خاص | النقار
يمكن تعريف الفضيحة بأنها تلك التي تحدث مرة واحدة ثم تتوارى خجلًا وأملًا في ألا تتكرر. لكن ثمة فضائح لا ينطبق عليها هذا التعريف، بل ولا تعترف به أصلاً. فعلى سبيل المثال، يمكن للعليمي أن يتحدث علنًا وبشكل مباشر عن تخصيص نصف مليون دولار لتوزيع وجبات فاصوليا على الفقراء والمعدمين الذين هم شعبه العزيز.
كان الحديث في لقاء حصري مع قناة حضرموت، حيث احتشد مذيعان وسكبا على رأسيهما دهنًا غزيرًا لامعًا، فاللقاء مع رئيس جمهورية وليس مع شخص عادي. إذ من المفترض أن يطلع الشعب على قضايا مصيرية بالغة الأهمية. لكن لا بأس من التطرق إلى نماذج من اهتمامه بمعاناة الناس. حيث وجه العليمي كلامه إلى أحد الصحفيين قائلاً: “شوف، أنا أعطيك شيء عملي لكي ننقل لك وللمشاهدين اهتمامنا بمعاناة الناس. نحن عندما وصلنا إلى عدن كمجلس قيادة وجلسنا في الفترة الأولى، ربما لمدة ثلاثة أشهر، جاءني خبر من عدن بأن هناك جمعية خيرية تقدم خمسين ألف وجبة للفقراء والمعدمين، وهي عبارة عن روتي وفاصوليا. استدعيت الجمعية وقلت لهم كم تقدمون الآن؟ قالوا 50 ألف وجبة. قلت لهم كم تحتاجون من الحكومة ومن المجلس لكي ترفعوها إلى مئة ألف؟ قالوا: نحتاج إلى مليار ريال. وجهنا أنا وإخواني أعضاء المجلس باعتماد المليار لزيادة هذه الوجبات الخيرية إلى مئة ألف وجبة توزع في عدن. وقلت لهم: أرجوكم أن تتوسعوا في المحافظات، ونحن سندعمكم وسنبحث عن جمعيات، ومنها مركز الملك سلمان بدرجة رئيسية، والجمعيات الخيرية في الإمارات والكويت وفي العديد من الدول. نحن ندعم هذه المشاريع… الوضع صعب”.
الوضع صعب إذن، إلى درجة أن العليمي منذ الأشهر الأولى من تعيينه رئيس مجلس القيادة لم يألُ جهدًا في الاهتمام بمعاناة الناس، وأصبح على استعداد تام للتعاقد مع جمعيات خيرية من دول عديدة لتكثير وجبة الروتي والفاصوليا، وجعلها تشمل محافظات أخرى غير عدن.
أما الجمعية الخيرية التي سمع عنها العليمي بعد ثلاثة أشهر من وصوله إلى عدن، واستدعاها إلى مكتبه لزيادة توزيع الوجبات من خمسين ألفًا إلى مئة ألف، فهي نفسها الجمعية التابعة لفاطمة رشاد محمد علي. هنا يمكن للمواطن أن يتخيل مدى “تواطؤ” الصدفة في أن يلتقي الأب وابنته ليشكلا ثنائيًا استثنائيًا في الاهتمام بمعاناة الناس، ويعملان بكل جد واجتهاد على إيصال وجبات الروتي والفاصوليا إلى أكبر عدد من المواطنين من خلال مؤسسة كبرى تُدعى “نعمة للأعمال الإنسانية”.
تبقى هنا مسألة الرقابة على المجلس الرئاسي ورئيسه، الذي أصبح جهة مانحة لمنظمات “العائلة”. فرقم بهذا الحجم، أي مليار ريال مقابل وجبات فاصوليا، هو أمر مستفز للفقراء أنفسهم، ويحتاج إلى تحقيق شفاف يكشف التفاصيل الحقيقية لما وراء هذه الصفقات، ويضع الأمور في نصابها الصحيح أمام الرأي العام.