تنذر أحداث متسارعة بالصومال بإمكانية تصاعد الوضع هناك، خصوصا مع ترقب نشر بعثة حفظ السلام الأفريقية هناك، مطلع العام المقبل، التي من المتوقع أن تساهم فيها مصر بجنود.
وبعد أيام من إرسال مصر طائرتين عسكريتين محملتين بالأسلحة إلى حليفها، الصومال، في أغسطس الماضي، ثم خروج تحذير إثيوبي بهذا الشأن، تحدثت تقارير صحفية صومالية مؤخرا عن سيطرة قوات إثيوبية على "مطارات" في جنوب وغرب الصومال.
وذكرت صحيفة صوماليا غارديان أن قوات إثيوبية سيطرت على مطارات رئيسية في منطقة غيدو، جنوبي الصومال، بما في ذلك مطارات لوق ودولو وبارديري، في "محاولة لمنع النقل الجوي المحتمل للقوات المصرية إلى المنطقة".
وتنتشر القوات الإثيوبية في منطقة غيدو ضمن قوات الاتحاد الأفريقي، وفق موقع "غارو أونلاين" الصومالي الذي أكد أن هذه القوات سيطرت على "مطارات" في غرب الصومال.
ولدى إثيوبيا حاليا آلاف القوات العاملة في الصومال، خاصة في الولايات الثلاث، جنوب غربي البلاد، ومنطقتي غوبالاند وهيرشبيلي.
وتعمل بعض هذه القوات ضمن بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال (أتميس) ATMIS بينما توجد قوات أخرى في البلاد بموجب اتفاقيات أمنية ثنائية.
وقالت "صوماليا غارديان" إن "سيطرة إثيوبيا على المطارات تكتسب أهمية كبيرة لأنها تشكل نقاط الوصول الوحيدة إلى المدن في منطقة غيدو، بعدما أغلقت "حركة الشباب" المسلحة الطرق المؤدية إليها".
وهذه المطارات تستخدمها البعثات الدبلوماسية وفرق الإغاثة وعامة الناس الذين يفضلون استخدام التنقل جوا، وفق الصحيفة.
وحصل موقع الحرة على معلومات تفيد بأن القوات الإثيوبية تولت مؤخرا السيطرة الأمنية على مطار واحد، وليس "مطارات"، على عكس ما جاء في الصحافة الصومالية.
وتشير المعلومات، التي حصلنا عليها بدعم "فويس أوف أميركا"، إلى أن القوات الإثيوبية لديها 7 قواعد في مدن تقع ضمن منطقة غيدو، وهي دولو، ولوق، وغاربهاري، وبارديري، وبوردوبو، ويوركود، وبلد هاوو.
وتقع 4 من هذه القواعد السبع في مطارات، أو بالقرب منها، وذلك في دولو، وغاربهاري، وبارديري، وبوردوبو. وهذه القواعد توجد هناك منذ سنوات عدة، وقبل فترة طويلة من التوتر الحالي بين الصومال وإثيوبيا.
وقالت المصادر إنه رغم التواجد الكبير للقوات الإثيوبية بهذه المطارات، فإن المدنيين والمسؤولين الصوماليين يصلون ويغادرون من هذه المطارات، لأن هناك عمالا مدنيين صوماليين يعملون هناك.
وبالإضافة إلى ذلك، يعمل عدد كبير من أفراد الأمن الصوماليين مع الإثيوبيين، خاصة عند نقاط التفتيش المؤدية إلى المطارات، لكن دور هؤلاء الجنود الصوماليين يبدو محدودا.
وأواخر الشهر الماضي، تولت القوات الإثيوبية السيطرة الأمنية على مطار لوق. وطلبت هذه القوات من المسؤولين الصوماليين الذين يديرون المطار قائمة بالأشخاص الذين قدموا من مقديشو، قبل مغادرتهم.
وزادت إثيوبيا مؤخرا عدد قواتها في مدينة دولو ومطارها، لكن الإثيوبيين كانوا في مطار دولو بالفعل منذ عامين. وكانوا في بارديري وبوردوبو منذ تسع سنوات تقريبا، وربما بقوا مدة أطول من ذلك في غاربهاري.
وتشير المصادر أيضا إلى أن إثيوبيا نشرت عددا كبيرا من القوات على طول الحدود مع الصومال، ليس فقط في المناطق المتاخمة لمنطقة غيدو (الجنوب)، ولكن على طول المناطق الوسطى (على سبيل المثال بالقرب من بلدة فيرفير في منطقة هيران).
تطور ملحوظ
وتأتي هذه التطورات بينما يفترض أن تنسحب القوات الإثيوبية من الصومال بحلول ديسمبر 2024، الموعد المقرر لانتهاء مهمة بعثة الاتحاد الأفريقي.
ونهاية الشهر الماضي، في تحرك هو الأول من نوعه منذ نحو أربعة عقود، أقدمت مصر على تسليم مساعدات عسكرية للصومال عبر طائرتين محملتين بالأسلحة والذخيرة هبطتا في مطار مقديشو.
وجاء ذلك بعدما وقعت القاهرة في وقت سابق من الشهر ذاته، "بروتوكول تعاون عسكريا" مع مقديشو، وعرضت المشاركة في قوات حفظ السلام الجديدة.
وبعد وقت قصير من إعلان مصر إرسال مساعدات عسكرية، أطلقت إثيوبيا تحذيرا.
وجاء في بيان لوزارة الخارجية الإثيوبية، أنها "تراقب بيقظة التطورات في منطقة القرن الأفريقي التي قد تهدد أمنها القومي"، وعبّرت عن قلقها من تحوّل بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال إلى "بعثة باسم ومهمة جديدتين" تحت مسمى بعثة الاتحاد الأفريقي لدعم وتحقيق الاستقرار في الصومال، معتبرة أن هذه الأحداث تقود المنطقة إلى "المجهول".
وأضاف البيان: "لم تؤخذ الدعوات المتكررة من إثيوبيا والدول المساهمة بقوات أخرى على محمل الجد.. إثيوبيا لا تستطيع أن تقف مكتوفة الأيدي، بينما تتخذ جهات أخرى تدابير لزعزعة استقرار المنطقة".
وتعززت العلاقات بين مصر والصومال، هذا العام، بعد أن وقعت إثيوبيا، في يناير الماضي، اتفاقا مبدئيا مع منطقة "أرض الصومال" الانفصالية، لاستئجار منفذ ساحلي، مقابل اعتراف محتمل باستقلالها عن الصومال.
ووصفت حكومة مقديشو الاتفاق بأنه تعد على سيادتها، وقالت إنها ستعرقله بكل الطرق الممكنة، وهددت بطرد القوات الإثيوبية في حال لم يتم إلغاء الاتفاق.
وعلى خط التصعيد الأخير، أعلنت سلطات إقليم "أرض الصومال"، قبل أيام، إغلاق المكتبة الثقافية المصرية في هرغيسا، عاصمة الإقليم، وأمرت العاملين فيها بمغادرة الإقليم في غضون 72 ساعة، وذلك بسبب مخاوف أمنية.
وجاء قرار الإقليم في نفس يوم إعلان وزير خارجيته عزم الحكومة إتمام الاتفاق مع إثيوبيا.
وتتزامن هذه التطورات مع خلاف مصري إثيوبي بشأن مشروع سد النهضة الضخم الذي تبنيه إثيوبيا، وتخشى القاهرة من تأثيره على حصتها من المياه.
ونهاية الشهر الماضي، أعلنت إثيوبيا، انتهاء أعمال البناء الخرساني للسد، والانتقال لمرحلة التشغيل.
وكان مستشار الأمن القومي الصومالي، حسين شيخ علي، قد صرح في يونيو الماضي، بأن الصومال يتوقع أن تغادر جميع القوات الإثيوبية البلاد بحلول نهاية عام 2024 مع انتهاء ولاية بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في ديسمبر.
وقال علي إن القوات الإثيوبية لن تكون ضمن قوات قوات الاتحاد الأفريقي (التي نشرت هناك لتأمين المنشآت الرئيسية في الصومال) اعتبارا من يناير 2025.
لكن في الوقت ذاته، عبر عدد من المسؤولين الصوماليين عن مخاوفهم من أن يؤدي غياب القوات الإثيوبية إلى تشجيع "حركة الشباب" الإرهابية.
ونشرت وكالة الأنباء الإثيوبية، مؤخرا، تقريرا أشار إلى الدور الذي لعبته القوات الإثيوبية المتواجدة في الصومال في قتال "حركة الشباب والجماعات المتشددة الأخرى".
وقالت إنه "منذ ما يقرب من عقدين من الزمان، تعاونت القوات الإثيوبية مع القوات الصومالية لتحرير المدن والبلدات من قبضة الإرهابيين، وقدمت التضحيات النهائية لاستقرار البلاد".
وفي معرض حديثه عن هذا الدور، أكد وزير خارجية إثيوبيا، تايي أتسكي سيلاسي، مؤخرا، على أن بلاده "قدمت تضحيات كبيرة من أجل استقرار الصومال، ومن غير اللائق أن نقوض التضحيات التي قدمتها قواتنا".
وأشار إلى الدور الذي لعبته "الاستخبارات الإثيوبية والتدريب العسكري والعمليات المشتركة في إرساء الأساس للحكومة... وقدمت البلاد مساعدات حاسمة لبناء القدرات، وساعدت في تدريب وتجهيز قوات الأمن الصومالية لتولي زمام المبادرة في الحفاظ على الاستقرار".
وقال: "إثيوبيا دربت المهندسين والموظفين المدنيين على شغل مناصب رئيسية في الحكومة الصومالية، وقدمت مؤسسات التعليم العالي منحا دراسية للطلاب الصوماليين لمواصلة دراستهم في إثيوبيا بروح الوحدة الأفريقية والتعاون التنموي المتبادل".
وقال نائب رئيس ولاية جوبالاند، محمود سيد عدن، في تصريحات سابقة إن خروج القوات الإثيوبية "لن يفيد إلا حركة الشباب".
وقال وزير الأمن في ولاية جنوب غرب الصومال، حسن عبد القادر محمد، إن مسؤولي إدارة جنوب غرب البلاد "سعداء بوجود القوات الإثيوبية". وأضاف: "إذا كان من المقرر إنهاء بعثة "أتميس"، فيجب مناقشة ذلك. لا يمكن لأحد اتخاذ قرار أحادي الجانب... إن جنوب غرب الصومال سعيدة ببقاء القوات الإثيوبية".
وتزامن توقيع مصر بروتوكول تعاون عسكريا مع مقديشو في أغسطس، مع زيارة رئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، القاهرة، ولقاء نظيره المصري، عبد الفتاح السيسي.
وأكد السيسي خلال مؤتمر صحفي مع ضيفه على متانة العلاقات بين الدولتين وحرصه على تطويرها.
وأضاف، وفق ما نقلته صحيفة الأهرام الحكومية: "رأينا اليوم التعاون العسكري، والاتفاق الذى جرى بين وزيري الدفاع في مصر والصومال"، مضيفا أن التعاون يهدف إلى البناء والتنمية والتعمير، "ولا نتدخل أبدا في شؤون الدول، لأن ما يحكم مسارات سياستنا هو احترام القانون الدولي وسيادة الدول".
وجاء في تقرير "صوماليا غارديان" أن المسؤولين الصوماليين طلبوا انسحاب القوات الإثيوبية من الصومال بحلول العام المقبل، "ومع ذلك، لايزال من غير المؤكد ما إذا كانت الحكومة الصومالية قادرة على فرض هذا الانسحاب، نظرا للوجود الراسخ للقوات الإثيوبية" بمناطق مختلفة في البلاد.