رشح تكتل "الجبهة الشعبية الجديدة" اليساري اسم لوسي كاستيه لمنصب رئاسة الوزراء في فرنسا بعد نقاشات وجدالات دامت نحو أسبوعين. وكان التكتل قد تصدر نتائج الانتخابات التشريعية دون الحصول على أغلبية مطلقة. وتلك الانتخابات أتت بعد حل الرئيس إيمانويل ماكرون للبرلمان نتيجة فوز اليمين المتطرف بالانتخابات الأوروبية في التاسع من يونيو/حزيران الماضي.
فصلت كاستيه الخميس خطواتها الأولى والإجراءات التي ستتخذها حال تعيينها في منصب رئيس الوزراء بعد أن طالبت الرئيس "بتحمل مسؤولياته" وتعيينها في قصر ماتينيون وذلك في مقابلة على قناة فرانس2 قالت فيها إنها "جاهزة" لذلك.
من هي لوسي كاستيه؟
الشابة تبلغ من العمر 37 عاما، درست في المدرسة الوطنية للإدارة، ومعهد العلوم السياسية في باريس. وهي موظفة كبيرة في الخدمة المدنية، وملتزمة بالعدالة الضريبية، ومكافحة التهرب الضريبي والبيئة. تعيش مع شريكها ولديها طفل يمارس العديد من الألعاب الرياضية بما في ذلك الجري وكرة القدم.
هي إحدى الشخصيات البارزة في مجموعة الوكلاء العموميين، ما يطلق عليه اسم "خدماتنا العامة"، وهي عبارة عن تجمع لموظفين ومتعاقدين وغيرهم، معني بتصور وتقييم وتنفيذ السياسات العمومية. وكانت كاستيه قد قدمت مطلع عام 2024 تقريرا استنكرت فيه اتساع الفجوة بين وسائل الخدمات العامة والاحتياجات.
حاليا، تشغل كاستيه منصب مديرة المالية والمشتريات في مدينة باريس، بعد أن كانت لمدة ثلاث سنوات مستشارة عمدة باريس آن هيدالغو، المسؤولة عن الميزانية والتمويل الأخضر.
أولوية إلغاء إصلاح نظام التقاعد
أدرجت كاستيه على وجه الخصوص بين أهم أولوياتها هدف "إلغاء إصلاح نظام التقاعد" الذي أقره إيمانويل ماكرون، وبذلك يحقق اليسار هدفا إضافيا من هذا الأمر وهو قطع الطريق أمام حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف الذي ينوي تقديم طلب مشابه إلى الجمعية الوطنية، البرلمان، في 31 أكتوبر/تشرين الأول.
ومن بين أولوياتها أيضا القيام "بإصلاح ضريبي كبير بحيث يدفع الجميع نصيبهم العادل" من الضرائب حسب مداخيلهم، و"تحسين القوة الشرائية"، فضلاً عن "إنهاء تراجع الخدمات العامة"، حسبما قالت لوكالة الأنباء الفرنسية. وشاركت في النضال من أجل الزواج للجميع، والمساواة بين الرجل والمرأة، وأيضا من أجل حياة أفضل عبر إعادة توزيع الموارد المالية العالمية.
وتعتزم لوسي كاستيه أيضًا زيادة الرواتب المنخفضة، و"معالجة الفقر الذي يعاني منه الفرنسيون، من خلال رفع الحد الأدنى الاجتماعي". وبالنسبة لهذا "التوجه العام" أيضا، فإنها لم تستبعد تمريره بمرسوم ولكن بعد "مشاورات مكثفة، خاصة مع النقابات". وأضافت أنها ضمانة "لتغيير طريقة الحكم" في مواجهة "وحشية" سنوات ماكرون.
كما لم تستبعد إمكانية استخدام المادة 49.3 من الدستور لفرض مشروع قانون دون تصويت. وأكدت أنه "فقط عندما يكون من الضروري وضع قانون تدعمه الغالبية العظمى من الشعب الفرنسي"، في حين أن نواب اليسار لا يمثلون سوى 193 نائبا، في حين تستلزم الأغلبية المطلقة 289 نائبا.
وتعهدت كاستيه بثقة بالتزاماتها تجاه اليسار، واستبعدت أي تحالف بين اليسار والمعسكر الرئاسي، بسبب "الخلافات العميقة" مع سياسة ماكرون، خاصة فيما يتعلق بالضرائب والخدمات العامة. في حين أنها لم تغلق الباب أمام إمكانية التصويت على نصوص معينة مع اليمين المتطرف، وهذه مسألة حساسة جدا بالنسبة لليسار، وقالت إنها تحرص على "مناقشة مشروع بمشروع" مع "تحالفات التصويت".
وكان نواب ماكرونيون قد أعربوا عن نيتهم فرض رقابة خصوصا على نواب حزب "فرنسا الأبية" الذين تم التشكيك بهم بشكل خاص لأنهم رفضوا تصنيف حماس كمنظمة "إرهابية". كما توعد حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بالتصويت لصالح توجيه اللوم للحكومة التي ستضم وزراء من "فرنسا الأبية".
وكانت كاستيه عضوا في الحزب الاشتراكي في الفترة ما بين 2008 و2011، لكنها تقول إنه لم يعد لديها أي انتماء حزبي. كما كانت قريبة من حركة "الحاجة إلى اليسار" التي قادها وزير المالية الاشتراكي السابق بيير موسكوفيتشي، وأصرت على القول لإذاعة فرانس إنتر: "لدي شخصية منفصلة، خارج العالم السياسي".
إشادات
بالنسبة لبرون هلفتر نوح، المؤسس المشارك لتجمع "خدماتنا العامة"، تتمكن كاستيه "من صياغة مواضيع معقدة إلى حد ما في بعض الأحيان بعبارات واضحة للغاية ويمكنها الحوار مع شخصيات من جميع الاتجاهات دون حدة أو عداوة".
ويقول جان لوك ميلنشون الزعيم في حزب "فرنسا الأبية" اليساري إن كاستيه "ليست من مناضلي الحركة الأبية" لكنها "تنتمي إلى عائلة اليسار الواسعة التي تعلن المقاطعة".
واعتبرتها مسؤولة حزب البيئة مارين تونديلييه "قوية وذات مصداقية"، بينما اعتبرها العضو في الحزب الاشتراكي فابيان روسيل "الأكثر كفاءة".
اتهامات من اليمين المتطرف
ترفض لوسي كاستيه اتهامات اليمين بسوء إدارة مدينة باريس، التي تدهورت ديونها، وتضاعفت في عشر سنوات.
ورأى نائب رئيس حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف سيباستيان تشينو في ترشيحها "مزحة سمجة". وقال ساخرا على منصة إكس "لقد دمرت باريس، وسيكون بإمكاني فعل ذلك في فرنسا، سيكون هذا شعارها".
لكن المسؤولة الكبيرة قالت إنها "فخورة بمشاركتها في تمويل مشاريع طويلة الأمد للغاية من شأنها تحسين حياة الباريسيين، خاصة فيما يتعلق بالبيئة"، مقدرة أن ديون باريس " لها إجراء غير متوافق مع ديون الدولة الفرنسية".
الهدنة الأولمبية "ليست في الدستور"
ودعا الرئيس الفرنسي المعسكرين السياسيين إلى "هدنة أولمبية"، مؤكدا أنه لا ينوي تعيين حكومة جديدة ناتجة عن "تجمع أوسع" قبل "منتصف شهر آب/أغسطس" المقبل على أقرب تقدير من أجل "العمل وتحقيق الاستقرار".
إلا أن زعماء اليسار ما زالوا يعارضون هذه الهدنة المفروضة، وسخرت مارين تونديلييه (البيئة) الخميس قائلة إن الهدنة الأولمبية "ليست في الدستور".
"هناك أولوية وهي أن تتوقف المجازر المستمرة في غزة"
وفيما يتعلق بحماس، ردت لوسي كاستيه الخميس بالإيجاب على سؤال حول الطابع "الإرهابي" للحركة الفلسطينية. وأضافت على الفور: "هناك أولوية وهي أن تتوقف المجازر المستمرة في غزة وأن يتم إطلاق سراح الرهائن".
ولدى سؤالها عن مشاركة الرياضيين الإسرائيليين في أولمبياد باريس، والجدل بشأن الترحيب بهم في فرنسا، اكتفت كاستيه بالتنهد قائلة "إنهم هنا"، مغلقة النقاش في الأمر.