نفسها نازحة، حيث لم تستقر حياتها بعد. تعاني من صعوبات في توفير العلاج لابنها، وتواجه ضغوطًا كبيرة في تلبية احتياجاتها الأساسية.
الأسر النازحة/العائدة، تمثل من زاوية أخرى مرآة لفاتورة الحرب التي دفتها الأسر المتضررة بشكل مباشر، فهناك من فقدوا أفراداً من أسرهم خلالها، كما هو حال أسرة، سبأ سعيد عثمان، أم لأربعة أطفال، فقدوا والدهم خلال الحرب، وبعد سنوات من النزوح عادوا إلى مسكنهم الأصلي، رغم كونه ليس ملكاً لهم، ولا توجد فيه سوى غرفة واحدة صالحة للسكن، تعاني احدى بنات سبأ من مرض الروماتيزم، وتجد صعوبة بالغة في تأمين الرعاية الصحية لها وتوفير الأدوية بسبب وضعهم المادي الصعب.
أزمة نزوح.. وحتى العودة
أدت الحرب في اليمن، إلى واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، حيث تقول أحدث الأرقام الصادرة عن الأمم المتحدة إن أكثر من 18 مليون شخص، يحتاجون إلى مساعدات إنسانية ملحة، بما في ذلك، 4.5 مليون نازح، وبالإضافة إلى التحديات يواجهها هؤلاء، كأحد أبرز الفئات المتضررة، فإن أولئك الذين وجدوا فرصة بالعودة، وقدرتهم إحصائية حكومية بما يقرب من مليوني و200 ألف عائد، في 12 محافظة.
وأظهرت المعلومات التي أعلنتها الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين الشهر الماضي، أن أكثر من نصف المنازل في مناطق العودة بحاجة إلى بناء وترميم، في حين أن 30 بالمائة منها، يحتاج فيها العائدون إلى أثاث ومواد إيوائية، فضلاً عن أن ما يزيد عن 43 بالمائة من مناطق العودة، لا تتوفر فيها مشاريع مياه، ونحو 58 بالمائة لا تتوفر فيها مرافق صحية، وقدّرت الدراسة بوجود أكثر من 76 ألف بحاجة إلى دعم نفسي، فضلاً عن كون أكثر من ثلثي مناطق العودة تفتقر إلى مدارس، حيث تحتاج المئات من المدارس إلى صيانة وإعادة تأهيل أو بناء.
بيئة متضررة وفقدان
وتوضح المنظمة الدولية للهجرة، في حديث خاص لـDW عربية، أن عودة النازحين، على الرغم من هدنة هشة منذ أكثر من عامين، كانت بطيئة ومعقدة بسبب العديد من التحديات. إذ يواجه العديد من العائدين "بنية تحتية متضررة، ومنازل مدمرة، ومخاوف أمنية"، كما أن الوصول إلى الخدمات الأساسية، مثل الرعاية الصحية والتعليم والمياه النظيفة، لا يزال محدودًا، مما يعيق عملية العودة بشكل أكبر. وتزيد الصعوبات الاقتصادية، بما في ذلك البطالة المرتفعة والتضخم، من صعوبة قدرة الأسر على تحمل تكاليف الاحتياجات الأساسية وإعادة بناء حياتهم. كل "هذه العوامل مجتمعة تجعل من الصعب على العديد من الأسر النازحة العودة على نطاق واسع".
تحديات العودة، أيضاً تأتي، وفقاً رئيس الوحدة التنفيذية للنازحين نجيب السعدي، كون السكان لدى نزوحهم فقدوا وظائفهم وأعمالهم، وتعرضت منازلهم للتدمير الكلي أو الجزئي، حيث البعض فقد وثائقه الشخصية ووثائق الملكية. وبعد العودة من النزوح "وجدوا أنفسهم في بيئة مدمرة، فلا خدمات صحية ولا تعليمية، ولا يستطيعون الحصول على الوثائق كما أنهم لا يستطيعون الحصول على حقهم في الإنصاف نتيجة تعطل الجهات المعنية المحاكم.
كل ذلك، يقول السعدي لـDW عربية، يضاف إليه مواجهة خطر الألغام المزروعة أثناء الحرب، وبالتالي "يعيش العائدون ظروفًا سيئة تشبه ظروف النازحين"، بل إن وضعهم أسوأ لكونهم يعيشون بعيداً عن أعين المنظمات الإغاثية ومساعدة المجتمع. وينوه إلى أن إهمال أوضاع العائدين، يعد حرماناً لهم الحقوق المكفولة في لسياسة الوطنية لمعالجة النزوح وكذلك وفق المبادئ التوجيهية للنزوح الداخلي التي أقرتها الأمم المتحدة. كذلك ذلك فضلاً عن التأثيرات السلبية على معالجة النزوح بشكل عام؛ لأن النازحين، وفق المتحدث، عندما يرون حالة الإهمال التي يعاني منها العائدون، يدفعهم ذلك إلى رفض العودة والاندماج.
استجابة ثانوية.. وحلول مطلوبة
تتزعم الأمم المتحدة والعديد من المنظمات الإغاثية، الاستجابة للأزمة الإنسانية منذ سنوات، غير أن الدعم المخصص للإغاثة تراجع إلى حد كبير في العامين الأخيرين، وتقول المنظمة الدولية للهجرة إنها نفذت المنظمة الدولية للهجرة برامج متنوعة تهدف إلى دعم كل من النازحين والعائدين. تركز على توفير المأوى الطارئ، واستعادة سبل العيش، وقضايا الإسكان والأراضي والممتلكات (HLP)، وتوفير الوصول إلى الوثائق المدنية وضمان الحصول على الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم، لكن الاهتمام يظل منصبًا على الأفراد النازحين في المخيمات.
على الرغم من أن الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين بمناطق الحكومة المعترف بها، تقول إنها بدأت مشروعاً تجريبياً مع أربع وكالات أممية، في طريق تبني حلول استجابة لاحتياجات العائدين، إلا أن التحدي الكبير، وفقاً لرئيس الوحدة، يتمثل في غياب التوجه إلى مشاريع تتجاوز الاستجابة الطارئة إلى الحلول المستدامة، التي تعالج النزوح.