خاص | النقار
بين الصناديق وأحمد حامد علاقة حميمية تمتد لتشمل جميع المرافق والمجالات، بدءا بصندوق المعلم وليس انتهاء بصندوق إدارة الكوارث. فالقيادي في أنصار الله والمعين مديرا لمكتب رئاسة الجمهورية، لم يكفه ما رأسه من لجان وصناديق بالعشرات إلى الآن، حتى كان له من كنيته أبو محفوظ أن يحافظ بطريقته المعهودة على المدن التاريخية كما ينبغي، وذلك بالاستحواذ على صندوقها هي أيضا. فتأتي الأمطار لتكشف سوأة ذلك الحفاظ الممنهج من قبل أبو محفوظ. تتهدم عشرات المنازل في مدينتي صنعاء وزبيد، وتنهار قلعة تاريخية في مدينة رداع بمحافظة البيضاء، وتتصاعد مناشدات عابرة للقارات والمحيطات لتصل إلى الأمانة العامة للأمم المتحدة ومنظمة اليونسكو بإنقاذ ما تتعرض له المدن اليمنية من خراب، فيما أحمد حامد لا يعنيه ما يحدث، فلا مدن تأريخية تعنيه ولا قلاع ومبان، وكل الذي يعنيه فقط هو: الصناديق. فبمجرد أن يكتشف أن هناك صندوقا يكون قد سارع إلى النداء، حتى أنه ربما صار يحلم بالاستحواذ على صندوق النقد الدولي في مرحلة ما من الانتصار العالمي الذي ستحققه جماعته مستقبلا.
بحسب الواقع، فإن مدينة صنعاء القديمة، المدرجة على قائمة التراث العالمي، تواجه مخاطر محدقة بفعل استمرار سيول الأمطار، التي تسببت خلال الأيام الأخيرة في تهدم كلي أو جزئي لكثير من المنازل، بينما تعرّضت أخرى لتشققات وتسرب للمياه، ما يجعلها عرضة للانهيار.
حتى الآن أكثر من أربعين منزلا في مدينة صنعاء القديمة تعرض لانهيار كلي أو جزئي جراء الأمطار الغزيرة التي شهدتها العاصمة منذ مطلع الشهر الحالي، آخرها انهيار منزلين أمس وتضرر منازل مجاورة، جراء هطول الأمطار، أحد هذه المنازل يقع في حارة "بستان السلطان".
سكان في المدينة أطلقوا النداءات تلو الأخرى لإنقاذ المنازل المعرضة للانهيار، محملين الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية الخاضعة للحوثيين المسؤولية الكاملة، لرفضها القيام بعمليات الترميم رغم المناشدات المستمرة منذ نحو ثلاث سنوات.
وعندما لم يجدوا أي استجابة لنداءاتهم من قبل أحمد حامد وصندوقه، توجه سكان المدينة التاريخية إلى العالم بنداء استغاثة، لعل هناك من قد تعني له مدينة صنعاء القديمة شيئا من تراث عالمي أهملته سلطة أبو محفوظ.
منزل الشاعر الكبير عبدالله البردوني بصنعاء القديمة حارة المنصور انهار هو الآخر بسبب الإهمال والأمطار الغزيرة المستمرة، وبدل أن تبادر حكومة السلطة إلى ترميم المنزل وتحويله الى متحف باسم الفقيد الراحل، تركته للإهمال غير آبهة بشيء ولا بما يعنيه انهيار منزل شاعر بحجم وطن.
يكتب الناشط الحسن الجلال عن تهدم منزلهم في حارة بستان السلطان بصنعاء القديمة قائلا: "بفضل الله، وبفضل أبناء الحارة الأوفياء الذين خاطروا بحياتهم، تمكنا من إنقاذ أخي واخراجه من تحت الأنقاض وإعطائه فرصة جديدة للحياة. ولكن، للأسف الشديد، البيوت المجاورة لمنزلنا لم تكن بمعزل عن الأضرار. فهذه البيوت، التي كانت حالتها متدهورة أصلاً، أصبحت الآن مهددة أكثر للسقوط".
يضيف الجلال: "المؤلم في هذا الوضع هو موقف ودور الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية التي تعيق أي محاولات لإصلاح أو ترميم المنازل، بحجة أن ذلك من مهامها، ومن يحاول القيام بأي إصلاحات لحماية أسرته يتعرض للملاحقة القانونية والسجن، رغم أنه سبق وان طالبنا الهيئة منذ ما يقارب ثلاث سنوات بالسماح لنا بترميم منزلنا، ومعاينة مهندسيها قبل ما يقارب ستة أشهر ، الذين اقتصر دورهم برفع تقرير مؤكدين فيه أن المنزل مهدد بالسقوط. ومع ذلك، لم نتلق أي تجاوب".
بمعنى أن تلك الهيئة لا ترحم ولا تترك رحمة الله تنزل على الناس، ليؤكد الجلال: "نعيد النداء لكل مسؤول في العاصمة صنعاء. البيوت المجاورة لمنزلنا مهددة بالسقوط، وستكون العواقب وخيمة إن لم يتم التدخل سريعا. فالعديد من الأسر لا تزال تعيش في تلك المنازل ولا تملك بديلاً آخر"، مختتما بالقول: "أخيراً، نعبر عن شكرنا وتقديرنا للدفاع المدني الذي وصل بعد أكثر من ساعتين فقط فقط من البلاغ، وبعد ان تمكنا مع الاهالي من إنقاذ أخي والذي كان قد تم نقله إلى المستشفى. شكر خاص من أعماق قلبي لأبناء حارتي في بستان السلطان الذين لم يدخروا جهداً في إنقاذ حياة أخي. نسأل الله أن يحفظ الجميع من كل مكروه".
وتحت عنوان "الإهمال والفساد يكملان ما بدأه العدوان" يكتب الناشط مجدي عقبة قائلا: "صحيح أن الأمطار غزيرة إلا أن الإهمال والفساد هما سبب انهيار بعض المنازل التاريخية بصنعاء القديمة -خصوصا- بعد سيطرة أحمد حامد على صندوق الحفاظ على المدن التاريخية".
لكن صنعاء ليست ضريح الهادي مثلا، حتى يكون أحمد حامد قد استنفر صناديقه للحفاظ عليها، فهي مجرد مدينة تحتفظ لها ذاكرته بما يكفي من عمليات الفيد والسلب والهدم من قبل جيوش الأئمة الذين يمجدهم أبو محفوظ ويترحم عليهم في صلواته.
زبيد هي الأخرى مجرد مدينة بالنسبة لأحمد حامد ورئيسه المرؤوس. وفي أحسن أحوالها مجرد فكرة لاستجمام شتوي قد تطرأ في ذهن أحدهما كلما لسعه برد صنعاء واشتاق إلى دفء الساحل. حينها قد يبادر أبو محفوظ إلى الاقتراب منها، بعد أن تكون السيول قد أفسحت الطريق أمامه وكنست ما تبقى من تاريخ قد يعوق خطاه وهو في طريقه إلى الاستجمام.