في تحليل لصحيفة هآرتس لتبعات مقتل مسؤول المكتب السياسي لحماس، إسماعيل هنية، الأسبوع الجاري، ترى أن العملية تؤكد أن مشكلة احتجاز الرهائن الإسرائيليين ليست على رأس أجندة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو.
وأوضحت أنه رغم خطر التصعيد، فإن مقتل رئيس المكتب السياسي لحماس قد أدى إلى تحسين موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي، وقد يستخدم ذلك لإقالة وزير الدفاع غالانت، الذي يدعم صفقة تتضمن وقف إطلاق النار وإعادة الرهائن.
وذكرت الصحيفة أن الأسبوع الجاري شهد مقتل عدة عناصر معادية لإسرائيل، منهم القائد العسكري في حزب الله فؤاد شكر، وزعيم حماس إسماعيل هنية، كما تم التأكيد على أن رئيس الجناح العسكري لحماس، محمد الضيف، قد قُتل بالفعل، الشهر الماضي، في خان يونس.
وأشارت إلى أن مقتل هؤلاء سيتسبب في اضطرابات إقليمية جديدة، خاصة أنه تمت رؤية مقتل ثلاثة من قادة حماس وحزب الله في جميع أنحاء الشرق الأوسط باعتباره إنجازًا إسرائيليًا.
ووفقا للصحيفة، تستعد إسرائيل الآن لمنع وامتصاص إلى حد ما الهجمات الانتقامية من إيران وحزب الله وحماس و"الحوثيين" في اليمن. ولذلك فإن فرص إتمام صفقة الرهائن أصبحت الآن قريبة من الصفر في ضوء التغيرات التي طرأت على النظام الإقليمي.
وذكرت أن التهديدات بالانتقام التي خرجت من طهران وبيروت تسببت في تأهب وحدات الجيش الإسرائيلي المعنية. وأصدرت الوحدات القتالية، الأربعاء، أوامر بإلغاء إجازات الجنود، استعدادًا للشكل الذي ستختاره إيران للانتقام بالتنسيق مع وكلائها. وقد يشمل ذلك عدة موجات من الهجمات على مدى عدة أيام، ومن المتوقع أن إسرائيل سترد بعد ذلك.
وتطرقت الصحيفة للإشارة إلى الأماكن المتوقع استهدافها في إسرائيل، وأوضحت أنه نظرًا لأن "محور المقاومة" يسعى إلى الانتقام للهجمات المستهدفة على قادته بدلاً من الهجوم الجماعي على المدنيين، فمن المعتقد أنهم سيستهدفون منشآت عسكرية أو استراتيجية. وتقع هذه المنشآت في وسط وشمال البلاد، ويمكن اعتبار اختيار الأهداف في المناطق الحضرية في حيفا أو تل أبيب بمثابة رد مناسب.
وأوضحت "هآرتس" أن مقتل شكر وهنية، المنسوب إلى إسرائيل من قبل إيران، في غضون سبع ساعات فقط، أثارا جدلا وعاصفة من الغضب إلى حد ما. وأحد هذه الأسباب يتعلق بما إذا كان قتل هنية المنسوب إلى إسرائيل في طهران مبرراً. أما السبب الثاني فقد أعاد إحياء المناقشة الدائرة حول صفقة الرهائن بقوة أكبر من أي وقت مضى.
وذكرت أنه لم يعترض أحد تقريباً على اغتيال شكر، إذ أدرك حزب الله أنه انتهك القواعد غير المكتوبة للعبة عندما قتل صاروخه اثني عشر طفلاً ومراهقاً في قرية مجدل شمس الدرزية. كما وجد الحزب نفسه في موقف محرج في مواجهة الطائفة الدرزية في لبنان (وبالتالي كذب بنفي مسؤوليته عن الهجوم).
ولذلك ترى الصحيفة أنه لا يبدو أن الهجوم الإسرائيلي المدروس على رئيس أركان الحزب، وهو هدف عسكري واضح، من النوع الذي قد يتحول إلى حرب.
لكن بعد ذلك جاء اغتيال هنية المنسوب إلى إسرائيل، والذي وقع على الأراضي الإيرانية، وتم تنفيذه بطريقة أدت إلى تفاقم التوترات مع حماس في الوقت الذي كانت مفاوضات الرهائن جارية، بحسب الصحيفة.
ومشكلة مقتل هنية، بحسب الصحيفة، أنها كانت بمثابة طعنة في عين النظام الإيراني، الذي كان يستضيفه لحضور مراسم أداء اليمين للرئيس الجديد للبلاد، مسعود بزشكيان. وهذا يضع الإيرانيين في مركز المداولات بشأن الرد. وليس من المستغرب أن يحرص المرشد الأعلى، علي خامنئي، على تسريب أمره بتوجيه ضربة مباشرة من إيران إلى الأراضي الإسرائيلية.
ومع ذلك، أكد المتحدثون باسم المجموعات المختلفة التي تنتمي إلى "محور المقاومة" في الأيام الأخيرة أنهم لا يرغبون في حرب شاملة.
وفيما يتعلق بصفقة الرهائن، من الواضح، بحسب الصحيفة، أن نتانياهو لديه أجندته الخاصة، وإعادة الرهائن إلى إسرائيل ليست على رأس هذه الأجندة.
وترى أن رئيس الوزراء مهتم بمواصلة الحرب في غزة دون أي تغيير في تخصيص القوات العاملة هناك ضد حماس ودون سحب القوات من نتساريم أو فيلادلفيا، الممرين في الجيب الذي تحتله الآن القوات الإسرائيلية.
وأوضحت أن الصراع مع حزب الله في الشمال يشكل الآن أولوية ثانوية بالنسبة لنتانياهو الذي لا يريد أن تتورط إسرائيل في حرب إقليمية، وبالتالي فهو لا يريد أن يتصاعد القتال مع حزب الله. ومن وجهة نظره، فإن الوضع على الحدود الشمالية لإسرائيل يمكن أن يظل ثابتاً لفترة طويلة رغم الخسائر المتراكمة وعشرات الآلاف من المدنيين النازحين.
والمشكلة، من وجهة نظر الصحيفة، هي أن نتانياهو لا ينقل سوى جزء من هذا إلى الشعب الإسرائيلي. ويتجنب رئيس الوزراء الظهور في الأماكن العامة، ولا يفعل ذلك إلا في أعقاب نجاح عسكري، أما الفشل والعثرات هي أمور يتعين على الجيش الإسرائيلي تفسيرها.
وأوضحت أنه حتى لم يعد أتباعه يكلفون أنفسهم عناء الدفاع عنه ضد أولئك الذين ينتقدونه بسبب ذلك. وبالنسبة لهم، هذا هو الواقع.
وفي تصريحاته، لا يتحدث رئيس الوزراء بوضوح كاف، ففي الأسبوع الماضي في واشنطن، ألمح إلى عائلات الرهائن إلى وجود تقدم في المحادثات بشأن صفقة لإطلاق سراح ذويهم. وفي الوقت نفسه، وبدون أن يرمش له جفن، شدد مطالبه في المفاوضات بطريقة من شأنها أن تضر بإسرائيل، حسب هآرتس.
ويحصل الجيش على نفس المعاملة من نتانياهو، بحسب الصحيفة، التي أوضحت أن كبار الضباط يشعرون بشكل متزايد بأنهم صبية مهمات لا يشكل رأيهم أهمية بالنسبة له.
وبعد مقتل هنية، كان من المعتقد على نطاق واسع، بحسب الصحيفة، أن زعيم حماس في غزة، يحيى السنوار، سوف يؤجل المزيد من المفاوضات احتجاجا على مقتل رئيس المكتب السياسي وعلى أمل أن تثمر خطته الأصلية لتفجر الصراع الإقليمي أخيرا. ولذلك إذا كان الأمر كذلك، فإن السنوار ليس لديه أي مصلحة في إنقاذ إسرائيل من المتاعب.
لكن الصحيفة أوضحت أن كبار القادة يتبنون وجهة نظر معاكسة ويزعمون أن حماس في أدنى مستوياتها في أعقاب الاغتيالات. والآن بعد أن تم القضاء على معظم زملائه ومنافسيه في قمة الحركة، فإن السنوار هو الرجل الأخير الذي يقف في السلطة تقريبا.
وبالنسبة لإسرائيل، فإن الأهم هو التوصل إلى اتفاق قد يؤدي إلى استقرار الوضع إلى حد ما من خلال إعادة الرهائن وجثامين أولئك الذين لم ينجوا من الأسر تدريجيا، والسماح للبلاد والجيش بإعادة التأهيل. وقد يكون من الممكن حتى التوصل إلى ترتيب مؤقت على الأقل على الحدود اللبنانية أيضا، بحسب الصحيفة.
ويقول وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، هذه الأشياء علناً، كل يوم تقريبا. ويقول جميع رؤساء الأجهزة الأمنية نفس الأشياء في السر. لكن نتانياهو يخطط لإقالة غالانت واستبداله بجدعون ساعر. وقد أدت الأحداث الأخيرة إلى تحسين موقف رئيس الوزراء إلى حد ما في استطلاعات الرأي، لذلك قد ينفذ هذا القرار قريبا.
وذكرت الصحيفة أنه يوجد سؤال يحوم في الأجواء منذ فترة طويلة وهو متى ستحين اللحظة التي يعبر فيها كبار القادة، الذين يقفون إلى جانب غالانت، عن آرائهم بشأن السياسة وعملية صنع القرار. وأوضحت أن هذا ليس مجرد انقسام حول الاستراتيجية، بل نزاع حول القيم والتزامات الدولة تجاه المدنيين والجنود الذين تم أخذهم رهائن نتيجة لأخطر فشل عسكري وسياسي في تاريخ البلاد.