سلط الباحث بالمركز العربي في واشنطن، تشارلز دن، الضوء على التنافس المتصاعد بين الإمارات والسعودية، واصفا صورة العلاقات بينهما إعلاميا، وكأنهما وجهان لعملة واحدة، بأنها "تجميلية"، ولا تعبر عن الواقع.
وذكر دن، في تحليل نشره موقع المركز أن البلدين اصطفا معا في حرب اليمن منذ عام 2014، وعارضا إيران واتفاقها النووي مع الغرب، واتحدا لعزل قطر وحصارها في عام 2017، لكن ما وراء الكواليس يظهر خلافات حقيقية وخطيرة.
فالبلدان يخوضان حاليا صراعًا لتحديد من سيظهر منهما كقوة بارزة في الخليج العربي عبر الاستفادة من اقتصاداتهما وسياستهما الخارجية، ليس فقط لممارسة النفوذ داخل مجلس التعاون الخليجي، ولكن لإبراز هذا النفوذ على المسرح العالمي، بحسب دن، مشيرا إلى أن "ما بدا ذات يوم وكأنه تنافس أخوي تقليدي، اتخذ في السنوات القليلة الماضية مظهر الصدع".
وتعود أصول بعض هذا التنافس إلى النزاعات الإقليمية وسياسات السلالات الحاكمة التي سبقت فترة طويلة قبل استقلال دولة الإمارات في عام 1971، ومع ذلك أضافت ضغوطات سوق النفط العالمية، والمشهد الجيوسياسي المتغير، في السنوات الأخيرة، للتوترات القائمة فعليا.
ويشير دن إلى أن الخلاف بين البلدين يمكن أن يؤثر بشكل عميق على سياسة الخليج وعلى الإستراتيجية الأمنية الأمريكية في المنطقة.
أوبك والنفط
ويلفت الزميل غير المقيم بمركز واشنطن إلى أن الاختلافات المتزايدة بين السعودية والإمارات تعود إلى سنوات عديدة، وهي متجذرة بقوة في المنافسة الاقتصادية.
فمؤخراً، أحدثت السياسات النفطية شرخاً بين البلدين، وفي يوليو/تموز 2021، قادت السعودية خطة داخل تحالف "أوبك+" لتمديد تخفيضات الإنتاج، التي كان من المقرر أن تنتهي في أبريل/نيسان 2022، حتى نهاية ذلك العام من أجل التعويض عن الانهيار الوشيك لأسعار النفط خلال أزمة كورونا.
لكن الإمارات اعترضت على الاقتراح ووصفته بأنه "غير عادل" لأنه كان سيطلب منها استيعاب خفض غير متناسب للإنتاج، بما يمثل خسارة محتملة في الدخل تصل إلى عشرات المليارات من الدولارات.
وتم حل النزاع الفوري في وقت لاحق من ذلك الشهر عندما وافق التحالف على رفع حدود الإنتاج لخمسة من أعضائه، بما في ذلك الإمارات، لكن التوترات استمرت إلى حد اضطرار المصادر الإماراتية إلى نفي تقارير، في مارس/آذار الماضي، عن تفكير الدولة في مغادرة أوبك.
وقللت جميع الأطراف من أهمية الخلاف، لكن المشهد كشف كيف أن الإمارات غاضبة من التفوق السعودي في "أوبك+".
غير أن الخلاف على النفط لم يكن سوى جانب واحد من التنافس الأكثر تعقيدًا بين البلدين، والذي ينطوي على رؤى اقتصادية مختلفة، أجبرت الرياض وأبو ظبي على المنافسة الشديدة، حيث يسعى كل منهما لتحديث وتنويع اقتصاداتهما، على حساب بعضهما البعض غالبا.
وتحت قيادة ولي العهد السعودي الأمير، محمد بن سلمان آل سعود، شرعت الرياض في تحدي الإمارات كمركز رائد للأعمال والمواصلات في الشرق الأوسط، حسبما نقل دن عن ديفيد أوتاوي، الباحث في مركز ويلسون.
ويشير أوتاوي إلى أن بن سلمان يخطط لإنفاق 147 مليار دولار لجعل السعودية المحور اللوجستي الجوي والبحري الرئيسي في المنطقة لتنافس الإمارات كرائد تجاري رئيسي في منطقة الخليج.
وكجزء من هذا المخطط، أعلنت الحكومة السعودية، في مارس/آذار، عن إطلاق شركة طيران جديدة، هخي "طيران الرياض"، المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة في المملكة.
ومن خلال عملية شراء أولية لـ 72 طائرة بوينج 787 دريملاينر، من المتوقع أن تنافس "طيران الرياض" مباشرة مع شركات الطيران الرائدة في الإمارات العربية المتحدة: طيران الخليج وطيران الإمارات والاتحاد للطيران.
ولتشجيع المستثمرين الأجانب على نقل مقرات شركاتهم إلى السعودية، تنفذ المملكة سياسات ترقى إلى مستوى التحدي تحدٍ مباشر لاقتصاد الإمارات.
وقبل عامين، وخلال النزاع على إنتاج النفط، فرضت الرياض قيودًا جديدة على الاستيراد لإلغاء الوصول إلى الأسواق المعفاة من الرسوم الجمركية للسلع المصنوعة في المناطق الاقتصادية الحرة، والتي تعد العمود الفقري للاقتصاد الإماراتي.
وتعد بعض هذه التحركات السعودية نتيجة اندفاع المملكة إلى تنفيذ رؤية 2030، وهي إطار تنموي شامل مصمم لتنويع الاقتصاد السعودي وتطوير الخدمات العامة.
وكان من المحتم أن تدفع الخطة المملكة إلى درجة ما من المنافسة المباشرة مع بقية دول الخليج، وخاصة الإمارات، التي قفزت على متن قطار التنويع باستراتيجيتها بعيدة المدى قبل سنوات.
لكن هذه المنافسة بدأت الآن تبدو إلى حد كبير مثل "صراع على السلطة"، بحسب تعبير دن، حيث "يحاول السعوديون إعادة تأكيد هيمنتهم الإقليمية في لعبة محصلتها صفر، وستساعد نتائجها في تحديد من سيبرز كقوة بارزة في الخليج" حسب رأيه.
اليمن وإسرائيل
وفيما يتعلق بالقضايا الاستراتيجية والسياسية الإقليمية، ظهرت الانقسامات بين السعودية والإمارات أيضًا، خاصة في اليمن، الذي يواصل تعكير العلاقات بينهما بعد 8 سنوات من تدخل قواتهما المسلحة لإعادة حكومة الرئيس، عبد ربه منصور هادي، المعترف بها دوليًا ودحر المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران.
واعتبرت الإمارات مشاركتها في هذا الجهد جزئيًا وسيلة لإظهار الدعم للسعودية، وأيضًا وسيلة لتوجيه ضربة للإسلام السياسي، والأهم من ذلك: حماية مصالحها الاقتصادية من خلال تأمين طرق التجارة البحرية الحيوية القريبة من اليمن بما في ذلك مدخل باب المندب جنوب البحر الأحمر.
ودربت الإمارات حوالي 90 ألف جندي في جنوب اليمن، وتحتفظ الآن بالسيطرة العملياتية على عدد من الجماعات المسلحة هناك، وهي القوات التي أصبحت العمود الفقري العسكري للمجلس الانتقالي الجنوبي، وهو حركة انفصالية تدعمها الإمارات وتواصل ممارسة نفوذها من خلالها.
وأثار ذلك فزع الحكومة اليمنية وداعميها السعوديين، خاصة أن أبو ظبي استمرت في بناء منشأة عسكرية في سقطرى، وهي جزيرة يمنية تسيطر على مدخل خليج عدن، وقاعدة جوية في ميون، وهي جزيرة تقع في وسط مضيق باب المندب.
وبعدما حققت هدفها، المتمثل في حماية مصالحها الأمنية وتحقيق دور مهم في المستقبل السياسي لليمن، وشعورها بالقلق من الانتقادات الدولية المتزايدة، سحبت الإمارات معظم قواتها في جنوب وغرب اليمن، ما مثل تحولًا كبيرًا في ديناميكيات الصراع.
وأصبحت السعودية وحليفتها السابقة الآن على طرفي نقيض من الحرب، وهي حقيقة اعترفت بها المملكة عندما اعترفت الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية بالمجلس الانتقالي الجنوبي في عام 2020، ما أدى إلى ضمه إلى الحكومة.
وكان هذا التحول في الأحداث مثالاً صارخًا، ليس فقط على الوضع المتغير في اليمن، ولكن للعلاقات المتغيرة بين القوتين الخليجيتين.
وفي يونيو/حزيران، شكل السعوديون تجمعًا سياسيًا جديدًا، هو المجلس الوطني في حضرموت، ليكون بمثابة ثقل موازن للمجلس الانتقالي الجنوبي.
ولعبت مقاربات السعودية والإمارات المتباينة تجاه إسرائيل دورًا في التنافس المتزايد بينهما، فمنذ أن قامت الإمارات بإضفاء الطابع الرسمي على العلاقات مع إسرائيل بموجب اتفاقيات إبراهيم، نمت العلاقات بين البلدين على قدم وساق، وانطلق التعاون الاقتصادي حتى وصلت التجارة الثنائية إلى 2.5 مليار دولار في عام 2022.
وتعمل 1000 شركة إسرائيلية في الإمارات حاليا، ومن المتوقع أن تنمو العلاقات الاقتصادية بينهما أكثر مع التوقيع في أبريل/نيسان على اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة، وهي أول اتفاقية تجارة حرة بين إسرائيل ودولة عربية.
بينما ترفض السعودية حتى الآن تطبيع العلاقات مع إسرائيل، على الرغم من الجهود الدبلوماسية الأمريكية، وقد أضر هذا الوضع بالرياض سياسياً واقتصادياً مقابل أبو ظبي، لا سيما بالنظر إلى الأهمية التي أولتها إدارة بايدن لتوسيع دائرة السلام بين إسرائيل والدول العربية، وهي استراتيجية برزت كأساس لسياسة واشنطن في الشرق الأوسط.
العلاقات الأمريكية
ويرى دن أن القضية الأكبر في الخلاف السعودي الإماراتي يتعلق بعلاقات كل منهما مع الولايات المتحدة، إذ لا تزال علاقة بن سلمان بالرئيس الأمريكي، جو بايدن، ضعيفة، على الرغم من الاهتمام الكبير الذي أولته الولايات المتحدة للمملكة خلال العام الماضي.
وأوضح بن سلمان أنه يحاول اتباع مسار سياسة خارجية أكثر استقلالية، بينما تشارك الإمارات مخاوف السعودية بشأن بقاء القوة الأمريكية في المنطقة، ووضعت بعض المسافة بينها وبين واشنطن، لا سيما فيما يتعلق بالعلاقات بين روسيا والصين، إلا أنها ظهرت على أنها الحليف الأكثر ثقة للأمريكيين.
ولا تزال العلاقات العسكرية والاقتصادية مع الولايات المتحدة قوية، إذ تعتبر الإمارات مستهلكًا رئيسيًا للأسلحة الأمريكية، وهي أيضًا أكبر سوق في الشرق الأوسط للصادرات الأمريكية.
والأهم من ذلك أن الإمارات، على عكس السعودية، شاركت في عمليات عسكرية بقيادة الولايات المتحدة في أفغانستان والكويت والعراق وصربيا، بالإضافة إلى مهمة الناتو بقيادة الولايات المتحدة في ليبيا.
وكجزء من تعاونها العسكري المكثف مع الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم، تشارك الإمارات في قائمة كاملة من التدريبات والتدريبات القتالية مع القوات الأمريكية وغيرها، وتستضيف حوالي 5000 جندي أمريكي في قاعدة الظفرة الجوية، وتوفر خدمات الدعم للقوات الأمريكية.
ورغم التوترات الأخيرة في العلاقات الثنائية، تظل العلاقات بين الولايات المتحدة والإمارات على أسس قوية، وتأتي بشكل كبير دون صنع السياسات الزئبقية والعداء شبه المقنع الذي يميز النهج السعودي تجاه الولايات المتحدة في عهد بن سلمان، حسبما يرى الزميل غير المقيم في المركز العربي بواشنطن.
وأتاح تبني الإمارات الحماسي لاتفاقات إبراهيم والعلاقات مع إسرائيل فرصًا جديدة لتعزيز السياسة الأمنية الأمريكية في المنطقة، على عكس استمرار السعودية في رفض التطبيع.
ويرى دن أن بقاء الإمارات شريكا مفضلا لواشنطن في الخليج تدل عليه موافقة إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، على بيع ما يصل إلى 50 طائرة مقاتلة متطورة من طراز F-35 و 18 طائرة بدون طيار من طراز MQ-9 Reaper.
رؤى متضاربة
وإزاء ذلك، بدأت رؤيتان متنافستان للقيادة الخليجية تتصادمان بشكل أكثر انفتاحًا، إذ تركز الرؤية السعودية على إيمان العائلة المالكة بدورها الشرعي، بناءً على التاريخ والسكان والوزن الاقتصادي.
فحتى وقت قريب، كانت النظرة الثقافية والسياسية للمملكة أيضًا محافظة بشكل مكثف، وركزت في المقام الأول على الحفاظ على النظام وإعاقة التغيير الاجتماعي والسياسي بالشراكة مع المؤسسة الدينية في البلاد.
وفي حين أن ذلك بدأ يتغير بسرعة في عهد بن سلمان، لا تزال المملكة تلعب دور اللحاق بالركب، فيما لاتزال صورة الإمارات العالمية هي الدولة الأكثر ديناميكية، وتفكيرًا تقدميًا، وليبرالية اجتماعيًا واقتصاديًا، كما ينعكس ذلك في سياستها الخارجية، واعتمادها للاستراتيجيات الوطنية لبناء دولة أكثر مرونة واستدامة وعالمية.
وأعلنت الإمارات رؤيتها الاستراتيجية 2030، في عام 2008، أي قبل 8 سنوات كاملة من رؤية السعودية، وتحتل مرتبة عالية باستمرار في المؤشرات الدولية للقوة الناعمة والتنمية الوطنية، ما جعلها بلدا جذابا للغاية، ليس فقط لمواطنيها ولكن للعديد من الآخرين في المنطقة العربية، حسبما كشف مسح الشباب العربي لعام 2023.
وهنا يشير دن إلى أن الإمارات تتعامل مع هيمنة السعودية وتشعر بأنها مضطرة لتأكيد مسارها المستقل في الشؤون العالمية، ليس فقط من باب الفخر والحق، ولكن لحماية مصالحها الاقتصادية والأمنية المتزايدة.
وتم إنكار الصدع من كلا البلدين في البداية، ولا يزال السعوديون والإماراتيون يشتركون في العديد من الأهداف، مثل مواجهة العدوان الإيراني، وإحباط الحركات الإسلامية السياسية في الداخل والخارج، ودعم المستبدين ذوي التفكير المماثل الذين يشاركونهم اهتمامهم الشديد بمنع ربيع عربي آخر، لكن من المرجح أن يتزايد التنافس على النفوذ والسلطة مع سعي السعوديين إلى إعادة تأكيد دور قيادتهم لسياسات الخليج، بينما تسعى الإمارات إلى تحقيق أهداف مستقلة تتماشى مع ضروراتها الاقتصادية.
ويرجح دن أن تكون المنافسة أكثر وضوحا في اليمن وفي تحالف أوبك+، وعلى نطاق أوسع في المجال الاقتصادي، حيث يتنافس البلدان على جذب الاستثمار الأجنبي المباشر والتجارة والسياحة.
وعلى المستوى الدبلوماسي، يرجح دن تنافس السعودية والإمارات على تولي دور الحكم الإقليمي، كما فعلت الإمارات في فبراير/شباط الماضي من خلال ترتيب مكالمة هاتفية للمساعدة في رأب الصدع بين قطر والبحرين، وكما تفعل السعودية في السودان.
الولايات المتحدة
وبالنسبة للولايات المتحدة، قد يؤدي انسحاب الإمارات من القوات البحرية المشتركة في مايو/أيار الماضي وتنافسها مع السعودية إلى تعقيد الجهود المبذولة لبناء هيكل أمني إقليمي أقوى لمواجهة إيران، مثل تحالف الدفاع الجوي المأمول في الشرق الأوسط.
كما أن الاختلاف الحاد بين السعوديين والإماراتيين بشأن العلاقات مع إسرائيل سيجعل جهود الولايات المتحدة أكثر صعوبة لدمج إسرائيل في المنطقة، وهو هدف سياسي رئيسي لإدارة بايدن.
وتواجه السياسة الأمريكية صعودًا شاقًا بسبب حقيقة أن كلا البلدين لهما مصلحة في إظهار استقلالهما عن واشنطن وقد يتنافسان بشكل متزايد لبناء علاقات أقوى مع الصين.
ومن ناحية أخرى، من المرجح أن يسعد كلا البلدين برد الجيش الأمريكي على محاولات سفن البحرية الإيرانية الاستيلاء على ناقلات نفط عابرة للخليج في استمرار لمثل هذا السلوك منذ عام 2019.
ومع ذلك، يرى الزميل غير المقيم بالمركز العربي في واشنطن أن الولايات المتحدة يمكنها استغلال المنافسة بين السعوديين والإماراتيين للحصول على الفوائد التي تمنحها العلاقات السياسية والعسكرية الوثيقة، حيث يسعى السعوديون إلى ضمانات أمنية وتعاون نووي كثمن للانخراط في التطبيع مع إسرائيل، بينما تحاول الإمارات إتمام صفقة F-35.