يعيش اليمنيون في إثيوبيا حياة مميزة عن معظم الجاليات الأخرى، في جمعها بين التداخل المجتمعي مع الإثيوبيين والحفاظ على العادات والتقاليد الخاصة بهم كشعب ذي حضارة وسمات معروفة.
على المستوى العام أدى تداخلهم في المجتمعات الإثيوبية إلى تأثير متبادل، ساعدهم في ذلك إتقانهم للغات الحبشة الرئيسة الأمهرية والتغرنجة والأورومية عبر التزاوج والاختلاط الحقيقي الذي جمع بين المصالح التجارية والأسرية.
صلات عريقة
تتعدد الآراء حول دخول اليمنيين إلى إثيوبيا، لكن هناك إجماع حول صلات عريقة بين الشعبين ترجع إلى الهجرات العربية الأولى باتجاه الشاطئ الأفريقي للبحر الأحمر في عهود غابرة من التاريخ.
أما عن أسباب هذه الهجرات فيقول محمد سعيد ناود في كتابه "إريتريا طريق الهجرات والديانات ومدخل الإسلام إلى أفريقيا" فتمثلت في "قسوة الظروف الطبيعية والبيئية وبالذات ظروف الزحف الصحراوي، يضاف إلى ذلك التجارة، كما كانت هناك أسباب أخرى مثل الحروب بين القبائل العربية". ويضيف الكاتب "شقت الهجرات العربية طريقها باتجاه شواطئ الحبشة - الشواطئ الإريترية تحديداً طريق أرخبيل دهلك عدوليس - مصوع. ومن باب المندب أيضاً توجهت تلك الهجرات باتجاه الشواطئ الجنوبية لإريتريا عن طريق دنكليا، ومن ثم بدأت التحرك شمالاً بمحاذاة الشواطئ مع توغل في عمق الأراضي الحبشية". ويشير إلى أن "من أهـم الشعـوب التي اتصـلت بسكـان شـرق أفريقيـا منـذ القـدم، هي شعـوب الجـزيرة العـربية لاسيمـا عـرب عمـان واليمـن. وكانت هناك هجرات أخرى من الشمال أخذت طريق موانئ عيذاب - سواكن، وعقيق على الشواطئ السودانية. أما الهجرات العربية من الجنوب فأخذت طرق موانئ زيلع وبربرة ومقديشيو في الصومال. وسـاعد في ذلك عامـل القـرب الجغـرافي ونظـام الريـاح الموسميـة في المحيـط الهنـدي، وقـد نظـم العـرب رحـلاتهم وفقـاً لنظـام هـذه الريـاح."
أعماق التاريخ
ترجع بعض المصادر العلاقات الحديثة بين اليمن وإثيوبيا إلى عام 1935، بين المملكة المتوكلية اليمنية والإمبراطور الإثيوبي هيلا سيلاسي، وكان لكل من الإمامين يحيى حميد الدين وأحمد حميد الدين علاقات مع إمبراطور إثيوبيا. ويشير الكاتب عندليب فرازي صابر بموقع "ميدل إيست آي" (Middle East Eye)البريطاني إلى شهادات موثقة راجعة إلى الشيخ سيداحمد بو زارا من حضرموت، مدعياً أنه كان في أديس منذ عام 1903، مدللاً على إطلالة الموقع الاستراتيجي لليمن عبر البحر الأحمر وخليج عدن وقربه من أفريقيا.
وتميزت العلاقات بين إثيوبيا واليمن بتواثق أكبر بعد سقوط النظام الشيوعي الحاكم في إثيوبيا (نظام منغستو)، لتشهد تطوراً في التبادل التجاري والتعاون الاستراتيجي الشامل الذي لا يزال سمة واضحة في العلاقات بين البلدين.
وصرح وزير الخارجية اليمني أحمد عوض بن مبارك لـ"اندبندنت عربية"، أن "جمهورية إثيوبيا الفيدرالية ظلت محطة مهمة في تاريخ الشعب اليمني لما يربط البلدين من علاقات مميزة في أعماق التاريخ". وثمن الرعاية والتسهيلات التي تحظى بها الجالية اليمنية في إثيوبيا، مشيراً إلى أن "هذا ليس مستغرباً على بلدين تربطهما علاقات اجتماعية تاريخية، حيث يعيش عشرات الآلاف من الجالية الإثيوبية في الجمهورية اليمنية."
آثار باقية
لم تكن حركة التداخل بين اليمنيين والإثيوبيين، والوجود المميز الحالي لليمنيين في إثيوبيا رهين واقع سياسي معين، بقدر ما كان موصولاً بتأثير المصالح المشتركة والجوار الجغرافي وتعدد وسائل النقل حديثاً. ودخل اليمنيون من عدن وغيرها من المدن اليمنية إلى شواطئ الحبشة عبر مصوع وعصب ودهلك، وعلى الجهة الأخرى تعتبر المناطق الساحلية الغربية لليمن دلالة واضحة على تداخل الشعبين من "الجانب الإثيوبي" نتيجة الهجرات العكسية المتبادلة والتزاوج بين سكان الضفتين".
ويقول حمدي منجد العربي إنه ولد في مدينة مقلي، وكان والده يعمل تاجراً في جلب القماش من اليمن والعاصمة الإريترية أسمرة إلى أسواق مقلي وغيرها من مناطق، وكان أن استقر به المقام بعد مجيئه من عدن في شمال إثيوبيا، أما والدته فهي من قومية تيغراي، وله أختان وأخ يعملون جميعاً منذ وفاة والدهم بالتجارة.
وتقول فتحية محمد زاهر إن والدتها هررية، وأنها ولدت وترعرعت ما بين هرر ودريدوة، ولا يزال أعمامها، أشقاء والدها موجودون في أماكن عدة في هرر ونازريت، ودريدوة وأديس أبابا، ويشتغلون جميعهم في التجارة وبعضهم يملك شركات خاصة.
ويتميز اليمنيون بالتعايش في الأوساط التي يرحلون إليها، وشهدت هجراتهم دول القرن الأفريقي كالصومال وإريتريا وجيبوتي والسودان وتركوا آثاراً لا تزال باقية في تلك البيئات.
وفي إثيوبيا ظل معظمهم يعملون في التجارة كأصحاب محال في أسواق المدن كنازريت وجما وأديس أبابا.
ويفيد رئيس الجالية اليمنية بإثيوبيا عبدالله عبدالرحمن بأن "هناك عدداً كبيراً من الإثيوبيين من ذوي الأصول اليمنية. وكانت وفود اليمنيين التجار والعرب الباحثين عن سبل العيش والتجارة القادمين عبر البحر الأحمر يصلون إلى بلاد الحبشة ويختلطون بالسكان الإثيوبيين ويتزوجون منهم. ومن القوميات التي تخالط معها اليمنيون والأرومو والتيغراي وقومية والقراقي وأمهرا بإقليم "وللو"، وهذا الإقليم خصوصاً دخلت عبره أعداد كبيرة من اليمنيين والعرب، ونتيجة التداخل والاختلاط نشأ في المنطقة ما سمي بقبيلة "عرب قبا" ومعنى الكلمتين باللغة الأمهرية "العرب دخلوا".
ويتابع عبدالرحمن "يعمل اليمنيون في التجارة العامة، كما يعمل كثير منهم في تصدير المحاصيل من حبوب وبقوليات وبخور إلى بلدان عربية بخاصة السعودية واليمن ومصر، ويصدرون أنواعاً شتى من البقوليات والحبوب كالذرة وغيرها إلى دول كتركيا والصين، وحتى أميركا وسنغافورة واليابان".
ورث من والده
وإلى جانب تجارة المحاصيل هناك من أهل اليمن المشهورون بالحضارمة، من يعملون في تصدير القهوة. ويقول عبدالعزيز محمد "إنه ورث من والده العمل في تصدير القهوة، وكسب منه خبرة العمل إلى جانب الزبائن المشترين للبن الهرري في المملكة العربية السعودية، ودول أخرى بالشرق الأوسط وأوروبا وآسيا." ويشير إلى أن عمله في تجارة البن أكسبه عديداً من الأصدقاء بمختلف الدول، وأنه ولد وترعرع في إثيوبيا، وله أقارب من جهة الوالد في عدن لكنه لم يتمكن من التواصل معهم نسبة إلى ظروف عدة، "لكن لن تكون هذه الظروف حائلاً دون التواصل معهم في المستقبل."
المظبي والسبايا
ويضيف عبدالله عبدالرحمن "أن لليمنيين أعمالاً متعددة بجانب التجارة التي توارثوها جيلاً بعد جيل، وضمن الأعمال المهمة التي تحظى باهتمامهم الاستثمار في المطاعم اليمنية بالعاصمة أديس أبابا، وغيرها من مدن." ويوضح المتحدث ذاته أن "المطاعم اليمنية تعتبر واحدة من معالم العاصمة أديس أبابا، بما تقدمه من أنواع الأطعمة كالمندي والمظبي والسبايا والبرمة، إلى جانب الحلويات المختلفة كالمعصوب وغيره، يخدمون بها الوجود العربي والأجنبي والسياح الزائرين لإثيوبيا، في توفير خيارات مختلفة من الأطعمة اليمنية والعربية." ويضيف "ويعمل اليمنيون كذلك في إدارة عديد من الشركات والمصانع. وكثير من رجال الأعمال اليمنيين نالوا إشادات، وشهادات من الدولة على أعمال شتى ظلت تخدم الاقتصاد الإثيوبي."
ويوضح رئيس الجالية اليمنية أن "اليمنيين في إثيوبيا يعملون باعتبارهم إثيوبيون سواء بالمولد أو بالتجنس أو كمستثمرين، ولهم تاريخ مشترك مع الشعب الإثيوبي في عديد من المواقف الوطنية، وتشهد أضابير الكتب وأوراق التاريخ مشاركتهم في دحر الإيطاليين خلال القرن الـ19".
مدرسة الجالية
يشتهر اليمنيون الأحباش بالحفاظ على عاداتهم وتقاليدهم، ويمارسون حياتهم الخاصة في مختلف مناسبات الأعياد والأفراح وغيرها، لا تفارقهم عاداتهم في أكل القات (التخزين) والونسات البريئة التي تجمع بين التسلية والتفكير في الأعمال، ولا تخلو من أحاديث في الفكر والسياسة والفن.
ومن المعالم اليمنية البارزة في إثيوبيا كذلك المدرسة اليمنية بأديس أبابا، وهي أولى المؤسسات التعليمية الأجنبية، افتتحت في عام 1942، ويتجاوز عمرها الآن 75 عاماً، وتؤدي رسالتها في تعليم اللغة العربية إلى جانب المنهج اليمني واللغتين الأمهرية والإنجليزية، وتخرج أجيالاً وراء أجيال.