قالت تقارير صحافية أميركية إن إسرائيل قررت تفجير أجهزة الـ "بيجر" في هذا الوقت تحديداً، بسبب مخاوف من اكتشاف "حزب الله" اللبناني عمليتها السرية، بحسب ما قال ثلاثة مسؤولين أميركيين لموقع "أكسيوس".
وقال مسؤول إسرائيلي مطلع على العملية إن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية خططت لاستخدام أجهزة الـ "بيجر" المفخخة التي تمكنت من زرعها في صفوف عناصر "حزب الله"، كضربة افتتاحية مفاجئة في حرب شاملة لمحاولة شل الحزب.
كما أكد أن القادة الإسرائيليين باتوا في قلق خلال الأيام الأخيرة من أن "حزب الله" قد يكتشف اختراق أجهزة الـ "بيجر"، ولهذا قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وكبار وزرائه ورؤساء قوات الدفاع الإسرائيلية وأجهزة الاستخبارات استخدام النظام الآن بدلاً من المخاطرة باكتشافه من قبل الجماعة في لبنان.
واعتبر الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان اليوم الأربعاء أن الانفجارات المتزامنة لأجهزة الاتصال التي يستخدمها "حزب الله" في لبنان تشكل "وصمة عار" للدول الغربية، وخصوصاً الولايات المتحدة، حليفة إسرائيل.
وقال بزشكيان إن "هذه الحادثة أظهرت مرة أخرى أنه على رغم ادعاء الدول الغربية والأميركيين أنهم يسعون إلى وقف إطلاق النار، لكنهم في الواقع يدعمون تماماً جرائم الكيان الصهيوني"، معتبراً أن هذه التفجيرات يجب أن تُشعر هذه الجهات بالعار، وفق بيان نشره موقع الرئاسة الإيرانية.
وأثار تفجير 5 آلاف جهاز اتصال لاسلكي (بيجر) استوردتها جماعة "حزب الله" اللبنانية قبل شهور غموضاً من تايوان إلى المجر، بينما زادت احتمالات اتساع نطاق الحرب في الشرق الأوسط بين الجماعة المدعومة من إيران وإسرائيل.
وقال مصدر أمني لبناني كبير ومصدر آخر لوكالة "رويترز" إن جهاز المخابرات الإسرائيلي (موساد) زرع متفجرات داخل أجهزة الـ "بيجر" قبل أشهر من تفجيرات أمس الثلاثاء.
توعد بالرد
وتعد العملية خرقاً أمنياً لم يسبق له مثيل يستهدف "حزب الله"، فجرت خلاله آلاف الأجهزة في أنحاء لبنان مما أدى إلى مقتل 12 شخصاً بينهم طفلان، وإصابة ما يقارب 3 آلاف، بينهم مقاتلون من الجماعة إضافة إلى السفير الإيراني في بيروت.
وذكر المصدر الأمني اللبناني أن أجهزة الـ "بيجر" من إنتاج شركة "غولد أبوللو" ومقرها تايوان، إلا أن "أبوللو" قالت في بيان إنها لم تصنع الأجهزة، موضحة أنها من إنتاج شركة "بي إيه سي" التي تتخذ من العاصمة المجرية بودابست مقراً، ولديها ترخيص لاستخدام العلامة التجارية لـ "غولد أبوللو".
وتوعدت الجماعة المتحالفة مع إيران بالرد على إسرائيل، بينما رفض الجيش الإسرائيلي التعليق على الانفجارات.
وتأتي هذه الانفجارات في وقت يتزايد القلق من التوترات بين إسرائيل و"حزب الله" اللذين يتبادلان إطلاق النار عبر الحدود منذ اندلاع الصراع في غزة العام الماضي.
وفي حين أن الحرب في غزة هي محور تركيز إسرائيل الرئيس منذ هجوم "حماس" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، فإن الوضع الهش على طول الحدود الشمالية لإسرائيل مع لبنان يثير المخاوف من اندلاع صراع إقليمي قد يستقطب الولايات المتحدة وإيران.
وقال مهند حاج علي، من مركز كارنيجي الشرق الأوسط إن "حزب الله" يريد تجنب حرب شاملة ولا يزال يريد تجنبها، لكن بالنظر إلى نطاق هذا وتأثيره في العائلات والمدنيين فستكون هناك ضغوط من أجل رد أقوى.
وقال "حزب الله" في بيان له اليوم الأربعاء، "ستواصل المقاومة في لبنان اليوم كما في كل الأيام الماضية عملياتها المباركة لإسناد غزة وأهلها ومقاومتها وللدفاع عن لبنان وشعبه وسيادته".
وتابع البيان، "هذا المسار متواصل ومنفصل عن الحساب العسير الذي يجب أن ينتظره العدو على مجزرته أمس الثلاثاء التي ارتكبها بحق شعبنا وأهلنا في لبنان".
وقالت عدة مصادر لـ "رويترز" إن المخطط استغرق تحضيره على ما يبدو أشهراً عدة، وذلك في أعقاب سلسلة من الاغتيالات منذ بداية الحرب في غزة طاولت قادة ومسؤولين من "حزب الله" و"حماس"، واتهمت إسرائيل بتنفيذها.
مسار يمتد إلى بودابست
قال مصدر أمني لبناني كبير إن جماعة "حزب الله" طلبت 5 آلاف جهاز اتصال من إنتاج شركة "غولد أبوللو"، وتقول مصادر عدة إنها وصلت إلى البلاد في وقت سابق من العام.
فيما قال مؤسس الشركة هسو تشينغ كوانغ إن أجهزة الاتصال المستخدمة في الانفجارات صنعتها شركة في أوروبا، وذكرت الشركة في بيان أن اسم الشركة "بي إيه سي".
وقال هسو للصحافيين من مقر الشركة بمدينة نيو تايبه شمال تايوان اليوم الأربعاء إن "المنتج ليس تابعاً لنا، إنه فقط يحمل علامتنا التجارية".
وكان العنوان المذكور لشركة "بي إيه سي" للاستشارات في بودابست عبارة عن مبنى صغير يقع في شارع معظمه سكني في ضاحية نائية، ووجد اسم الشركة مكتوباً على ورقة على الباب الزجاجي.
وقال شخص في المبنى، طلب عدم ذكر اسمه، إن الشركة مسجلة في هذا العنوان ولكن ليس لها وجود فعلي، وتقول الرئيسة التنفيذية لشركة "بي إيه سي" كريستيانا بارسوني أرسيداكونو عبر حسابها الشخصي على "لينكد إن"، إنها عملت كمستشارة لمنظمات مختلفة من بينها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو)، لكنها لم ترد على رسائل بالبريد الإلكتروني من "رويترز".
وتتنوع أنشطة شركة "بي إيه سي" المسجلة من نشر ألعاب الكمبيوتر إلى استشارات تكنولوجيا المعلومات وصولاً إلى استخراج النفط الخام.
وعرض المصدر الأمني اللبناني الكبير صورة لجهاز الاتصال، وهو من طراز "إيه آر-924"، وهو مثل أجهزة الـ "بيجر" الأخرى التي تستقبل وتعرض الرسائل النصية لاسلكياً، لكنها لا تستطيع إجراء مكالمات هاتفية.
وقال مصدران مطلعان على عمليات "حزب الله" لـ "رويترز" هذا العام إن مقاتلي الحزب يستخدمون الأجهزة كوسيلة اتصال منخفضة التكنولوجيا في محاولة للتهرب من أنظمة تعقب المواقع الإسرائيلية.
لكن المصدر اللبناني الكبير قال إن الأجهزة عدلت "في مرحلة الإنتاج" من قبل جهاز المخابرات الإسرائيلي، مضيفاً أن الـ "موساد" قام بوضع لوحة داخل الأجهزة تحوي مادة متفجرة تتلقى شفرة من الصعب جداً اكتشافها بأية وسيلة.
وقال المصدر إن 3 آلاف من أجهزة الـ "بيجر" انفجرت عندما وصلت إليها رسالة مشفرة أدت إلى تفعيل المواد المتفجرة بصورة متزامنة.
فيما أكد مصدر أمني آخر لـ "رويترز" أن ما يصل إلى ثلاثة غرامات من المتفجرات كانت مخبأة في أجهزة الـ "بيجر" الجديدة ولم تكتشفها الجماعة لأشهر عدة.
واشتهر جهاز الـ "موساد" الإسرائيلي بعملياته المعقدة التي تعود لعملية الخطف الجريء للنازي الكبير أدولف أيخمان عام 1960، وفي الآونة الأخيرة حُمل مسؤولية هجمات إلكترونية واغتيال عالم إيراني كبير عام 2020 بسلاح آلي يتحكم فيه عن بعد، ولم يستجب المسؤولون الإسرائيليون بعد لطلبات "رويترز" للتعليق.
خرق أمني
ولا يزال "حزب الله" يحاول التعافي من صدمة الهجوم الذي تسبب في مقتل أو إصابة مقاتلين ومدنيين، وقال مسؤول في الجماعة، طلب عدم الكشف عن هويته، إن الانفجارات تمثل "أكبر خرق أمني" في تاريخ الجماعة.
وفي خطاب ألقاه في الـ 13 من فبراير (شباط) الماضي، حذر الأمين العام للجماعة حسن نصرالله أنصاره بشدة من أن هواتفهم أكثر خطورة من جواسيس إسرائيل، قائلاً "أغلقوها وادفنوها وضعوها في صندوق من حديد وأقفلوها، افعلوا ذلك من أجل الأمن وحماية دماء وكرامات الناس".
وبدلاً من الهواتف المحمولة اختارت الجماعة توزيع أجهزة الـ "بيجر" على أعضائها عبر فروعها المختلفة من المقاتلين إلى المسعفين العاملين في خدمات الإغاثة، وأظهرت لقطات من المستشفيات راجعتها "رويترز" أن الانفجارات أدت إلى إصابة كثير من أعضاء "حزب الله"، فيما يعاني الجرحى إصابات متفاوتة في الوجه إضافة إلى بتر أصابع وجروح غائرة في الفخذ والبطن حيث توضع أجهزة "بيجر" عادة.
وأدى إطلاق "حزب الله" للصواريخ غداة هجوم "حماس" في السابع من أكتوبر 2023 إلى فتح جبهة ثانية للصراع، ومنذ ذلك الحين يتبادل "حزب الله" وإسرائيل بصورة شبه يومية إطلاق الصواريخ ونيران المدفعية والقذائف، فيما تنفذ الطائرات الإسرائيلية ضربات في عمق الأراضي اللبنانية.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت لنظيره الأميركي لويد أوستن أول من أمس الإثنين، إن الفرص تتضاءل أمام أي حل دبلوماسي للمواجهة مع "حزب الله".