• الساعة الآن 10:46 AM
  • 19℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

كيف تسببت غزة في تقسيم البرلمان الأسترالي؟

news-details

عندما قررت السيناتور فاطمة بايمان في مجلس الشيوخ الأسترالي التصويت ضد توجه حزب العمال الذي تنتمي له، عرفت أن هذه الخطوة لن تخلو من العواقب.

فحزب العمال الأسترالي يفرض عقوبات صارمة على أعضائه الذين يخالفون مواقف الحزب الجماعية، وقد تؤدي هذه المخالفة والمعارضة إلى الطرد من الحزب، وهي سابقة يعود تاريخها إلى 130 عاما.

فآخر مرة اعترض فيها أحد أعضاء الحزب سياسته في شأن معين كانت قبل سنوات عدة حتى قبل ولادة السيناتور بايمان.

لكن الثلاثاء الماضي، أقدمت بايمان -29 عاماً- على دعم حزب الخضر الأسترالي وأعضاء مجلس الشيوخ المستقلين في مقترحبشأن إقامة دولة فلسطينية.

رسميا، تدعم الحكومة الأسترالية حل الدولتين، لكنها لم تدعم اقتراح إقامة دولة فلسطينية بعد أن حاولت وفشلت في إدراج شرط مفاده أن أي اعتراف يجب أن يكون "كجزء من عملية السلام".

في غضون ساعات، عُلقت عضوية بايمان مؤقتا بالحزب، وبحلول نهاية الأسبوع أصبح التعليق دائماً، وذلك بعد أن أكدت ثباتها على موقفها وتكرارها ما فعلت إذا أُتيحت لها الفرصة.

وقال متحدث باسم الحكومة الأسترالية: "بتصرفاتها وتصريحاتها، خسرت السيناتور بايمان الامتياز الذي يمنح لها كجزء من تجمع حزب العمال الفيدرالي".

وكان رئيس الوزراء وزعيم حزب العمال أنتوني ألبانيزي أكثر إيجازا، قائلا: "لا يوجد فرد أكبر من الفريق".

وصفت بايمان ما جرى لها وكأنها نُفيت، موضحة أنه تم استبعادها من الاجتماعات الحزبية وجميع اللجان.

وأثار توقيف السيناتور، التي تم انتخابها في البرلمان الذي وصف بأنه الأكثر تنوعًا في أستراليا حتى الآن، ردود فعل متباينة وتساؤلات كثيرة، حول ما إذا كان من العملي أو العدل أن يلتزم السياسيون بالحد الفاصل في القضايا التي تؤثر على مجتمعاتهم.

 

شعرت "بكل خطوة وكأنها ميل"

تبرز بايمان في البرلمان الأسترالي، على أنها السياسية الفيدرالية الأولى والوحيدة التي ترتدي الحجاب، وقد وُصفت بأنها تجسيد لبعض الفئات الأكثر تهميشًا في البلاد: امرأة شابة، ومهاجرة، ومسلمة.

ووصفت قرارها بدعم حزب الخضر في مجلس الشيوخ بأنه "أصعب قرار" في مسيرتها السياسية. ومع ذلك، قالت إنها "فخورة" بما فعلته، وإنها "تشعر بخيبة أمل مريرة" لأن الآخرين لم يتبعوها بما فعلت.

"تماشيت مع إخوتي وأخواتي المسلمين الذين أخبروني أنهم شعروا بأن أحداً لم يسمع صوتهم منذ فترة طويلة جداً"، تضيف بايمان.

وبعدما شن الجيش الإسرائيلي حملة لتدمير حركة حماس التي تدير قطاع غزة ردًا على هجوم غير مسبوق بقيادة حماس على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول، قُتل خلاله حوالي 1,200 إسرائيلي واحتجز 251 كرهائن.

وقتل أكثر من 37,900 فلسطيني في غزة منذ ذلك الحين، وفقاً لوزارة الصحة التي تديرها حماس في القطاع. أصبحت غزة قضية سياسية متقلبة في أستراليا، وتسعى جميع الأطراف إلى إدارتها بحذر.

وكما كان الحال في عدد لا يحصى من البلدان الأخرى، كانت هناك احتجاجات من المجتمعات اليهودية والمسلمة، فضلا عن ارتفاع حاد في كراهية الإسلام "إسلاموفوبيا" ومعاداة السامية.

وقد أثارت خطوة السيناتور الثناء والانتقادات في ذات الوقت، حيث قالت آن علي التي أصبحت أول امرأة مسلمة يتم انتخابها في البرلمان الأسترالي عام 2016، والتي كانت من أشد المدافعين عن إنهاء الصراع في غزة، إنها لا تتفق مع نهج بايمان.

"اختار أن اتصرف بطريقة تحدث فرقًا جوهريًا على أرض الواقع"، وقالت لقناة آيه بي سي الإخبارية، إن "فاطمة اختارت أن تتصرف بطريقتها الخاصة".

من جهته، كان جوش بيرنز عضو البرلمان عن حزب العمال اليهودي من ملبورن، والذي يحمل وجهات نظر مختلفة عن بايان خصوصاً في ما يتعلق بالدولة الفلسطينية، من بين أكبرالمؤيدين لها في موقفها.

وقال بيرنز، إن "البرلمانيين يأتون من مجتمعات وخلفيات مختلفة، ومحاولة تحقيق التوازن بين جميع وجهات النظر ليس بالأمر السهل، ولكن يجب أن نكون مثالاً للمجتمع الأسترالي حول كيفية مناقشة القضايا الصعبة باحترام."

كما أصدرت الهيئات الإسلامية في البلاد بيانًا مشتركًا وصفت فيه تصرفات بايمان بأنها "شجاعة" ودعت حزب العمال إلى "إيصال صوت ممثليهم من الشعب".

وجاء في البيان أن "الحسابات السياسية ومحاولات مجاراة الجانبين لها عواقب مدمرة على فلسطين وستنتهي في النهاية بالفشل".

لكن ألبانيزي وصف الخطوة التي تقدم بها حزب الخضر بالـ "خدعة"، مضيفًا: "نحن بحاجة إلى حلول حقيقية، هذه الحيلة من حزب الخضر كانت تهدف إلى وضع فاطمة بايمان في موقف صعب، وقد تم تصميمها لهذا الغرض".

وتُعد العقوبة التي فرضها رئيس الوزراء انتوني ألبانيزي على بايمان أكثر تساهلاً من الطرد الكامل الذي تتضمنه قواعد الحزب.

وقد ترك الباب مفتوحًا أمامها للعودة إلى الحزب إذا كانت على استعداد لتغيير مسارها.

 

"لست ممثلة رمزية"

حدث سابقاً أن صوت السياسيون الأستراليون ضد معتقداتهم الخاصة لتتماشى مع سياسات الحزب.

حيث شعر أعضاء البرلمان المثليين، بما في ذلك وزيرة الخارجية الحالية بيني وونغ، بصراع مماثل مع حزب العمال الذي عارض زواج المثليين رسميًا.

وقد جعلت هذه القضية وونغ عرضة لهجمات شخصية، لكنها ظلت مصرة على أن الطريق الأفضل يتمثل في مناصرة قضيتها بهدوء من داخل الحزب بدلاً من النقد العلني. وتقول إنه "وبعد عقد من الزمن تمكنا تشريع زواج المثليين".

"حتى عندما نختلف، نجري تلك النقاشات داخليًا، كما رأيتم على مدار سنوات عديدة من النقاش حول المساواة في الزواج، هذا ما فعلته، وأعتقد أن هذه هي الطريقة الصحيحة للقيام بذلك"، تضيف وونغ.

ولكن عندما سئلت عما إذا كان ينبغي لها أن تتبع ما فعلته وونغ، قالت بايمان: "لقد استغرق تشريع زواج المثليين 10 سنوات,, الفلسطينيون ليس لديهم 10 سنوات".

ويمثل النهج المتنوع تطلعات الشعب الأسترالي المتغيرة، وفقا لكوس ساماراس الذي يقود أحد مراكز استطلاع الرأي الرائدة في البلاد.

ويقول إن "مجموعة متزايدة من الناخبين الشباب متعددي الثقافات يصطفون بشكل متزايد مع السياسيين الذين لا يخشون اتخاذ موقف بشأن القضايا التي يتحمس لها ناخبوهم".

ويقول أيضًا إن "مجتمعات المهاجرين لم تعد مستعدة لقبول الرسائل السياسية التي تثنيهم عن التحدث بصوت عالي".

"لدى أستراليا تاريخ فظيع، سواء من منظور مجتمعي أو من منظور الأحزاب السياسية، أنه كلما عبر شخص من خلفية متنوعة عن وجهة نظره، يُطلب منه بأغلبية ساحقة أن يتراجع"، وفق المركز.

"هذه صيغة تنجح عندما تهاجر مجموعة جديدة من الأشخاص إلى بلد ما ويريدون البقاء بعيدًا عن الأنظار بينما يؤسسون حياة جديدة، ولكنها لن تنجح مع الجيل الثاني من هؤلاء المهاجرين، وهذا بالضبط ما نتحدث عنه".

ويضيف ساماراس: "هؤلاء هم الأشخاص الذين نشأوا في بلد جعلهم يشعرون في كثير من الأحيان وكأنهم غرباء، ولم يعودوا مستعدين لالتزام الصمت"، مشيرًا إلى الاستطلاع الأخير الذي أجراه فريقه والذي وجد أن العديد من الشابات الأستراليات المسلمات يشعرون أنهن يفتقرون إلى الصوت السياسي.

كانت فاطمة بايمان لاجئة هربت عائلتها من أفغانستان بعد سقوطها في يد طالبان عام 1996، وهذا الشعور هو ما تقول بايمان إنه يوجه سياساتها.

"لم أٌنتخب كممثلة رمزية للتنوع"، هذا ما قالته بعد إيقافها المؤقت الأسبوع الماضي، "تم انتخابي لخدمة شعب غرب أستراليا والالتزام بالقيم التي غرسها فيّ والدي الراحل".

وتعتقد بايمان أن الحكومة تقوم بتجميد نشاطها "لترهيبها" وحملها على الاستقالة.

لكن ألبانيزي يصر على أن قراره هو القرار الصحيح، مع التأكيد على أن الأمر لا يتعلق بـ "الموقف السياسي" لبايمان، بل يتعلق بقرارها "تقويض" حزبها.

في الوقت الحالي على الأقل، تعهدت بايمان "بالامتناع عن التصويت على مسائل مجلس الشيوخ ... ما لم تنشأ حالة ضميرية تدعم فيها القيم والمبادئ الحقيقية لحزب العمال".

شارك الخبر: