• الساعة الآن 05:17 PM
  • 20℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

حزب الله ..الجذور ومنابع النفوذ

news-details

دخلت المواجهات بين حزب الله وإسرائيل مرحلة جديدة منذ أيام، فقد شهدت الفترة الأخيرة مقتل عدد من القادة العسكريين للحزب اللبناني وتبادلا للقصف بشكل غير مسبوق منذ سنوات، وسط تحذيرات دولية من أن التصعيد بين الطرفين قد يؤدي إلى حرب شاملة.

وأطلق الجيش الإسرائيلي اسم عملية "سهام الشمال" منفذاً مئات الغارات الجوية في جنوب لبنان والبقاع شرقاً.

وكان حزب الله بادر إلى قصف مواقع عسكرية إسرائيلية على الحدود في لبنان في 8 تشرين/أكتوبر، في مزارع شبعا التي تصنفها الدولة اللبنانية محتلة. وأعلن الحزب حينها أن قصفه تلك المواقع أتى "نصرة وإسناداً لغزة".

فما هو حزب الله الذي يخوض مواجهة جديدة مع إسرائيل؟

 

"الصحوة الإسلامية الشيعية"

حزب الله كيان سياسي، وعسكري، واجتماعي يتمتع بقاعدة جماهيرية ونفوذ كبير بين أوساط الطائفة الشيعية في لبنان.

تأسس الحزب الذي يحظى بدعم إيران في مطلع الثمانينيات من القرن العشرين وبرز إلى واجهة الأحداث أثناء احتلال إسرائيل لجنوب لبنان عام 1982. إلا أن جذوره الفكرية تعود إلى ما يعرف "الصحوة الإسلامية الشيعية" في لبنان في الستينيات والسبعينيات التي شهدت صعود مرجعيات دينية في جنوب لبنان كمرجعية السيد موسى الصدر، والسيد محمد حسين فضل الله.

بيد أن حزب الله لا يخفي في أدبياته التزامه بعقيدة ولاية الفقيه التي وضع أسسها آية الله الخميني بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979.

وبعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000، رفض حزب الله المطالب الداعية لنزع سلاحه، وربط رفضه باستمرار احتلال إسرائيل لمزارع شبعا. واستمر في تقوية جناحه العسكري -"المقاومة الإسلامية"، وهي القوة التي استخدمها ضد إسرائيل في حرب عام 2006.

ومع الوقت، أصبح الحزب قوة مؤثرة ولاعباً أساسياً في النظام السياسي اللبناني، وأصبح له ثقل في اتخاذ القرارات داخل الحكومة.

واتُهم حزب الله مراراً بشن مجموعة من التفجيرات والهجمات ضد أهداف إسرائيلية. وتصنفه الولايات المتحدة، وفرنسا، وإسرائيل، ومجلس التعاون الخليجي، وهولندا، وكندا كمنظمة إرهابية. فيما حظر الاتحاد الأوروبي، والمملكة المتحدة، وأستراليا، الجناح العسكري للحزب، كمنظمة إرهابية. وكانت الجامعة العربية أيضاً قد صنفته كمنظمة إرهابية قبل 8 أعوام، لكن أمينها العام حسام زكي أعلن في يوليو/ تموز الماضي، أن هناك توافقاً بين أعضاء الجامعة على عدم استخدام صيغة "إرهابي" في وصف حزب الله حالياً.

 

"مقاومة أم مليشيا"؟

ويصعب تحديد نقطة بداية "حزب الله" بالتحديد، لكن ظهوره يرجع لمرحلة اجتياح إسرائيل للبنان عام 1982، ومشاركة قادة شيعة في المنطقة بالعمليات العسكرية ضده. واختلف هؤلاء مع حركة أمل التي كانت تهيمن على التمثيل الشيعي في تلك المرحلة.

وانشقت مجموعة عن حركة أمل وأنشأت منظمة جديدة تحمل اسم "الأمل الإسلامية"، وحصلت على دعم عسكري وتنظيمي كبير من عناصر الحرس الثوري الإيراني في سهل البقاع.

لاحقا تبنت المنظمة اسم "حزب الله".

وشنت الجماعة الوليدة هجمات على الجيش الإسرائيلي وحلفائه، مثل "جيش لبنان الجنوبي" (لحد). ويعتقد أنها كانت وراء تفجيرات السفارة الأمريكية ومقر قوات البحرية الأمريكية عام 1983، التي راح ضحيتها 258 أمريكياً، و58 فرنسياً من العاملين في المنشأتين، وأدت إلى انسحاب قوات حفظ السلام الغربية من المنطقة.

وفي عام 1985، أعلن "حزب الله" عن تأسيسه رسمياً، بـ"رسالة مفتوحة إلى المستضعفين" حدد فيها أهدافه بالقضاء على إسرائيل، وأن يتاح للشعب تقرير مصيره واختيار نظام الحكم الذي يريده بكامل حريته، مع إعلان الحزب التزامه بحكم الإسلام وولاية الفقيه.

وبعد توقيع اتفاق الطائف عام 1989، الذي وضع نهاية للحرب الأهلية في لبنان، وطالب بنزع السلاح عن الميليشيات، اتجه حزب الله لإعادة تقديم جناحه العسكري على أنه قوة "مقاومة إسلامية" تهدف إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للبلاد، ما سمح له بالإبقاء على تسليحه.

وبعد أن فرض الجيش السوري التهدئة ووقف الاقتتال في لبنان عام 1990، واصل حزب الله حرب العصابات في جنوب لبنان ضد القوات الإسرائيلية، كما دشن وجوده في الحياة السياسية اللبنانية. وفي عام 1992، استطاع حزب الله المشاركة في الانتخابات العامة في البلاد لأول مرة.

وبعد انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان عام 2000، نُسب الفضل إلى حزب الله في طرد القوات الإسرائيلية. ومجدداً، قاوم الحزب الضغوط المطالبة بنزع سلاحه، واستمر وجوده العسكري في جنوب لبنان بدعوى استمرار الوجود الإسرائيلي في مزارع شبعا وغيرها من المناطق المتنازع عليها.

وفي عام 2006، شن مسلحو حزب الله هجوماً عبر الحدود مع إسرائيل، أدى إلى مقتل ثمانية جنود إسرائيليين، وخطف اثنين آخرين، الأمر الذي أجج حرباً واسعة النطاق مع رد من جانب الجيش الإسرائيلي.

وقصفت الطائرات الإسرائيلية مواقع حزب الله في جنوب لبنان وجنوب بيروت، في حين أطلق حزب الله أربعة آلاف صاروخ تجاه إسرائيل. وقُتل أكثر من 1100 لبناني في هذه الحرب التي استمرت لمدة 34 يوماً، وكان أغلبهم من المدنيين، بحسب تقديرات منظمات حقوقية دولية. وبلغت الخسائر على الجانب الإسرائيلي 119 جندياً و45 مدنياً.

وتمكّن حزب الله من الصمود في هذه الحرب، واستمرّ في عمليات تطوير وتعزيز ترسانته أسلحته، وتجنيد المزيد من المقاتلين، بيد أنه لم تشهد المنطقة الحدودية مع إسرائيل تصعيداً عسكرياً كبيراً، خاصة في وجود دوريات من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، والجيش اللبناني.

 

الرؤية السياسية

في عام 2008، حاولت الحكومة اللبنانية (المدعومة من الغرب) إغلاق شبكة الاتصالات الخاصة بحزب الله، وإقالة رئيس أمن مطار بيروت لعلاقته بالحزب. ورد حزب الله بالهجوم على أجزاء كبيرة من العاصمة بيروت، والاشتباك مع جماعات سنية منافسة له.

وتسببت هذه المواجهات الطائفية في مقتل 81 شخصاً، ووضعت لبنان على شفا حرب أهلية جديدة، فاضطرت الحكومة للتراجع، وتوصلت لاتفاق تقاسم سلطة مع حزب الله وحلفائه أعطاهم نسبة الثلث المعطل الذي يمكن أن يشكل حق نقض "فيتو" يوقف أي قرار حكومي.

وكان نفوذ الحزب في الحياة السياسية اللبنانية قد بدأ في أعقاب مرحلة اتفاق الطائف لحل الأزمة السياسية اللبنانية، إذ أيده الحزب مع التحفظ على بعض بنوده.

وقد شارك الحزب للمرة الأولى في انتخابات عام 1992 في لبنان ليحقق مكسبا كبيرا بحصوله على 12 مقعداً نيابياً.

وفي انتخابات عام 2009، فاز حزب الله بعشرة مقاعد في البرلمان، وبقي في حكومة الوحدة الوطنية في لبنان.

وأصدر حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، في وقت لاحق من العام نفسه ميثاقاً سياسياً جديداً للحزب، يهدف إلى تحديد "الرؤية السياسية" للتنظيم. واحتفظ فيها بالموقف المناهض لإسرائيل والولايات المتحدة، وأكد على حق حزب الله في الاحتفاظ بأسلحته.

وفي عام 2011، أسقط حزب الله وحلفاؤه حكومة الوحدة الوطنية بقيادة سعد الحريري، رئيس الوزراء السني المدعوم من السعودية. وحذر حزب الله من أنه لن يقف صامتا أمام اتهام أربعة من أعضائه بالتورط في اغتيال رفيق الحريري (رئيس الوزراء السابق ووالد سعد الحريري ) عام 2005.

واستمر وجود حزب الله وحلفائه في الحكومات المتتابعة، التي تمتعوا فيها بنفوذ ملحوظ.

ومع تصاعد الحرب في سوريا، قاتل الآلاف من عناصر حزب الله في صفوف قوات الرئيس بشار الأسد، وقدموا دعماً أساسياً للقوات الموالية للحكومة في استعادة الأراضي التي فقدتها لصالح المعارضة المسلحة، بشكل خاص المناطق القريبة من الحدود اللبنانية.

بيد أن تدخل حزب الله في سوريا أجج التوتر الطائفي في لبنان، إذ نفذت ميليشيات سنية متشددة سلسلة من التفجيرات طالت مواقع خاصة بحزب الله.

كما تسبب دعم حزب الله لبشار الأسد وتحالفه مع إيران في تجذير الخلاف مع دول الخليج، بقيادة السعودية، التي تعد المنافس الأكبر لإيران في المنطقة.

ودفع هذا الخلاف السعودية إلى قيادة تحرك في الجامعة العربية عام 2016 لإعلان حزب الله "منظمة إرهابية" متهمة إياه بالقيام بـ "أفعال عدائية".

 

ضغوط متزايدة

وواجه حزب الله في السنوات الأخيرة ضغوطاً متزايدة بعد تصنيف دول متعددة له، أو لجناحه العسكرية، بأنه منظمة إرهابية واتهامه بإدارة شبكة عالمية للحصول على التمويل وتجنيد الأتباع.

وكانت الولايات المتحدة قد صنفت منذ عام 1995 حزب الله كمنظمة إرهابية، ويحتل الحزب المرتبة 14 في قائمة المنظمات الإرهابية الصادرة عن وزارة الخارجية الأمريكية في عام 2005.

وتتهم واشنطن الحزب بالمسؤولية عن هجمات إرهابية واحتجاز رهائن طالت أهدافاً أمريكية، من بينها تفجير السفارة الأمريكية في بيروت عام 1983، وتفجير مقر قوات المارينز في لبنان في العام نفسه الذي أودى بحياة 258 أمريكياً حينها.

وأعلنت وزارة الداخلية الألمانية في شهر ابريل/ نيسان 2020 حظر الحزب وتصنيفه "منظمة إرهابية"، وترافق ذلك مع حملة دهم شنتها الشرطة الألمانية لاعتقال من يشتبه بأنهم أعضاء في الجماعة.

وانضمت ألمانيا بذلك الى مجموعة الدول التي تربط بين الحزب والإرهاب، من أمثال الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة وهولندا وإسرائيل وكوسوفو فضلا عن مجلس التعاون الخليجي.

وفي أيلول،/ سبتمبر 2019، وضعت وزارة الخزانة البريطانية الحزب وجناحه العسكري تحت تصنيف المنظمات الإرهابية وأصدرت قراراً بتجميد أرصدتهما.

كما انضم عدد من الدول في أمريكا اللاتينية، الارجنتين وكولومبيا وهندوراس وغواتيمالا، إلى الدول التي تتهم الحزب بالإرهاب، حيث تشير تقارير إلى تنامي أنشطة الحزب في أمريكا اللاتينية، خاصة فيما يتعلق بالشؤون المالية وتمويل أنشطة الحزب.

وتتهم الولايات المتحدة وحلفاؤها الحزب بممارسة أنشطة غير قانونية في دول أمريكا اللاتينية وبناء شبكة لتمويل نشاطاته تستثمر في تجارة المخدرات وتسهم في زعزعة استقرار في القارة.

وكان وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو التقى مطلع عام 2020 بنحو 25 ممثلاً من دول القارة لحضهم على محاصرة نشاطات الحزب "التي تمثل خطرا على الأمن القومي الأمريكي ودول أمريكا الجنوبية" بحسب تعبيره.

وكان مسؤولون أرجنتنيون اتهموا حزب الله بالوقوف وراء عملية اغتيال المدعي العام الأرجنتيني السابق، ألبرتو نيسمان، الذي كلف بالتحقيق في الهجوم الذي استهدف المركز اليهودي في بوينس أيرس العام 1994، وكان نيسمان قد اتهم آنذاك الحكومة الإيرانية بالوقوف وراء التفجير وقيام حزب الله بتنفيذه.

 

انفجار المرفأ

وفي 4 أغسطس/آب من عام 2020 وقع انفجار كبير في ميناء بيروت، واتهم البعض حزب الله بالتسبب في ذلك الانفجار.

ومن جانبه، نفى الأمين العام للحزب حسن نصر الله أي علاقة للحزب بأسلحة مخزنة في مرفأ بيروت ودعا إلى تحقيق عادل وشفاف في الانفجار.

وقال نصر الله في خطاب متلفز "نحن لا ندير ولا نسيطر على المرفأ ولا نتدخل فيه ولا نعرف ماذا يجري أو ما يوجد فيه".

وفي الشهر ذاته جاء قرار المحكمة الدولية باتهام سليم عياش العضو في حزب الله باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري و21 شخصاً آخرين في 14 فبراير/ شباط 2005، والذي على إثره خرجت القوات السورية من لبنان.

وبرأت المحكمة المتهمين الثلاثة الآخرين، وهم حسين عنيسي، وحسن حبيب مرعي، وأسد صبرا. كما سحب اسم القائد العسكري بحزب الله مصطفى أمين بدر الدين، من لائحة الاتهام بعد مقتله في سوريا عام 2016.

 

حرب غزة

وفي عام 2023 دخلت المواجهات بين الحزب وإسرائيل مرحلة جديد حرجة.

ففي الثامن من أكتوبر/تشرين الأول، وغداة الهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل وأسفر عن مقتل نحو 1200 شخص بحسب البيانات الرسمية الإسرائيلية، بدأ الحزب في شن هجمات صاروخية على شمال إسرائيل مرجعا القرار إلى دعمه للفلسطينيين في قطاع غزة.

حرب غزة حصدت أرواح ما يزيد عن 40 ألف فلسطيني، بحسب وزارة الصحة في القطاع، كما تسببت في نزوح أغلب سكان القطاع عن منازلهم.

لكن النزوح لم يكن قاصراً على أهل غزة، فتبادل القصف بين الحزب وإسرائيل دفع أعداد كبيرة من سكان جنوب لبنان وشمال إسرائيل إلى النزوح من منازلهم.

وخلال المواجهات الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل، قُتل عدد من القيادات العسكرية للحزب من بينهم فؤاد شكر وإبراهيم عقيل.

شارك الخبر: