ظهور سلالة فرعية جديدة لوباء جدري القرود كان السبب الرئيسي الذي استدعى من منظمة الصحة إعلان حالة طوارئ عالمية، لم يحسم بعد ما إذا كانت هذه السلالة قائمة بذاتها وتمثل التحور الثالث للمرض، ولكن المؤكد وفق الأخصائي في علم الأوبئة والباحث بجامعة "كينغز كوليدج" عبد الكريم إقزيز هو أن النسخة الجديدة أكثر فتكاً من سابقاتها.
وأعلنت منظمة الصحة قبل أيام جدري القرود "حالة طوارئ صحية عالمية" لثاني مرة خلال عامين، وذلك عقب تفشي الوباء الفيروسي من الكونغو إلى دول مجاورة. وفي حديث مع "اندبندنت عربية" يقول إقزيز إن هذا الوباء لا يتحور بكثرة وبسرعة على غرار كورونا والإنفلونزا، لذلك منذ اكتشافه قبل نحو سبعة عقود لم يتمثل إلا بسلالتين فقط، الأولى تسمى غرب أفريقيا (بي آر سي) وهي الأخف وطأة حيث لا تتجاوز الوفيات فيها نسبة 1 في المئة من إجمالي الإصابات، أما الثانية أو وسط أفريقيا (دي آر سي) فهي أقسى وقد وصلت وفياتها إلى 10 في المئة، وعلى رغم ذلك تبقى أبسط بكثير من أوبئة مثل "إيبولا" الذي يقتل 70 إلى 80 في المئة من الأشخاص الذين يصابون به وفق التقديرات الرسمية.
بالنسبة للسلالة الفرعية الجديدة التي اكتشفت حديثاً ويمكن أن تكون قائمة بحد ذاتها وليست فقط متطورة عن "وسط أفريقيا"، حيث يعتقد أنها أكثر انتشاراً وأكثر فتكاً، حيث أن بيانات عام 2024 تشير إلى أكثر من 560 حالة وفاة بهذه السلالة من جدري القرود، وهو رقم كبير جداً وربما يتجاوز مجموع عدد ضحايا "جدري القرود" منذ ظهوره.
وفق أخصائي علوم الأوبئة تحتاج السلالة الفرعية إلى مزيد من الدراسات، ولكن في جميع الحالات التحور الأقل يعني انتشاراً محدوداً للوباء، وبالتالي القدرة على احتوائه عندما تستدعي الحاجة. والجيد بشأن "جدري القرود" أو "الجدري أم" كما بات يسمى رسمياً هو توافر لقاحين له، وكلاهما يمتاز بفعالية كبيرة في تثبيط المرض ومنع تداعياته الكبيرة.
ويلفت إقزيز إلى أن الأطباء لم يتيقنوا حتى الآن من جدوى اللقاحين المتوافرين في التعامل مع السلالة الفرعية للجدري، ولكن المؤكد أنهما يؤمنان حماية من الأعراض الكبيرة التي قد تودي بحياة الفرد، وبخاصة بالنسبة لهؤلاء الذين يعانون من أمراض أخرى.
ويسمى المرض "جدري القرود" لأنه اكتشف أول مرة في مختبرات أبحاث على القردة عام 1958 ثم تبين انتقاله إلى البشر في 1970، يصيب معظم الفئات العمرية ولكن معظم الناس يتعافون منه في غضون أسابيع قليلة، ولكن البعض قد تتسبب لهم أعراضه بمضاعفات طبية وربما الوفاة إذا كان جهازهم المناعي ضعيفاً أو لديهم مشكلات صحية أخرى.
المشكلة وفق الباحث في "كينغز كوليدج" أن اللقاحين لا يتوافران كفاية في الدول الأفريقية التي ينتشر فيها الوباء اليوم. ولذلك قامت منظمة الصحة العالمية أخيراً بإعلان حالة الطوارئ الصحية من أجل دفع الدول الغنية لمساعدة الفقيرة في توفير اللقاحات من جهة، وتقديم الدعم اللازم للمستشفيات هناك من أجل تنفيذ إجراءات عزل المرضى ومعالجتهم.
يشدد إقزيز على أن "الجدري أم" يمكن أن ينتقل عبر الهواء ولكن الإصابة به تتطلب استنشاق كمية كبيرة من الفيروسات الصادرة مع أنفاس المريض، وكذلك فإن الوباء قد ينتشر عبر ملامسة الحويصلات أو الطفح الجلدي لدى المصابين، وكذلك يمكن أن تقع العدوى عبر تبادل اللعاب وبالاتصال الجنسي خاصة، وأن أولى حالات الجدري سجلت بين ذكور يمارسون الجنس في ما بينهم، إضافة إلى إمكانية انتقال المرض من الحيوانات إلى البشر عبر اللمس.
بحسب إقزيز لم يكن الجدري بعيداً يوماً عن الولايات المتحدة وأوروبا، فأول إصابة ظهرت له في أميركا كانت عام 2003، وأيضاً ظهرت حالات في القارة العجوز خلال عامي 2017 و 2018 ثم في 2022، واليوم سجلت أول عدوى في السويد لكنها تنتمي إلى السلالة الأولى كما أعلنت السلطات المختصة هناك، وبالتالي لا يزال الأمر قيد الاحتواء.
السلطات الأميركية قالت إن خطر "الجدري أم" "منخفض للغاية" مع عدم وجود إصابات بالمتحور الجديد، لكن سجلت 1399 حالة بالسلالات الأخرى منذ بداية العام. وقال متحدث رسمي إنه إضافة إلى الدعم الصحي المستمر، قدمت الولايات المتحدة في الأشهر القليلة الماضية 17 مليون دولار إضافية لدعم جهود التأهب للمرض في الخارج.
في القارة العجوز، رفع المركز الأوروبي للوقاية من الأمراض ومكافحتها أمس درجة التأهب من جدري القرود، وذكرت مديرة هيئة الصحة العامة في الاتحاد الأوروبي أن التكتل سيشهد مزيداً من الإصابات الوافدة بالسلالة الجديدة من المرض خلال الأسابيع المقبلة، إلا أن خطر استمرار انتقال العدوى يظل منخفضاً.
وفيما يخص المملكة المتحدة قالت وكالة الأمن الصحي فيها إن خطره على السكان منخفض حالياً، ومع ذلك يجري التحضير لأي حالات قد تكتشف عبر توفير اختبارات سريعة، والتأكد من أن الأطباء قادرون على التعرف إلى الحالات فوراً. كذلك يتم تطوير بروتوكولات للرعاية السريرية الآمنة للمصابين بالعدوى والوقاية من انتقال المرض.