خاص | النقار
لا يبدو أن جماعة صنعاء ستتصالح مع عقدتها الأبدية: سبتمبر. فعلى الرغم من أن لديها ثورتها الخاصة في هذا الشهر، إلا أنها لا تستطيع تجاوز ما ترى نفسها على النقيض منه في كل شيء، وبالتالي تحاول إلغاءه بشتى الوسائل. فهي لا تريد للشعب أن يكون له مناسبة تعبر عنه من خارج برنامجها، خصوصًا إذا كانت تلك المناسبة بحجم سبتمبر، وبالأخص بحجم السادس والعشرين منه.
في نهاية المطاف، هذا شأنها، ولا يستطيع أحد أن يلح عليها بالسؤال عن سبب موقفها من سبتمبر ومن ثورته، فالجواب معروف مسبقًا ولا يحتاج إلى الكثير من الاجتهاد منها لمحاولة التبرير. وعامًا تلو الآخر تزداد العقدة ويصعب تفكيكها على الذين يريدون تفكيكها، وذلك لأنها وضعت نفسها مقابل ثورة شعب تريد إقناعه بسبتمبرها ويؤمن بسبتمبرها، وفارق كبير بين السبتمبرين على كل حال.
ومع تباشير اليوم الأول من حلول هذا الشهر من كل عام، تكون الجماعة بسلطتها وإعلامها قد أفصحت عن حالة من التشنج من خلال الإجراءات التي تتخذها ضد كل من يعلن احتفاءه بذكرى الثورة. فلا يكاد ناشط يحيط بروفايله الشخصي بإطار يتضمن شعار الثورة إلا ويجعل منه في القائمة السوداء أو على الأقل في قائمة المراقبة، ولا يكاد مواطن يرفع العلم الجمهوري إلا وتعتبر ذلك العلم رسالة موجهة ضدها، وهكذا حتى تكون قد جعلت نفسها في موقف النقيض مع الشعب ومع ثورته.
ربما أكثر ما تستطيع عمله هو أن تفتح سجونها وأن تنفذ حملات اعتقال بالعشرات وبالمئات تحت دعاوى أن كل من سيحتفي بثورة السادس والعشرين من سبتمبر وسيرفع العلم الوطني دون مباركة منها متهم بالخيانة والعمالة للخارج. وهذا لن يقودها في النهاية إلا إلى المزيد من استفزاز الناس وتأليبهم عليها. كما أن ذلك "الخارج" الذي ما زالت تريد أن تتهم الشعب به على الدوام، أصبح لديها ولديه من المصالح المشتركة ما يجعلها تصدر إليه الرمان والعنب وطيبات الأرض، وتتودد له من حين لآخر برسائل التهنئة الممهورة بتوقيع المشاط، وبالتالي لن تستطيع الاستمرار في العزف على نفس النغمة.
الناشط عمر الكثيري من أبناء مدينة إب القديمة، حارة الجبانة، كتب منشورًا قبل أيام قال فيه إنه لن يحتفل بالمولد حتى لا يُحسب من المنافقين، وإنه سيحتفل فقط بذكرى ثورة 26 سبتمبر. فلم تمهله الأجهزة الأمنية حتى ينتهي من قراءة ما كتبه حتى انقضت عليه إلى منزله وأودعته "بيت خاله" في سجن الأمن السياسي بالمدينة.
كما اختطفت الأجهزة الأمنية أربعة شبان بسبب إعلانهم الاستعداد للاحتفاء بذكرى الثورة السبتمبرية في منطقة "المسقاية" بمديرية السدة، مسقط رأس أحد قادة الثورة، وهو علي عبدالمغني. كما استدعت النيابة العامة بمحافظة إب مجموعة من الناشطين وحققت معهم بشأن منشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي بذات الخصوص، وهي حالة ستستمر خلال الأيام القادمة باعتبار أن هناك متسعًا من الوقت على حلول الذكرى هذا العام وعلى إشباع سلطة صنعاء لشيء من نهمها في اعتقال كل من تراه يخرج عن برنامجها.
أما لماذا كان سبتمبر بالنسبة لجماعة صنعاء هو عقدتها الأبدية فذلك لأنها تتعامل من منطلق أيديولوجيتها الضيقة التي أوصلتها إلى السلطة فجأة بلا مقدمات أو حيثيات، وتحاول أن تعيد إنتاج وسائل حكم أصبح بينها وبين الشعب قطيعة كبرى، فإذا بها تقع على الدوام في المأزق تلو الآخر.