تابعت التعليقات على المنشور المتعلق بقضية "اتباع أهل البيت"، وكانت تعليقات كلها رائعة وموضوعية، أثْرتِ الموضوع بشكل كبير؛ ولذا يُعد النقاش والحوار العلمي والموضوعي أفضل طريقة للوصول ولو إلى بعض الحقيقة في أي قضية، وبالنسبة لنا فإن أي موضوع أناقشه لا يهمني إثباته أو نفيه بقدر ما يهمني أن تتضح لي الحقيقة، سواء كانت في نفيه أو إثباته، وما يهمني أكثر هو إزالة الخوف الجاثم على قلوبنا جميعا من بحث المواضيع الفكرية التي لا أقول يصح النظر فيها؛ وإنما يجب النظر فيها ووضعها على مائدة الحوار الذي لا يراد منه إلا وجه الحقيقية لا غير، وعندما أعرض موضوع وأعرض رأيي فهو ناتج عن محاولة بحثية أوصلتني إلى تلك القناعة التي قمت بعرضها ولو يأتي من يقدم حجةً مقنعة أقوى مما استندت إليه فلن أتردد في تغيير قناعتي؛ لأن الحقيقة هي غايتي.
وهكذا ينبغي أن نكون متحررين من القيود والموروثات المذهبية، والعصبية وباحثين عن الحقيقة أينما ذهبت بنا.
قد يتساءل البعض: لماذا نختار بعض المواضيع التي قد تكون حساسة، خصوصا لدى البعض؟ والجواب: أننا نناقش المواضيع الفكرية التي يتم الترويج لها بفاعلية ويُبنَى على ضوئها مواقف خاطئة إما طائفية أو مناطقية أو مذهبية دمّرت اليمن ومزّقت نسيجه الاجتماعي، فنحاول أن نقول لمثل هذا: عليك ان تراجع معلوماتك فإنه يوجد رأي مخالف لما تعتقده يستند إلى حجة قد تكون أقوى ولها نصيب من الحقيقة.
ومن ذلك: استدلال أحد المعلقين على وجوب "اتباع أهل البيت" بقوله تعالى: ﴿قلْ لّا أسْألُكُم عَليهِ أجْرًا إلاّ المَوَدّةَ فِي القُرْبَى﴾؛ ما دفعني لأن أوضح معنى الآية...
وهو: أن الله عندما أمر نبيّه محمدًا صلوات الله عليه وآله بإنذار عشيرته: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ﴾ قام بإنذارهم، ثم بين لهم: أنَّ إنذارهم ليس لغرض تقاضي الأجر وإنما مودة في القربى؛ لما بينه وبينهم من قرابة*
وليس المقصود بالآية: أنه يريد من أمته أجرًا مقابل تبليغ الرسالة وهو أن يودُّوا قرابته؛ لأن الآية مكية ضمن "سورة الشورى"، والقربى الذين عنتهم الآية: هم قُرباه الذين أمر بإنذارهم وكانوا لا زالوا "مشركين"؛ لأن الآيتين مكيّتين، فكيف يأمر أمته بمودتهم!!!
وهم كانوا مشركين، ومما يؤكد أن ليس المقصود بالآية: أنه يريد أجرًا مقابل إبلاغ الرسالة، وهو أن يودّ الناس قرباه، قوله تعالى: ﴿قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ﴾، وكأنه يرد على شائعة تتهمه أنه يسعى لكسب مقابل إبلاغ الرسالة، فقال لهم: أي أجر تعتقدون أني أسعى له هو لكم، لا تعطوني منه شيئا فأجري على الله، وهكذا نلحظ معظم الأنبياء ينفون عن أنفسهم تهمة تقاضي الأجر، فنبيّ الله نوح قال: ﴿فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سألتكم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ﴾.
ونبي الله هود قال: ﴿وَيَٰقَوْمِ لَآ أَسْـَٔلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا ۖ إِنْ أَجْرِىَ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِ﴾.
ونبي الله هود أيضًا قال: ﴿ومَا أسْألكُم عَليهِ مِنْ أجرٍ إنْ أجْرِيَ إلَّا علَى ربِّ العَالَمِين﴾. وهكذا ينفون الاجر على تبليغ ماأمروا بتبليغه ما يعني أن "النبي محمداً صلوات الله عليه وأله" أمر أن يقول لعشيرته: قل لا أسألكم على إنذاري لكم أجرًا إلا مودة في قرباكم، ولما بيني وبينكم من قرابة، ولا علاقة لآية: ﴿قلْ لّا أسْألُكُم عَليهِ أجْرًا إلاّ المَوَدّةَ فِي القُرْبَى﴾ بذريته أصلا.. والله أعلم