في زمنه، كان المؤتمر الشعبي العام يمثل الحاضنة الشعبية الحقيقية على مستوى الوطن. أساساته المادية والسياسية جعلته التوجه الأهم في فترات التجاذبات الدينية والمذهبية، ليصبح توجهًا عامًا للجماهير، كدولة مرغوب بها في أحلام الناس وتوجهاتهم. لكنه لم يتجاوز السراب المصحوب بالحسرة والاستسلام. لقد انتهى كل شيء بمجرد إعلان مقتل رئيس الحزب التاريخي، الرئيس السابق علي عبدالله صالح، الذي مات تاركًا خلفه حزبًا كبيرًا وقياداتٍ كبيرة وأعضاءً بالمئات من الآلاف. بمجرد مقتل صالح، انهار الحزب فعليًا وتجزأ وتشتت وسُلب القرار، ليصير كيانًا منتهكًا، وضعيفًا، وشيخًا، وبلا وجود. تشتتت أجزاؤه وقياداته وأعضاؤه، تفرقوا بين الصراعات، وتأدلجوا في القناعات، وتمترسوا بالتيارات الأخرى. وما بقي منه في صنعاء صار شبحًا شيخًا وخيالًا ميؤوسًا وقرارًا يحركه الآخرون.
على مستوى صنعاء وبقية المحافظات، لم يعد لهذا الحزب أي تأثير يُذكر. هذه حقيقة. لقد أصبح كيانًا وهميًا لمسميات غير موجودة، فقط من أجل الحفاظ على السيطرة المأمونة للحزب الكبير. حزب بلا أثر سياسي، بلا مناصب، بلا رثاء، بلا قيادات. ومن بقي منهم يتحدث عن دور المؤتمر الشعبي العام فهو أسير من الماضي ومنفصل عن الواقع. حزب المؤتمر الشعبي العام لم يعد حزبًا؛ لقد تغلغلوا فيه وسيطروا عليه، وأبطلوا مفعوله، وحولوه إلى شماعة متكررة لتبرير الفشل الراكب على ظهورهم. جعلوا منه اسمًا وهميًا وحزبًا يُتهم بكل شيء. هذا ما يحدث عندما ترتفع الأصوات المطالبة بمحاربة الفساد؛ يستجيب الحوثيون لها عبر تنحية المزيد من غير المنتمين لهم ضمن تنظيم العصبة الداخلية، أو ما يسمونهم بالمتحوثين المتمصلحين الراكبين على الحوثي، ويقصدون بهم القيادات المؤتمرية القديمة. وعليه تقوم سلطة الحوثي بتنحيتهم عن مؤسسات السلطة ووزاراتها كنوع من الإقصاء وتحجيم الصلاحيات بمبررات مكافحة الفساد، وهؤلاء بالضرورة ينتمون فيما مضى للمؤتمر الشعبي العام. من جانب آخر، أبقوا فضائية "اليمن اليوم" في صنعاء تعمل بشكل ركيك وبلا موارد تشغيلية، فقط ليبقى صوت الحزب موجودًا في نظر المواطنين. ثم استقطبوا قيادات الحزب المؤثرة وأدلجوهم وقدموهم كقيادات تمثل المؤتمر الشعبي العام أمام المواطنين، بينما الحقيقة لا تتجاوز كون الحزب الشعبي الكبير صار ماضيًا وخيالًا من زمن قديم، لم يعد له حضور أو تأثير، مجرد مسميات منزوعة القرار.
يحدث هذا كله في وقت ما تزال فيه فكرة المؤتمر الشعبي العام راسخة في عقول المواطنين وأعدادهم المليونية، كحزب جامع لليمنيين بشتى توجهاتهم وأفكارهم. لكنه لم يعد موجودًا، وإذا حدث فبذات الآلية المرجوة. هذا بالفعل من واقع المجتمع وتفاعلاته اليومية، خصوصًا مع تجارب عميقة ومتقدمة جدًا خاضها المواطنون طيلة سنوات الصراع والتعقيد. فاليمنيون جميعًا، بكل أجزاء الوطن المترامية، في أزهى مراحل الوعي والمعرفة والدراية الناتجة عن التجربة والمعاناة والخبرة المتراكمة والمتلاحقة. يدركون جيدًا أن هذا الحزب كان الأنسب والأقدر للحكم، حتى من عمق المؤدلجين والمنتمين للتنظيمات الدينية على أساس الحق وضرورة الحكم بناءً على الدين والتدين.