خاص | النقار
لا شيء على ما يرام أبداً، يا معالي الوزير الجديد. فالمعلم في أتعس حال، والمدارس الحكومية مهجورة إلا من الرياح التي تصفع أبوابها، ومن الألواح الشمسية المستأجرة على الأسطح لصالح الريح.
هل تعرف معنى أن يكون المعلم في أتعس حال وأن تكون المدارس الحكومية مهجورة؟ لا شك أنك على اطلاع بما آلت إليه العملية التعليمية برمتها ووضع المعلم بشكل خاص، ولا داعي لأن تطلب تقارير أو تبحث عن دراسات ميدانية.
لن يطالبك أحد بلبس الكرافتة أو البنطلون، ولا بنزع النظارة عن عينيك، ولا بأن تتخلى عن لقبك ولهجتك الصعدية. فقط ضع نفسك مكان معلم مهجور في مدرسة مهجورة، معلم بلا راتب ولا حقوق، وقد استوى عنده الصباح والمساء والضياء والظلام.
كل ما ينتظره منك ذلك المعلم البائس هو أن تدافع عنه وتقف إلى صفه. فهل سيجدك هكذا؟ أم أنك أيضاً ستعتبره عدواً وعميلاً حين يطالبك بمرتبه؟
دعهم ينظرون إليك على أنك المنقذ بعد كل الخراب الذي حدث بفعل سياسة الوزير السابق. انظر إلى نفسك الآن، كيف سيكون الأمر حين ترحل مثلما رحل سلفك. هل سترضى لنفسك أن يقال عنك ما يقال عنه بعد أن رحل؟ وهل ستكون مكانتك حينها قد شفعت لك، وأنت تراها لم تشفع حتى له؟ لقد أصبح القريبون قبل البعيدين يقولون: “ها قد ذهب أحد المفسدين غير مأسوف عليه بالرغم من ومن ومن.”
هل ترضى لنفسك أن يقال لك “معالي الوزير” وثمة معلمون يتضورون جوعاً ولا يجدون أجرة الباص الذي يقلهم إلى المدرسة؟ وتسمح لنفسك أن تظهر كمهرج بثوب وزير في هذا المهرجان أو تلك الفعالية التعليمية، لتسرد مجموعة أحاديث تحث على العلم والتعليم وأنت تعرف حال الواقع والمقال؟
سيكون من المعيب أن ترضى بما يحدث من امتهان صارخ للعملية التعليمية، وبالوضع المزري والمخجل الذي ستلمسه في كل شيء. وستكون أمام اختبار حقيقي لموقعك ومسؤوليتك واحترامك لنفسك حين تأتيك توجيهات بالتحشيد لمدارس صيفية تقيمها جماعتك بصفتها الخاصة، وتريد منك أن تتصدرها بصفتك وزيراً للتربية والتعليم يمثل كل اليمنيين. هل ستقبل بذلك حينها؟
ستجد المدارس الخاصة قد انتشرت كالوباء، بحيث لا يكاد يخلو زقاق أو حارة من مبنى مكتوب عليه “مدرسة بسبعة نجوم”. وقد تعتقد أن ذلك أمر جيد، وفق ما سيرسمه لك الزبانية الكرام عند كل منعطف من منعطفات السمسرة. كلا، ليس كذلك على الإطلاق، بل هو دليل على احتضار العملية التعليمية وتحولها إلى تجارة رخيصة تقدم الوهم وتبيع الجهل. فما أسهل أن تحصل على ترخيص لمدرسة، حتى لو لم يكن لديك أدنى علاقة بالتعليم، بل حتى لو كان المبنى عبارة عن ورشة لتغيير الزيوت أو شقة في عمارة. وأقل زيارة منك، خالية من الضجيج ومن خارج برنامج الزبانية الكرام الذين سيحيطون بك، ولتكن زيارة مواطن يريد تسجيل أبنائه، ستوضح لك بجلاء كم هو الامتهان الذي تمارسه تلك المسماة مدارس خاصة بحق العلم والتعليم. وستشعر حينها بالخجل التام كأقل ما يمكن أن يحدث لمسؤول يحترم نفسه ويحترم منصبه.
وطالما قد أُوكل إليك أيضاً أمر التعليم العالي والتعليم المهني، باعتبار أن الوزارات التعليمية الثلاث قد دُمجت في وزارة واحدة، فإن وضع الجامعات والمعاهد المهنية ليس بأحسن حال. ستجد جامعة صنعاء، على سبيل المثال، قد تحولت إلى سوق للفشل الممول. وستجد أكاديمييها في حال بائس لا يحسدون عليه، بل ويدعو للرثاء. ولتتخيل فقط دكتوراً جامعياً قد أصبح بائع قات، وآخر جرسوناً في مطعم، وآخر يحصل على مبلغ 36 ألف ريال كمستحقات ثمانية أشهر كاملة من التدريس والمحاضرات.
كل هذا غيض من فيض، كما يقال، وإلا فالامتهان الذي وصل إليه التعليم والمؤسسات التعليمية أكبر من أن يستوعبه ذو ضمير.