• الساعة الآن 05:01 AM
  • 14℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

"التطبيع" بين أنقرة ودمشق.. مسار محفوف بالألغام والأثمان

news-details

بالنظر إلى طبيعة الملفات الشائكة والخلافية بين أنقرة ونظام الرئيس السوري بشار الأسد لا يمكن أن تكون عملية التطبيع بين الجانبين "سهلة" كما يرى خبراء، ورغم أن التصريحات الرسمية الأخيرة كسرت جزءا من الجمود في العلاقة قد يختلف المشهد بصورته المعلنة عند الغوص بالتفاصيل.

أولى تلك التفاصيل سلطت الضوء عليها صحيفة "الوطن" المقربة من النظام، إذ تحدثت، الأربعاء، عن وجود اتصالات مستمرة بين دمشق وموسكو وعواصم عربية من أجل أن "يخرج أي لقاء مع تركيا بتعهد واضح وصريح وعلني بالانسحاب الكامل من سوريا، وفق أجندة محددة زمنيا".

الصحيفة اعتبرت أن ما سبق "ليس شروطا مسبقة"، وقالت إنها "قاعدة أساسية يمكن البناء عليها للبحث في المتبقي من الملفات"، على رأسها "دعم المجموعات الإرهابية والمقصود بها وتعريفها".

وتقدم تركيا دعما لآلاف المقاتلين في شمال سوريا، وهؤلاء يتبعون لتحالف "الجيش الوطني السوري"، وينسحب دعمها أيضا إلى الشق الإداري والخدمي والسياسي، حيث تستضيف أعضاء كثر من المعارضة السياسية السورية على أراضيها.

في المقابل يعتبر نظام الأسد المسلحين المعارضين في شمال سوريا "إرهابيين". وعلى مدى السنوات الماضية خاض ضدهم عمليات عسكرية، كما أن الكثير من أعضاء تلك الفصائل المسلحة كانوا قد انتقلوا بأسلحتهم الخفيفة، بموجب اتفاقيات رعتها روسيا في ريف دمشق ودرعا وحمص وسط البلاد.

ولا يبدو أن الجانب التركي مستعد حتى الآن لتصنيف حلفائه على الأرض كـ"إرهابيين"، وهي النقطة التي أثارتها صحيفة "الوطن" شبه الرسمية، دون أن تحدد جهة مسلحة دون غيرها.

ورغم أن أنقرة تشترك وتتقاطع مع نظام الأسد في عداء "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) المسيطرة على مناطق في شمال وشرق سوريا، تختلف طريقة التعاطي والنظر عند كل طرف عن الآخر.

وتنظر أنقرة إلى "قسد" المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية على أنها ذراع عسكري مرتبط بحزب "العمال الكردستاني" المصنف على قوائم الإرهاب لديها، وفي واشنطن وعواصم أوروبية أخرى.

أما نظام الأسد فقد صنّف "العمال الكردستاني" في ثمانينات القرن الماضي على أنه منظمة "إرهابية". لكنه لم يتخذ ذات الإجراء مع "قسد"، وتباينت تصريحاته ضدها خلال السنوات الماضية ما بين وصف أعضائها بـ"العملاء" من جهة وبـ"الخونة" من جهة أخرى.

كما أن الكثير من التقارير الإعلامية وعدة أوراق لمراكز أبحاث محلية وغربية كشفت على مدى سنوات ماضية خيوطا اقتصادية وخدمية تربط كل من النظام و"قسد".

واتضح شكل خيوط أخرى على العلن بعد عام 2019 عندما أبرم الطرفان (النظام وقسد) عدة تفاهمات بخصوص الانتشار العسكري على الأرض، مما فتح بابا لعناصر قوات الأسد للدخول إلى شمال شرق سوريا برفقة عناصر من الشرطة العسكرية الروسية، والذين تمركزا في قواعد بعد ذلك، أبرزها في مطار القامشلي.

 

"مسار معقد وطويل"

بالنسبة لتركيا وكما يقول الصحفي والباحث التركي، ليفنت كمال لا يوجد إمكانية من جانبها للتطبيع مع النظام السوري في الوقت الحالي.

ويوضح أن بلاده تركز على قضيتين رئيسيتين: حزب "العمال الكردستاني" واللاجئين، لكن في هاتين القضيتين، يتعارض موقف النظام السوري وشروطه مع أنقرة، وفقا لكمال.

وتشير أنقرة إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الخاص بعودة اللاجئين، لكن النظام السوري كان قد عرقل تطبيقه منذ سنوات، ويواصل التهرب من خطواته حتى الآن.

ومن ناحية أخرى، فإن أكبر حليف لتركيا في الحرب ضد "العمال الكردستاني" هو المعارضة السورية، والتي يريد النظام أن يتم تصنيفها على أنها "إرهابية".

ويعتقد الباحث كمال أن تصنيف تركيا للمسلحين المعارضين في الشمال "أمر مستحيل". ويردف بالقول: "بل إن من المستحيل إقناع المعارضة السورية بالانضمام إلى النظام في عملية مشتركة دون إعلانهم إرهابيين".

ويرى الباحث في الشأن التركي، محمود علوش أن "عملية التطبيع مسار معقد وطويل"، وأن الطرفين يدركان حقيقة ذلك بطبيعة الحال.

وما يجري الآن بحسب حديث الباحث لموقع "الحرة" "محاولة لخلق هامش تتحرك من خلاله الدبلوماسية لكسر الجمود في مسار المفاوضات ومحاولة التوصل إلى بعض التفاهمات".

علوش يشير إلى أنه "لا ينبغي الإفراط في الرهان على الفرص الجديدة الناشئة". ومع ذلك، "لا ينبغي أيضا التقليل من أهمية الحوافز والمزايا التي يتطلع لها إردوغان والأسد من وراء التوصل إلى تفاهمات في بعض القضايا المهمة لكليهما"، وفقا لقوله.

 

"رغبة مشتركة تحركها ضغوط"

ويقيم في تركيا أكثر من 3 ملايين لاجئ سوري، وتضغط أحزاب من المعارضة لإعادتهم إلى البلاد، من منطلق وصفها بأنهم يشكلون "مشكلة وطنية".

وتمثل أحداث الاعتداء على ممتلكات السوريين في ولاية قيصري التركية آخر فصول تلك الضغوط من جهة وحملات التحريض ضدهم من جهة أخرى.

ولم يبد النظام السوري أي بادرة لإعادة اللاجئين، سواء الموجودين في تركيا أو في دول الجوار وأخرى أوروبية.

ويشترط بحسب تصريحات مسؤوليه رفع العقوبات الغربية عنه والبدء بعملية إعادة الإعمار قبل مناقشة أي خطوة لعملية العودة.

إضافة إلى ذلك ما تزال الأمم المتحدة تؤكد أن سوريا "ليست آمنة لعودة اللاجئين".

وتقول منظمات حقوق إنسان دولية ومحلية إن النظام السوري لا يريد عودتهم، وإن عملية تهجيرهم لم تكن على هامش الأعمال العسكرية في معظمها، بل بشكل ممنهج.

ويعتقد الكاتب والصحفي المقيم في دمشق، عبد الحميد توفيق أن "مسألة التطبيع بين دمشق وأنقرة معقدة وشائكة"، ويقول إن "المفخخات فيها متعددة، سواء محلية أو سورية أو تركية أو تلك المرتبطة بمؤثرات اللاعبين على الأرض السورية".

ومن بين اللاعبين إيران وروسيا، إذ يريدان التطبيع "ضمن حدود المكاسب".

وكذلك الولايات المتحدة الأميركية التي يراها توفيق "العنوان الأهم في مسألة تعطيل مسار التطبيع بين دمشق وأنقرة أو الدفع به، رغم أن الفرضية الأخيرة مستبعدة".

وعلى نحو خاص يعتقد الكاتب أنه "من الواضح أن هناك رغبة مشتركة للمضي بمسار التطبيع، ناتجة عن ضغوط يتعرض لها كل من الجانب التركي والسوري".

وفيما يتعلق بتركيا يعتبر أن تلك الضغوط تتمثل بـ"مطرقة اللجوء السوري والوجود المسلح لفصائل المعارضة في شمال سوريا وملف إدلب وتحرير الشام".

وتتوسع دائرتها أيضا لتصل إلى مسألة "فشل الحوار الاستراتيجي بين واشنطن وأنقرة قبل شهرين، من أجل التوصل لتفاهمات".

وأورد توفيق أحاديث أن "الولايات المتحدة طرحت فكرة على أنقرة، بأنها مستعدة بأن تعمل على إخراج حزب العمال وقياداته من شرق الفرات، وتقوم بتوليف قسد كفصيل سوري، لكن الأتراك رفضوا الأمر"، وعادوا إلى تحفيز مسار التطبيع مع الأسد عبر الجانب الروسي.

 

"عملية قراءة نوايا"

ويعيش في شمال سوريا 6 ملايين نسمة، وهم المركز الرئيسي للمعارضة، وتم نفيهم جميعا وبشكل تقريبي من قبل النظام بطريقة أو بأخرى.

وبالتالي لا يمكن لأنقرة أن تقنعهم بالعودة إلى النظام السوري، بحسب الصحفي التركي كمال. ومن الواضح أن أنقرة تدرك موقف النظام بدقة، ولكن في بعض الأحيان يتعين عليها الحفاظ على بعض الخطاب الدبلوماسي لدفع المحاورين إلى العمل، وفقا لقوله.

ويضيف أن أنقرة تعلم أيضا أن "أيدي النظام مقيدة فيما يتعلق بحزب العمال الكردستاني والمسلحين الإيرانيين".

ويمكن وضع التصريحات التركية الأخيرة وأبرزها تلك التي وردت على لسان إردوغان ضمن "عملية قراءة للنوايا"، كما يتابع الصحفي التركي.

ويقول: "أنقرة عبّرت عن موقفها السياسي بأن سوريا مصانة وحدة أراضيها، خالية من أمراء الحرب والمنظمات الإرهابية والميليشيات الإيرانية، ويستطيع السوريون ضحايا الحرب العودة إليها بحرية وأمان، وتجري فيها انتخابات ديمقراطية وعمليات سياسية".

ويعتبر أن "هذا الموقف يعني بالفعل التفكيك السياسي للنظام بطريقة أو بأخرى"، وأن "أنقرة ليست منفتحة على خيارات أخرى".

 

"مليء بالألغام"

وأظهرت التصريحات التي أدلى بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس النظام السوري، بشار الأسد، الأسبوع الماضي، أن حقبة جديدة يمكن أن تبدأ على صعيد عملية التطبيع بين أنقرة ودمشق.

وكانت تلك العملية قد بدأت نهاية عام 2022، لكنها توقفت العام الماضي، بسبب إصرار الأسد على شرط انسحاب القوات التركية من شمال سوريا قبل أي عملية حوار.

لكن الأسد نفسه تراجع قليلا إلى الوراء خلال الأيام الماضية. وبعد لقائه مبعوث بوتين إلى سوريا، ألكسندر لافرنتيف، أعلن أنه "منفتح على كل المبادرات المرتبطة بالعلاقة بين سوريا وتركيا والمستندة إلى سيادة الدولة السورية على كامل أراضيها ومحاربة الإرهاب وتنظيماته".

ويوضح الباحث علوش أن "دمشق بدأت تتعاطى بواقعية أكبر في مقاربة الحوار مع أنقرة من خلال تخفيف شروطها، خصوصا فيما يتعلق بملف الوجود العسكري التركي، لأنها تدرك أن تركيا ليست بوارد التخلي عن هذا الوجود قبل تحقيق أهدافها ومصالحها".

كما أن "دمشق غير مستعدة ولا قادرة حتى على ملء فراغ الانسحاب التركي من شمال سوريا في الوقت الراهن". 

ولذلك يقول الباحث إن "مبدأ المساومات سيهيمن على العملية التفاوضية بين الطرفين"، وإن "فرص نجاحها تتوقف على مدى استعداد كل طرف لتقديم ما يحتاجه الآخر منه".

وترعى موسكو مسار التطبيع بين دمشق وأنقرة منذ بدايته، وانضمت إليها إيران في وقت لاحق، وتتجه الأنظار الآن إلى العراق كلاعب رابع.

ومن المقرر أن تستضيف العاصمة العراقية بغداد في الأيام المقبلة اجتماعا تركيا-سوريا، كأولى خطوات وساطتها في هذا الأمر.

ووفقا لحديث الكاتب عبد الحميد توفيق تعمل روسيا على "خارطة طريق دون إعلان" للمضي بعملية التطبيع بين أنقرة والنظام السوري.

وتقف وراء ذلك 3 أهداف حسب قوله: الأول: التقرب من تركيا ودفع الولايات المتحدة الأميركية للشعور بالقلق.

ويذهب الثاني باتجاه إرسال رسالة واضحة لجعل تركيا مركزا لضخ الغاز الروسي باتجاه أوروبا.

وتحاول موسكو إعطاء رسالة للأتراك إنهم في حال استجابوا لما تريده موسكو في سوريا "ستعمل الأخيرة على توليف حالة سياسية مع كييف عبر أنقرة"، كما يضيف الكاتب المقيم في دمشق توفيق.

ويعتقد أن "روسيا لها مصالح من ذلك، وتريد توسيع دائرتها في سوريا، لكي تنتقل من ظاهرة الوجود العسكري إلى النتائج السياسية".

 

ما المتوقع على خط دمشق-أنقرة؟

بعد حادثة الاعتداءات في قيصري وما تبعها من الغضب الذي خيّم على مشهد الشمال السوري قال إردوغان إن هناك فائدة كبيرة في فتح القبضات المشدودة في السياسة الخارجية، وكذلك الداخلية. وأكد بالقول: "ولن نمتنع عن الاجتماع مع أي كان، كما كان الحال في الماضي".

لكنه في المقابل أضاف: "عند القيام بذلك، سنأخذ مصالح تركيا في الاعتبار في المقام الأول، لكننا لن نسمح لأي شخص يثق بنا، أو يلجأ إلينا، أو يعمل معنا، أن يكون ضحية في هذه العملية.. تركيا ليست ولن تكون دولة تتخلى عن أصدقائها".

ويعتقد الباحث علوش أن "تركيا لن تتخلى عن حضورها العسكري والإداري ولا عن علاقتها بالبيئة السورية الحاضنة لها في الأفق المنظور، لأن هذا الحضور والعلاقة يشكلان ركيزة أساسية في سياستها السورية".

وحتى في الوقت الذي تتركز فيه أولوياتها على تقويض مشروع الحكم الذاتي للوحدات الكردية "لا تزال أنقرة تتعاطى مع حل الصراع السوري على أنه حاجة وليس خيارا"، وفق قوله.

علوش يوضح أن "مسألة تعريف التنظيمات الإرهابية إحدى الإشكاليات المهمة".

ويقول: "علينا أن ندرك أن طريق التطبيع مليء بالألغام، لكن إذا توفرت الإرادة السياسية لدى أنقرة ودمشق للقفز على هذه الألغام، يمكن لهما الاتفاق على المبادئ العريضة لعملية التطبيع".

ويضيف أيضا أن "هناك مصلحة مشتركة للطرفين في تقويض مشروع الحكم الذاتي للوحدات الكردية"، وأن "الأسد يبحث عن الأثمان الكبيرة التي يريد الحصول عليها من تركيا مقابل منحها ما تحتاجه في ملف أمن الحدود".

ويبدو أن دمشق تمكنت من إدارة ورقة "قسد" و"حزب العمال" مع الأتراك "بمهارة" على حد وصف الكاتب عبد الحميد توفيق.

وتم ذلك من جانبها "بحيث لم تواجه بقسد وتفرط بها ولم تصطدم معها، ولا تزال ترتبط معها بخيوط اقتصادية وتبادل عملة ونفط".

ومنذ أسبوع أرسلت "قسد" للنظام السوري مئات الشاحنات المحملة بالنفط، في مقابل طلبها من النظام ضخ العملية السورية المحلية، لأنها شحّت في مناطقها، كما يقول الكاتب.

ويرى أن "الخيوط المذكورة جميعها أدارتها دمشق بمهارة، بصرف النظر عن التقييم".

وفيما يتعلق بمسألة "توصيف وتعريف الإرهاب" يستبعد توفيق أن يكون ذلك معلنا من كلا الطرفين (أنقرة، دمشق)، لكنه يقول إنه "العمل وفق ذلك سيجري، باعتباره نقطة التقارب".

و"إذا ما تم الاتفاق على التخلص من العبئين الخطيرين سواء (قسد أو فصائل المعارضة)"، يعتقد الكاتب أن "مسار التطبيع سيكون جاريا، دون أن يحدث ذلك بين ليلة وضحاها، حيث ستكون العوائق كبيرة وطويلة".

شارك الخبر: