في خطوة أثارت ردودا واسعة بالمشهد السياسي التونسي، أقدم الرئيس التونسي قيس سعيد، الأربعاء، على إقالة رئيس حكومته أحمد الحشاني، وذلك قبل أسابيع قليلة من الانتخابات الرئاسية المرتقبة، وفي ظل ظروف سياسية واقتصادية دقيقة تمرّ منها البلاد.
وتباينت قراءات محللين تونسيين بشأن خلفيات وتوقيت هذا القرار، بين من يرى أن الخطوة ترتبط بشكل وثيق بالسياق الانتخابي، ومن يذهب إلى اعتبارها محاولة من الرئيس لتحميل الحشاني مسؤولية إخفاقات المرحلة السابقة، ورأي آخر يشدد على أهمية القرار "من أجل الإصلاح".
خلفيات القرار
وأقال الرئيس التونسي، الأربعاء، رئيس الحكومة، الحشاني وعين مكانه وزير الشؤون الاجتماعية، كمال المدوري.
وعُيّن الحشاني رئيسا للحكومة التونسية، مطلع أغسطس من العام الماضي، بعد إنهاء مهام رئيسة الحكومة السابقة، نجلاء بودن، ليرأس ثاني حكومة بعد فرض سعيد، إجراءات استثنائية، في 25 يوليو 2021.
وتأتي إقالة رئيس الحكومة مع استعداد البلاد لانتخابات رئاسية تثير جدلا واسعا، مع إعلان سعيد ترشحه لولاية جديدة، وسط انتقادات واسعة النطاق من المعارضة وجماعات حقوق الإنسان والمرشحين الآخرين الذين يشكون من مضايقات يقولون إنها تهدف لتمهيد الطريق أمام الرئيس للفوز بعهدة ثانية.
الأستاذ الجامعي التونسي، عدنان الإمام، يرى أن فهم أسباب الإقالة "يستدعي العودة لأسباب التعيين والسياق الراهن"، موضحا إلى أن رئيس الحكومة المقال "كان صديقا مقربا للرئيس الذي اختار تعيينه لأنه لم يكن لينافسه في الانتخابات الرئاسية المرتقبة، أولا بحكم هذه الصداقة وثانيا لأن والدة الحشاني فرنسية، وهذا مانع انتخابي أمامه".
ويضيف الإمام في تصريح لموقع "الحرة"، أن "الجميع يعلم أن الحشاني لم يملأ مكانه ولم يقم بأي شيء يذكر خلال فترة توليه منصبه"، بالتالي لم يكن من المفاجئ إقالته مباشرة بعد إغلاق باب الترشح للانتخابات الرئاسية وكأنّ سعيد أراد أن يعيّن رئيسا للحكومة "لا يمكن أن يغدر به في علاقة مع الانتخابات".
وأغلق باب الترشحات في الانتخابات التونسية الرئاسية، مساء اليوم الثلاثاء، حيث وصل عدد المترشحين الذين أودعوا ملفاتهم إلى 17، بحسب ما أكدت عضوة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، نجلاء العبروقي، في حديثها مع الإذاعة الوطنية.
ويشير المتحدث ذاته، أن "سعيّد عانى من التنكر والغدر من أشخاص وضعهم في مناصب هامة"، وأصبح ذلك يمثّل له "هاجسا"، لذلك انتظر إغلاق باب الترشح من أجل إقالة الحشاني وتعيين شخصية أخرى، لن يكون بإمكانها منافسته في الانتخابات.
"تحميل مسؤولية"
وتعرض الحشاني لانتقادات شديدة بسبب الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي لا ينفك يتدهور، وتأتي إقالته وسط استياء شعبي من أزمة الانقطاعات المتكررة للمياه والكهرباء في العديد من مناطق البلاد.
في هذا الجانب، يشدّد أستاذ القانون الدستوري، الصغير الزكراوي، على أن "إقالة الحشاني لم تكن مفاجئة"، مشيرا إلى أنها "تأتي بعد سنة من تعيينه، وبعد حصيلة هزيلة".
وقبل ساعات قليلة من إقالته، قال الحشاني في رسالة بالفيديو إن الحكومة أحرزت تقدما في عدد من القضايا على الرغم من التحديات العالمية، بما في ذلك تأمين احتياجات البلاد من الغذاء والطاقة.
ويقول الزكراوي في تصريح لموقع "الحرة"، إن رئيس الجمهورية بقراره الأخير "يريد أن يحمّل مسؤولية الإخفاقات التي عرفها طيلة هذه السنة، التي لم تسجّل منجزا يستحق الذكر والتباهي به، خاصة وهو مقبل على الانتخابات الرئاسية".
وسعيد الذي انتخب ديمقراطيا في أكتوبر 2019 احتكر قبل ثلاث سنوات كامل الصلاحيات، إذ أقال رئيس وزرائه في ذلك الوقت، وعلق عمل البرلمان الذي حل لاحقا.
وبعد إقرار دستور جديد عزز فيه من صلاحياته، وانتخاب برلمان جديد بسلطات محدودة للغاية، أعلن سعيد مؤخرا أنه يسعى لولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في 6 أكتوبر المقبل.
في هذا الجانب، يقول الجامعي التونسي، إن "صلاحيات رئيس الحكومة معدومة ويبقى المنصب بمثابة مجرد مساعد ومنسق لرئيس الجمهورية، إذ لا سلطات تقريرية ولا تنفيذية بين يديه، في ظل استئثار الرئيس بالسلطة".
"خطوة ضرورية"
وتعاني تونس من ارتفاع معدلات التضخم منذ عامين مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية في بعض الأحيان ثلاثة أضعاف، مما أدى إلى تراجع أوضاع الطبقات العاملة والطبقة الوسطى.
وتواجه البلاد المثقلة بالديون التي تمثل أكثر من 80 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي تباطؤا في النمو، يتوقع أن يكون ما دون 2 بالمئة هذا العا، وارتفاعا في معدلات البطالة ناهز 16 بالمئة.
المحلل السياسي التونسي، نزار الجليدي، يقول إن "ضرورة المرحلة عجّلت بإقالة الحشاني"، مشيرا إلى "الوضعية الاجتماعية والاقتصادية الدقيقة التي تمر منها البلاد".
ويتابع الجليدي في تصريح لموقع "الحرة"، أن التغيير جاء في "وقت حساس ودقيق جدا، خاصة مع فتح ملفات ثقيلة تستدعي رجالات الدولة المناسبين".
ويقول إن التغيير الذي يأتي في زمن الانتخابات لكنه "جد مدروس ويأتي قبل بداية السنة السياسية الجديدة وحصول الرئيس قيس سعيد على عهدة جديدة".
وبينما يؤكد المتحدث أن "الاختلاف قد يكون مطروحا بشأن توقيت القرار"، يوضح أن "الوضع التونسي يحتاج دماء جديدة وإلى تعيينات من حجم كبير لإدارة الشأن اليومي ورجل مطلع جدا وخاصة رجل كان في صلب الملفات الاجتماعية الحارقة".
ورفض الرئيس سعيّد العام الفائت اتفاقا مبدئيا أبرم مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد بقيمة ملياري دولار، معتبرا الإصلاحات التي يوصي بها الصندوق من إعادة هيكلة الشركات الحكومية والرفع التدريجي للدعم على بعض المنتجات الأساسية "إملاءات".
في هذا الجانب، يضيف الجليدي، أن "ملفات التفاوض مع الجهات الدولية المانحة تستوجب رجلا لها دراية في التعامل مع الخارج، وهو ما افتقده الحشاني طيلة فترة ترأسه للحكومة".
رئيس الحكومة الجديد
و المدوري البالغ من العمر 50 سنة، تولى قبل تعيينه وزيرا للشؤون الاجتماعية في مايو الماضي، رئاسة للصندوق الوطني للتأمين على المرض وقبلها الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية.
وحصل على شهادة الدكتوراه مرحلة ثالثة في قانون المجموعة الأوروبية والعلاقات المغاربية الأوروبية وعلى شهادة الأستاذية في العلوم القانونية من كلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس 2.
وهو حاصل على شهادة ختم الدراسات بالمرحلة العليا بالمدرسة الوطنية للإدارة، خريج معهد الدفاع الوطني سنة 2015 ومفاوض دولي، بحسب موقع "بوابة تونس".
وتولى عضوية المجلس الوطني للحوار الاجتماعي، ونائب رئيس اللجنة الفرعية للحماية الاجتماعية بنفس المجلس، إضافة إلى عضويته في مجالس إدارات عدة مؤسسات وطنية على غرار المؤسسة العمومية للصحة (شارل نيكول) والهيئة العامة للتأمين ومجالس إدارات الصناديق الاجتماعية الثلاثة.
كما زاول المدوري التدريس بالمدرسة الوطنية للإدارة والتكوين بالمدرسة العليا لقوات الأمن الداخلي، متحصل على وسام الشغل الفضي المذهب لسنة 2018.
عن اختياره لرئاسة الحكومة، يقول الجامعي عدنان الإمام، إن "المدوري شخصية محترمة، وله إنجازات في المناصب التي تولاها سابقا".
ويضيف أنه "يُعرف عن رئيس الحكومة الجديد أنه جدّي وله رصيد إيجابي ويتفاعل مع الطبقات الهشة ومشاكلها"، وبالتالي "يستحق هذا المنصب وسنتابع مردوده"، معربا عن تفاؤله "بأن يأتي بالجديد ويعطي صورة أخرى لمنصب رئاسة الحكومة غير التي أعطاها سلفيه".
من جهته، يرى المحلل السياسي نزار الجليدي، أن الاختيار جاء على "رجل من صلب الإدارة التونسية وقلب الملفات، وذلك من أجل إرساء مفهوم الدولة الاجتماعية الوطنية التي فقدتها تونس لسنوات طويلة".
لكن في المقابل، يقول الزكراوي، إن "المشكلة في منظومة الحكم وليس في الأشخاص"، لافتا إلى أنه "قد نضع شخصا كفؤا في هذا المنصب لكن لا يمكن أن يقدم شيئا بسبب صلاحياته المقيّدة، لأن المنصب صوري وتابع لتنفيذ سياسات الرئيس".
ويضيف المتحدث ذاته، إنه "في ظل نظام الحكم الفردي والنظام الشعبوي المكتمل المعالم، لا يمكن أن ننتظر أي شيء من أي رئيس حكومة، مهما بلغ من الكفاءة".