سلطت صحيفة "هآرتس" العبرية، الضوء على علامات "تحذيرية مقلقة" للاقتصاد الصهيوني، بعد مرور ما يقرب من 11 شهرا على الحرب التي اندلعت في أعقاب هجوم حماس على البلدات الإسرائيلية في السابع من أكتوبر.
وانتقدت الصحيفة في تقريرها أداء وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، وانشغال الحكومة بأمور أخرى بما في ذلك الصراعات الداخلية في الائتلاف الحاكم و"الاستفزازات المتواصلة والمشاجرات" التي يقوم بها وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، بدلا من التعامل مع المشاكل الحقيقية التي تواجهها البلاد.
وتثير الإحصاءات التي نشرت خلال الأسابيع والأيام القليلة الماضية، المخاوف من "الأضرار الملموسة" التي لحقت بالاقتصاد، لكن الحكومة "تغض الطرف عنها على ما يبدو وترفض تبني سياسة اقتصادية مسؤولة"، وفق الصحيفة.
تاليا أكثر 5 علامات إثارة للقلق بالنسبة للاقتصاد الإسرائيلي وفق "هآرتس":
معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي
عكست بيانات معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل، التي نُشرت الأسبوع الماضي، "صورة مقلقة"، إذ تباطأ النمو في الربع الثاني من العام إلى 1.2 بالمئة على أساس سنوي مقارنة بالربع السابق.
أما على أساس نصيب الفرد (مع الأخذ في الاعتبار الزيادة السكانية)، انخفض الناتج المحلي الإجمالي في الواقع بمعدل سنوي بلغ 0.4 بالمئة.
وفي حال مقارنة النمو ببيانات الربع الثاني من عام 2024 والربع الثاني من عام 2023، سيكون الناتج المحلي الإجمالي انخفض في تلك الفترة بنسبة 1.4 بالمئة.
أما إذا تم استبعاد الناتج التجاري، وتجاهل تدخل الحكومة من خلال ضخ مبالغ كبيرة في الاقتصاد كجزء من المساعدات المدنية والأمنية، فسوف يكون الانخفاض أكثر حدة، وفق الصحيفة.
ويعكس الناتج المحلي الإجمالي الرفاهة الاقتصادية لسكان أي بلد. ووفقا لتحليل أجراه كبير خبراء الاقتصاد في "ليدر كابيتال ماركتس" جوناثان كاتز، فإن المقارنة الصحيحة هي بين معدل النمو الحقيقي للفترة وإمكانات النمو (تساعد هذه المقارنة على تحديد الفجوة بين الأداء الفعلي للاقتصاد وإمكاناته الكاملة) والتي تكشف عن انخفاض يصل إلى 5 بالمئة.
وأشارت "هآرتس" إلى أن الاقتصاد الإسرائيل تمكن في السابق من التعافي في عام 2022، بعد الانخفاض الحاد أثناء الجائحة، مدعومة بالطلب المرتفع وازدهار قطاع التكنولوجيا الفائقة.
ومع ذلك، إذا استمرت ضعف النمو وفشلت إسرائيل باستمرار في تحقيق إمكاناتها، فإن الفجوة بين الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للبلاد وإمكانات النمو سوف تتسع.
وقال التقرير إن هدف قادة السياسة الاقتصادية في مثل هذا الحدث يجب أن يهدف إلى خلق محركات نمو لازمة لتسريع الاقتصاد بعد انتهاء الأزمة.
لكن الحكومة الحالية تحاول "التهرب من المسؤولية عن الاقتصاد وتعطيل تقدم موازنة 2025"، وهو ما قد يؤدي إلى "أزمة اقتصادية طويلة الأمد"، وفق "هآرتس".
ولم تتجه الحكومة الإسرائيلية حتى الآن نحو إعداد موازنة لعام 2025، حيث لم يقدم رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، ووزير المالية، أي تفسيرات حول التأخير في صياغة إطار مالي لموازنة عام 2025، حسب ما نقلت مؤخرا وكالة "بلومبيرغ" الأميركية.
الإنفاق الاستهلاكي
وكانت "النقطة المضيئة" الوحيدة في بيانات الناتج المحلي الإجمالي هي الإنفاق الاستهلاكي، الذي نما بنسبة 12 بالمئة على أساس سنوي مقارنة بالربع السابق، بعد نمو بنسبة 23.5 بالمئة في الربع الأول، وفق "هآرتس".
ومع ذلك فإن هذه الأرقام "مضللة" حسب ما قالت الصحيفة، إذ إن ارتفاع الإنفاق الشخصي يأتي نتيجة المساعدات الحكومية المقدمة للنازحين وجنود الاحتياط، وهو لا يعتبر استهلاكا "صحيا"، لأنه ينطوي على زيادة العجز في الميزانية.
ويُظهِر تحليل أجراه كبير خبراء الاقتصاد في مؤسسة "ميتاف" للاستثمار، أليكس زابيجينسكي، أن الزيادة في الإنفاق الشخصي ليست في الواقع "نقطة مضيئة"، حيث جاءت الزيادة الأكثر حدة في إنفاق الإسرائيليين بالخارج.
وأضاف: "إذا طرحنا استهلاك الإسرائيليين في الخارج، فسوف نجد أن الإنفاق الشخصي نما بمعدل أكثر اعتدالا بلغ 3.1 بالمئة فقط".
بالإضافة إلى ذلك، تكشف البيانات أن نمو الاستهلاك جاء مدفوعا بالضروريات مثل الغذاء والبنزين والكهرباء والمياه، وأنه مع استبعاد هذه الضروريات، فإن الإنفاق على الخدمات، على سبيل المثال، انخفض في الواقع بنسبة 4.6 بالمئة.
كما انخفض الإنفاق على الملابس والأحذية بنحو 6 بالمئة، وعلى الأثاث والمجوهرات والساعات بنحو 20 بالمئة.
وأوضح زابيجينسكي أن النمو عندما يعتمد في الأساس على الإنفاق العام والضروريات، فإن هذا قد يضعفه في المستقبل، مشيرا إلى أنه لا يوجد توقعات بشأن ارتفاع محركات النمو الطويلة الأجل في إسرائيل، مثل الصادرات والاستثمارات، وخاصة في مجال التكنولوجيا الفائقة.
"وهم" انخفاض معدلات البطالة
اعتبرت "هآرتس" أن انخفاض معدل البطالة في إسرائيل إلى أدنى مستوى له على الإطلاق في يوليو الماضي عند 2.8 بالمئة، يستند على أسباب "خاطئة".
ويعتقد المحللون وفق الصحيفة أن ارتفاع البطالة وتباطؤ النمو يشكل "شذوذا اقتصاديا"، مشيرين إلى أن تراجع البطالة يرجع إلى عوامل أخرى من بينها استبدال بعض العمالة الفلسطينيين، واعتبار النازحين وجنود الاحتياط غير عاطلين عن العمل، على الرغم من أنهم لا يعملون ولا يساهمون في النمو.
وتستند الأرقام الرسمية للبطالة إلى المسوحات التي تجريها دائرة الإحصاء المركزية، التي تشمل المشاركين في سوق العمل والذين يبحثون عن عمل.
وتقدر الدائرة أن نحو 85 ألف شخص قد تم فصلهم من سوق العمل، جنود احتياطيون، ونازحون، وأشخاص تم فصلهم من وظائفهم ولم يعودوا يبحثون بنشاط عن عمل.
وحسب تحليل الخبير الاقتصادي، زابيجينسكي، فقد انكمش عدد العمال في إسرائيل بنسبة 3 بالمئة في يوليو، مقارنة بقوة العمل التي كان ينبغي توظيفها بما يتماشى مع الاتجاه السائد في السنوات القليلة الماضية.
وهذا يعني أن انخفاض البطالة لا يرجع إلى أن الاقتصاد يتحرك بسرعة إلى الأمام، الأمر الذي يخلق طلباً مرتفعا على العمال، بل لأن هناك نقصا في العمال، وفق الصحيفة.
تسارع التضخم مع استمرار الفائدة مرتفعة
يعاني الاقتصاد الإسرائيلي من تباطؤ يتطلب زيادة السيولة، وتخفيض أسعار الفائدة إلى ما دون الـ4.5 بالمئة.
لكن بنك إسرائيل المركزي قرر هذا الأسبوع، الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير عند 4.5 بالمئة، في الوقت الذي قد يتجه فيه بنك الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي الأميركي) إلى تخفيض أسعار الفائدة في سبتمبر، فضلا عن تخفيض المركزي الأوروبي للفائدة في يونيو.
ومن غير المتوقع أن ينخفض سعر الفائدة في إسرائيل في أي وقت قريب، وفق الصحيفة، التي أشارت إلى أن التضخم الذي ارتفع إلى 3.2 بالمئة في يوليو الماضي، يقف وراء ذلك.
ووفقا لتوقعات المحللين من القطاع الخاص، فمن المرجح أن يظل التضخم في إسرائيل أعلى من الهدف الذي حدده البنك المركزي بين 1 و3 بالمئة خلال عام واحد.
وقالت "هآرتس" إن الحرب تؤثر على التضخم بعدة طرق، بما في ذلك النقص المحتمل في المعروض من السلع والخدمات، فضلا عن تقلب العملة المحلية "الشيكل" خلال الأشهر الأخيرة، مشيرة إلى أن "تصعيد الصراع قد يضعف العملة المحلية، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى ضغوط تضخمية بسبب ارتفاع تكلفة السلع والخدمات المستوردة".
انخفاض الطلب على السندات الحكومية
أشارت "هآرتس" إلى أن انخفاض الطلب على السندات الحكومية الإسرائيلية، من بين أبرز العلامات التحذيرية المقلقة، إذ إن قدرة الحكومة على إدارة الديون وتكلفة الدين قد تثيران "قلقا أشد خطورة".
ويعتقد العديد من المسؤولين المحترفين أن كل الأنظار لابد وأن تتجه الآن نحو عائدات سندات الحكومة الإسرائيلية، حيث تبدو الصورة "مقلقة" بشكل خاص.
وخفضت وكالة "فيتش" تصنيف إسرائيل قبل أسبوعين، في خضم المخاوف من اتساع رقعة الحرب، وهو ما يؤثر على إصدار الديون الخارجية للحكومة الإسرائيلية.
وتواجه الحكومة مشكلة كبيرة تتعلق بالديون المحلية، التي تشكل نحو 75 بالمئة من إجمالي إصدارات الديون في البلاد مع تراجع الطلب وارتفاع العائد.
ومنذ اندلاع الحرب، سرعت إسرائيل من إصدار الديون الحكومية في السوق المحلية، وكلما كبرت احتياجات الدين وارتفعت المخاطر والعائد الذي يتعين على الحكومة أن تدفعه.
وكانت العائد على السندات المحلية لأجل 10 سنوات لإسرائيل والولايات المتحدة بعملتيهما متقارب عادة. وكثيرا ما كانت العائدات في إسرائيل أقل بسبب التقلبات في أسعار العملات والفائدة في كل بلد. لكن منذ اندلاع الحرب، نشأت فجوة، حيث أصبحت إسرائيل الآن مضطرة إلى دفع أسعار فائدة أعلى.
والأسبوع الماضي، بلغ العائد على سندات الحكومة الإسرائيلية المحلية بالشيكل نحو 4.75 بالمئة، في حين هبط العائد على سندات الحكومة المقومة بالدولار الأميركي إلى 3.75 بالمئة.
ويعتقد بنك "هبوعليم" أن هذه الفجوة نشأت بشكل أساسي بسبب قلق المستثمرين بشأن السياسة المالية للحكومة الإسرائيلية وترددها في المضي قدما في ميزانية 2025.
ووفقا للبنك، فإن هذا قد يدفع وكالات التصنيف الائتماني إلى الإعلان عن المزيد من التخفيضات، إذا لم تتخذ الحكومة إجراءات حقيقية للمضي قدما في الميزانية، وإذا لم تشير إلى أن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي على وشك الانخفاض.