فتح الهجوم الدموي الذي شهدته عُمان على مسجد للطائفة الشيعية أثناء إحياء مراسم عاشوراء الإمام الحسين، الباب أمام تساؤلات جادة بشأن دلالات هذه العملية والمخاوف من تهديد التنظيمات الإرهابية لدول الخليج.
وتطرح هذه الأسئلة استنادا على مستوى عالٍ من الأمن تعيشه دول مجلس التعاون الخليجي، قبل أول حادث من نوعه في عُمان، وهي دولة معروفة بالتسامح والتعايش المذهبي.
وكان تنظيم داعش أعلن مسؤوليته عن الهجوم على مسجد الإمام علي بمنطقة "الوادي الكبير" بالعاصمة مسقط، ليل الاثنين الثلاثاء، حين فتح مسلحون النار على معزين، مما أسفر عن وقوع 6 قتلى، و28 جريحا على الأقل بعد اشتباكات مع رجال الشرطة، استمرت حتى صباح الثلاثاء.
"غير عادي"
واعتبر أيمن التميمي، الباحث العراقي، الخبير في شؤون داعش بـ "منتدى الشرق الأوسط"، وهو مركز أبحاث أميركي، الهجوم بأنه "غير عادي".
وفي تصريحه لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، قال التميمي إنه لم يكن هناك أي "أدلة تذكر على وجود نشاط جهادي في البلاد (عمان) سابقا".
ويصف داعش المسلمين الشيعة بالمرتدين الذين "يجب مهاجمتهم في جميع أنحاء العالم حيثما أمكن ذلك"، حسبما أوضح التميمي.
وأفاد مسؤولون من باكستان والهند وعُمان بأن من بين قتلى الهجوم 4 باكستانيين ومواطنا هنديا وشرطيا عمانيا. وقالت الشرطة السلطانية إن 28 شخصا من جنسيات مختلفة أصيبوا، بينهم أفراد أمن.
وشكك الباحث العماني المتخصص في شؤون الأديان والمذاهب، بدر العبري، في إعلان داعش مسؤوليته، رغم نشر الجماعة ما قالت إنه مقطع فيديو للهجوم على تطبيق "تلغرام".
وقال العبري في تصريحات لموقع "الحرة" إنه "يصعب البناء على تكهنات من دون أدلة واضحة"، في ظل عدم وجود بيانات أو تصريحات رسمية تؤكد أو تنفي ذلك على حد تعبيره.
وأردف بقوله: "تبني تنظيم داعش مسؤوليته عن هذا العمل الإجرامي يبقى في دائرة الخبر، فقد يكون فعلا من تبنى الأمر، وقد يكون ركوبا منه للموجة لأجل إظهار ذاته، وقد يكون هناك عوامل أخرى تبنته باسمها، كل هذه يبقى حتى الآن في دائرة التكهن".
لكن الباحث السعودي في شؤون التيارات الشيعية، حسن المصطفى، يعتقد أن "خطر داعش لا يزال قائما"، في جيوب صغيرة، من أفغانستان إلى دول الساحل الأفريقي.
وقال في حديثه لموقع "الحرة" إن "داعش رغم الضربات الموجعة التي وجهت له في أكثر من دولة، فإنه ما زال ينشط خلف الكواليس، ويعمل على إعادة تنظيم قوته من خلال بعض الجيوب في المناطق المضطربة وغير المستقرة في أفغانستان وأفريقيا أو حتى بعض الجيوب الصغيرة في العراق وسوريا".
وأضاف أن "التنظيم مستمر في دعوته للفكر المتطرف وجذب المزيد من الاتباع من خلال استخدام التقنيات الحديثة".
وأشار المصطفى إلى أن اختيار داعش لمسقط يهدف "إلى إثارة فتنة مذهبية في الخليج، خصوصا أن عُمان تمثل نموذجا للتعايش السلمي بين المذاهب والأديان المختلفة المقيمة على أرضها".
كما أن موسم عاشوراء في دول الخليج هذا العام اتسم بالترتيب والتنظيم والعلاقات الإيجابية بين المواطنين الشيعة والأجهزة الأمنية المعنية بحفظ الأمن في هذه الدول، حسبما قال المصطفى.
"عُمان لم تعتد هذه الأجواء"
ويحيي المسلمون الشيعة يوم عاشوراء الذي يستذكرون فيه مقتل الإمام الحسين – حفيد النبي محمد - في معركة كربلاء عام 680 على أيدي جنود الخليفة الأموي، يزيد بن معاوية، بمواكب وشعائر تقام في بلدان عدة حول العالم.
ولطالما أعلن داعش مسؤوليته عن هجمات مماثلة على تجمعات للشيعة في بلدان مختلفة، بما في ذلك مساجد شيعية في السعودية والكويت عام 2015، أسفرت عن عشرات القتلى والجرحى.
وكان داعش سيطر على مساحات شاسعة من العراق وسوريا قبل أن يعلن عام 2014 قيام ما سماه "الخلافة" فيها. لكنه هُزم في العراق عام 2017 على يد القوات العراقية المدعومة من تحالف عسكري بقيادة الولايات المتحدة، وفي عام 2019 خسر آخر الأراضي التي كان يسيطر عليها في سوريا أمام قوات كردية مدعومة أيضا من واشنطن.
وقال العبري إن "دول الخليج - مثل غيرها من الدول - مهددة من الجماعات المتطرفة، أو من غيرها، ولا يوجد دولة آمنة كليا في ذلك"، مشددا على ضرورة "وجود وحدة أمنية بينها وبين دول الجوار".
واستطرد قائلا إن "الدول بطبيعتها تسعى للحفاظ على الأمن، لكن ذلك لا يعني أنها محصنة تماما أمام الاختراقات الإجرامية والإرهابية، فهذا شيء آخر، وله أسبابه الداخلية والخارجية".
وبينما استنكرت بقية دول مجلس التعاون هذا الاعتداء غير المسبوق في عُمان، وصفت باكستان الحادثة بـ"الهجوم الإرهابي"، وهو ما لم تقدم عليه مسقط وبقية العواصم الخليجية.
وأرجع العبري ذلك لأن "عُمان لم تعتد مثل هذه الأجواء التي اعتادت عليها باكستان"، مشيرا إلى أنها "حالة فريدة ونادرة في الجانب الديني والمذهبي".
واستشهد الباحث العماني بفتح المعابد والكنائس أبوابها – لغير المسلمين - في بلاده "بلا تفتيش"، لافتا إلى أن الجميع "يشعر بالاطمئنان" لدرجة أن المساجد في السلطنة مختلطة للسنة والإباضية وأن أجواء عاشوراء يشارك فيها أصحاب المذاهب الأخرى، وفق قوله.
وخلافا لبقية دول الخليج التي يحكمها السنة، تتبع عمان المذهب الإباضي في الإسلام، ولكن لديها عدد كبير من السكان السنة وأقلية شيعية صغيرة، ولكن مؤثرة، بحسب شبكة "سي إن إن" الإخبارية.
"محاربة الأفكار التكفيرية"
ويشكل المغتربون نحو 57 بالمئة من سكان البلاد البالغ عددهم 5 ملايين نسمة، كثير منهم هندوس أو مسيحيون.
وفي هذا السياق، قال الباحث السعودي، المصطفى، إن "هذه الضربة لن تؤثر على النسيج الاجتماعي العماني خصوصا أن الأنظمة العمانية تجرم الخطابات الطائفية وتمنع استخدام الدين أداة للصراعات التفكيرية".
ويذهب العبري في الاتجاه ذاته قائلا إن "التعايش في عُمان حالة أفقية مستقرة، لكن هذا لا يعني عدم وجود نشاز".
وأضاف أن "هناك في وسائل التّواصل وغيرها حالات من التّهييج الطائفي، والمجتمعات اليوم مفتوحة على بعضها، لهذا الحفاظ على الوضع الراهن يحتاج مزيد من اليقظة".
أما المصطفى، فقال من جهته، إن "دول الخليج متيقظة لما تقوم به داعش؛ إلا إن الخطر الأكبر يكمن في الأفكار التي تغذي هذا التنظيم الإرهابي".
وشدد على ضرورة "محاربة الأفكار التكفيرية والمتشددة"، بالإضافة إلى الاتجاه إلى "الخطاب التنويري"، بحسب المصطفى، الذي أشار إلى أهمية "ترسيخ مبدأ المواطنة وسيادة القانون وتحفيز الأفكار الليبرالية والعلمانية التي تجعل الدين متاحا للجميع دون أن يتحول لخطاب يقسم المجتمع على أسس مذهبية أو طائفية".