خاص | أنس القباطي | النقار
دخل رشاد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي، مدينة تعز اليوم وهو يلوح بكلتا يديه لمستقبليه على جانبي الطريق، ابتداءً من المنفذ الجنوبي الغربي للمدينة. وصل العليمي إلى مدينة تعز قادمًا من عدن، العاصمة المؤقتة، على متن مدرعة عسكرية محاطة بموكب من السيارات والأطقم العسكرية.
بدأ استقبال العليمي من مدينة التربة، حاضرة الريف الجنوبي لمحافظة تعز، والواقعة على الحدود الإدارية مع محافظة لحج. لأول مرة وجد العليمي نفسه يُستقبل كرئيس منذ توليه منصبه الحالي بعد نقل صلاحيات الرئيس عبد ربه منصور هادي إليه ليلة 7 إبريل/نيسان 2022 في الرياض، ضمن مجلس مكون من ثمانية أعضاء برئاسته.
زار العليمي عددًا من المحافظات، لكن موكبه كان يصل بصمت إلى قصور الضيافة الرئاسية دون اكتراث من المواطنين. بل إن زيارته الأخيرة إلى المكلا، عاصمة محافظة حضرموت، قوبلت بهتافات غير مرحبة من قبل ناشطين محسوبين على نائبه عيدروس الزبيدي.
قبل قدوم العليمي بأيام إلى مسقط رأسه، كانت السلطة المحلية قد حشدت إمكانياتها لتجميل مدينة تعز والمدن التي سيمر بها موكب الرئيس. انتشرت خلال الأيام الماضية آليات مكتب الأشغال وصندوق النظافة في أرجاء المدينة لتنظيف الشوارع وإزالة الأوساخ والمخلفات المتراكمة لسنوات.
نقلت أطنان من القمامة من منطقة الضباب، المدخل الجنوبي الغربي لمدينة تعز، وكذلك في مدينة التربة والمدن الثانوية الواقعة على طريق المؤدية إلى المدينة. يقول أحد المواطنين القاطنين في الريف المجاور لمدينة تعز إنه فقد المعالم التي كانت ترشده إلى المدينة نتيجة إزالة تلال القمامة التي كانت مألوفة لسنوات.
بدت مدينة تعز وكأنها بحلة جديدة، حيث نُظفت الشوارع التي يُتوقع أن يمر بها موكب العليمي، ورُقعت الحفر وأزيلت التواءات الأسفلت. اختفت من أغلب الشوارع بسطات الباعة المتجولين التي كانت قد احتلت مواقعها في قلب المدينة لسنوات بتصاريح شفهية يمنحها جباة الأسواق. تشير المعلومات إلى أن أكثر من 30 بسطة أُزيلت من أمام السوق المركزي والباب الكبير وباب موسى في قلب مدينة تعز، مما أدى إلى فقدان عشرات الأسر لمصدر دخلها.
على امتداد شارع جمال، تم مضاعفة عدد رجال المرور لتنظيم حركة السير التي ظلت تختنق وقت الذروة لسنوات.
جاءت زيارة العليمي لمسقط رأسه بعد حملة أطلقها ناشطون محسوبون على الانتقالي تتهمه بالتآمر على الجنوب. جاءت الحملة بعد أن أقدم مسلحون محسوبون على أبو زرعة المحرمي، نائب العليمي والقيادي في المجلس الانتقالي، على إغلاق مبنى قرب قصر المعاشيق بعدن كان يُستخدم كسكن لموظفي مكتب العليمي.
ربما هدف العليمي من زيارته إلى مسقط رأسه إرسال عدة رسائل لمن بات يضيق عليه في عدن. قد تكون الزيارة محاولة لتحشيد تأييد تعز خلف العليمي في وقت يعاني فيه من ضغوط نوابه النافذين الذين يحضرون اجتماعات المجلس مستندين إلى قوات عسكرية وأمنية وقوى قبلية.
لهذه الأسباب جاءت زيارة العليمي لتعز، كأنه استجاب لمطالب ناشطيها الذين دعوه لزيارة المدينة وإعادة التيار الكهربائي الحكومي من محطة عصيفرة، وتدفق المياه المتوقف منذ عقد من الزمن.
حشدت قيادة السلطة المحلية كل إمكانياتها لإظهار عاصمة المحافظة بأبهى حلة، وكأنها تقدم ذلك كإنجاز بعد سنوات من التذمر الشعبي من الفساد المستشري في مفاصلها. في وقت ترتفع فيه أصوات مطالبة بإقالة قيادة السلطة المحلية، سعت القيادة لتقديم صورة مختلفة للعليمي وحشدت الآلاف لاستقباله، مستغلة ما يعانيه من تضييق وتهميش من قبل نوابه.
وتشير مصادر مطلعة إلى وجود توجه رئاسي لإقالة قيادة السلطة المحلية بمحافظة تعز، خاصة المحافظ والوكيل الأول الذي يُعد "محافظ الظل" نظرًا لنفوذه داخل المحافظة.
اصطحب العليمي معه إلى تعز اللواء الركن محمود الصبيحي، وزير الدفاع الأسبق، الذي يتمتع بشعبية جارفة في تعز. حرص العليمي على الظهور بجانب الصبيحي وفضّل أن يكون الرجل الثاني في الزيارة رغم أنه لا يشغل أي منصب رسمي. تشير المعلومات إلى أن العليمي استدعى الصبيحي من القاهرة قبل أيام لمرافقته في زيارته إلى تعز.
يدرك العليمي أهمية الصبيحي في تعز، فهو الذي قدم إلى المدينة مطلع عام 2015 رافضًا عسكرتها. يومها قال الصبيحي عبارته الشهيرة: "وظيفتي الدستورية وواجبي الوطني والأخلاقي أن أؤمن تعز" وهي العبارة التي ما تزال حاضرة في وجدان الناس رغم مرور عقد من الزمن.
تعتبر بعض المصادر أن حرص العليمي على اصطحاب الصبيحي أبعد من البحث عن حفاوة استقبال. وتشير إلى وجود توجه لدى العليمي لتعيين الصبيحي محافظًا لتعز، وهو قرار قد يرضي غالبية سكان المحافظة ويخفف الضغوط عليه في عدن.
وفي النهاية، يظل القرار النهائي رهن إرادة اللواء محمود الصبيحي، الذي رفض عدة مناصب منذ إطلاق سراحه في 10 إبريل/نيسان 2023.
قد تحمل زيارة العليمي لمحمود الصبيحي رسالة للتجمع اليمني للإصلاح، مفادها أن حضور الدولة في تعز لن يتم إلا بشخصية قوية تتمتع بدعم شعبي مثل الصبيحي.
كان دخول العليمي إلى تعز على متن مدرعة عسكرية مثار تساؤلات، خاصة مع حرصه على الظهور من فتحة في سقف المدرعة ملوحًا بكلتا يديه للمستقبلين. اعتبر البعض أن ذلك يشير إلى أن الرجل الأول لم يعد يشعر بالأمان حتى في مسقط رأسه، مما يعكس غياب حضور الدولة.
قد تكون زيارة العليمي لتعز إشارة إلى فشله في تأكيد حضور الدولة في عدن، واعتماده على دعم مسقط رأسه بعد تهميشه من قبل نوابه. إذا كان العليمي قد وصل إلى قناعة أن الحضور الفاعل في الشأن العام لن يأتي إلا من بوابة العصبيات ما قبل الدولة، فإن ذلك ينذر بمستقبل قاتم لليمن.
رغم الاستقبال الشعبي الذي حظي به في مسقط رأسه، إلا أن العليمي ظهر بعد عامين من تولي منصبه كرئيس في تعز فقط، وهو ما يعد نقطة ضعف أكثر من كونه قوة.