• الساعة الآن 09:10 PM
  • 16℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

‏عبدالوهاب قطران يكتب: من ذكرياتي بالزنزانة رقم "23"

news-details

 

 


كنت قد قررت بعد ضغوطات الأصدقاء الأعزاء تأجيل الكتابة عن
زنازين الأمن والمخابرات في صنعاء وأستأنف اليوم كتابة نزر يسير منها:
ذكرياتي بالسجن وبالزنزانة الانفرادية الرهيبة رقم ٢٣ بسجن الامن والمخابرات بصنعاء ،الى اجل غير مسمى، ولكن استفزني ما قرأته بصفحة الرفيق العزيز المناضل احمد سيف حاشد  وما نشره بصفحته الليلة عن الأستاذ الجليل و التربوي القدير السجين المظلوم مجيب المخلافي ، القابع بسجن الامن والمخابرات منذ قرابة سنة بتهم كيدية ومفبركة ،
وانحيازا لصوت ضميري ،سوف اكتب ما تسعفني به الذاكرة عن ذكرياتي معه بالزنزانة الانفرادية رقم ٢٣ التي كنت قابع بها وكان الى جواري بالزنزانة الانفرادية رقم ٢١ .
زج بي  بالزنزانة الانفرادية بتاريخ ٢ يناير ٢٠٢٤م ،وكان اول من تعرفت عليه من السجناء هو الأستاذ مجيب المخلافي ،كان عزوتي وانسي بتلك الأيام الموحشة السوداء الكئيبة المظلمة بحياتي ، كنا نسترق اللحظات وانشغال السجانين ونتبادل الاحاديث خلسة كلما سنحت الفرصة بذلك ، كان يبوح لي بشجاعة عن تفاصيل التهم وسبب سجنه هو ورفاقه التربويين ،وكنت كلما ضاقت بي الدنيا وشعرت بروحي تكاد تخرج من احشائي من وحشة وبؤس الزنزانة الانفرادية ، يواسيني ويشد من ازري ويصبرني ويقول لي اصبر يا قاضي وما صبرك الا بالله ،عاد المراحل طوال. كم لك هنا عادك قليل انا قبلك بتسعين يوما ، لي بالسجن الانفرادي هنا ثلاثة اشهر ، ومن دخل هنا اقل مدة يقضيها خمسة الى سته اشهر ، الذي كان قبلك جلس خمسة أشهر ، تصلب وتجلد ،وكلما ضقت وشعرت بطاوي الروح ، اخرج رأسي من وسط شاقوص باب الزنزانة الانفرادية وانادية أستاذ مجيب كيف حالك ، ما اخبارك ،انا ضيق تعبت ويرد عليا استغفر الله واقراء القرآن الكريم وصلي ،احنا هنا بمحنة وابتلاء ساقنا سوء حظنا الى هنا ،
انا أستاذ تربوي بديوان عام وزارة التربية والتعليم خدمت الوطن بالتربية ٢٣ سنة وآخرتها كانت مكافئة نهاية الخدمة زجوا بي بالسجن ،وعمري ما عرفت السجن.
قلت له ماهي تهمتك ايش عملت ،قال كنت اعمل تبع منظمة دولية تشتغل بتعليم الناشئة ومرخص لها من هناء من صنعاء ،والان يلفقوا لنا تهم ان احنا عملاء للخارج لاننا عملنا مع المنظمة تلك وهي مرخص لها واضطرينا للعمل معها بسبب انقطاع المرتبات.
كانت الزيارة والاتصال بأسرتي ممنوعة عني لمدة أربعين يوما وغير مسموح لي بالقات او أي شيء ولا اكل الا ما يأتي به المستلمين من وجبات تعيسة ، ولم يكن لدي فلوس ولا مسموح لي اشتري شيء ،وكان مالك البقالة يأتي كل يوم سبت ينادي لمن يريد من السجناء شراء شيء من البقالة وانا لا مال لدي ،فكان الأستاذ مجيب يشتري لي عصائر وبسكويتات كما يشتري لنفسه لأنه قد سمح له بالتواصل مع اهله ورسلوا له فلوس ،ويصر على ان يقسم لي ما يشتري من البقالة كل اسبوع، وكان الأستاذ مجيب رجل نبيل من اهل الله صوفي متبتل باالله .
كان يصلي قيام الليل واسمع صوته وهو يتبتل صباح مساء بتلاوة القران ويحفظ يوميا ماتيسر منه واسمع تلاوته كل ليلة لسورة الرحمن ،ولأنه دمث الاخلاق كان يحظى باحترام مدير الاصلاحية الاخ الباقر ،وهو رجل محترم يجظى باحترام ومحبة كل السجناء وكان يزورنا ويتبادل الاحاديث المقتضبة معنا كل أسبوع ، وكان كل المستلمين  يتعاملوا مع مجيب المخلافي  بلطف ودماثة ويعاملوه معاملة طيبة حسنة .
وفي اخر ايامي بالسجن الانفرادي تعب الاستاذ مجيب ومرض فتم اسعافه الى المستشفى العسكري ،وكان كل يوم ياتي الاطباء لتفقد احواله ومتابعة صحته..
وكان يقول لي اختي الدكتورة افتكار المخلافي تدرس عندكم  بكلية الشريعة والقانون وبمعهد القضاء وكان يعتز بها ،وكان يتوقع ان لا يأتي رمضان الا وقد افرج عنه ،قال لي قبل ان يتم نقلي من الزنزانة الانفرادية بأيام ،مر على ايداعي هنا قرابة ١٢٠ يوما ،واظن انه سيتم الافراج عنا جميعا قبل رمضان ما همش مجانين يخلونا نصوم هنا... قلت له مؤكد سيفرج عنا بشعبان اما رمضان مؤكد لن نصوم الا ببيوتنا،
شكى لي من مجهالة وغلافة وجلافة المحققين ،قلت له هل عذبوك قال لا وانما بيرهقونا بالتحقيقات ثلاث اربع ساعات ،واسئلة هبلا تنم عن انعدام الخبرة والمعرفة ،وفي بعض الليالي يأتي المستلمين ويخرجوه من الزنزانة ويعصبوا عيونه ويأخذوه تحقيق ،وعندما يعود اخر الليل اصحى من النوم ،وأسئلة:
هيا كيف؟1 كيف كانت ليلتك وكيف التحقيقات انشاء الله الأمور طيبة وقرب الفرج ،ويرد والله ما اقلك الا خير متعبين ، لانعرف ماذا يريدوا ،واقول له لا تقلق اشعر انه سيتم اطلاق سراحك قريبا ستخرج قبلي لك أربعة اشهر ،امانتك اذا خرجت روح لابيتي وطمنهم وقلهم كذا وكذا ،ويقل لي مرحبا ولا يهمك..
وكان يؤاسيني بالقول مافيش سجن يدوم مهما طال سجننا سنخرج ،ولكنها محنة وابتلاء من الله وانت ستتعود بعد مرور شهر ويصير الامر عندك طبيعي وستزول الضيقة هي فرصة نخلو باالله ويواسيني ويجبر بخاطري...
كان نعم الاخ والجار والرفيق،وكان كلما طال حديثنا ياتي المستلم ويحذرنا ويقول ممنوع الكلام بطلوا ثرثرة.. الكاميرات والسمعات فوقكم ،ونعود للصمت.
المهم نقلوني من الانفرادي بعد ٣٧ يوما ولا اعرف بعدها هل ظل بالانفرادي ام تم نقله للسجن الجماعي ام تم الافراج عنه ،الى اخر يوم برمضان قبل الافراج عن الأستاذ ابوزيد الكميم ،خرجونا نلعب كرة قدم بملعب السجن قبل المغرب وعلى طلوعنا الى عنبرنا مرينا من زقاق يمر من امام العنابر الجماعية.
لمحت الاستاذ مجيب وهو يتشمس امام العنبر مرتدي البزة الزرقاء فلوحت له بيدي مسلما ومضيت الى عنبرنا ،وكنت كلما زارني الأطباء بجناحنا اسألهم عنهم ويخافوا ويتلعثموا ولا يفصحوا لي بشيء.
بعد خروجي من السجن تابعت اخباره وعرفت انه لازال قابع بالسجن فحزنت عليه ولكن ماباليد حيلة ،والليلة تفاجئت بما نشر عنه انه قد نشرت له اعترافات متلفزة من ضمن مايسمى بالخلاياء الجاسوسية فصدمت وتيقنت انها تهم كيدية مفبركة مخيطة بصميل لااساس قانوني يسندها ...
انا متيقن انه مظلوم وبريء براءة الذئب من دم ابن يعقوب  وانه رجل وطني محترم مستقيم وتربوي قدير  خدم الوطن باخلاص وتفاني ٢٣ سنة بقطاع التربية والتعليم..
الحرية لك ياصديقي ولكل السجناء المظلومين ،ولاتحسبن الله غافل عن مايعمل الظالمين انما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الابصار..

شارك الخبر: