تعهد متظاهرون كينيون بمواصلة الاحتجاج ضد زيادات الضرائب الجديدة، يوم الأربعاء، ورد الرئيس ويليام روتو بنشر الجيش لتأمين العاصمة نيروبي وقطع الإنترنت، بعد يوم من المواجهات مع الشرطة واقتحام مقر البرلمان وإحراق أجزاء منه وسقوط قتلى وجرحى.
وبدأت الاحتجاجات قبل أسبوع رفضاً لقانون الضرائب الجديد، لكنها بلغت ذروتها يوم الثلاثاء، مع تمرير النواب لمشروع قانون معدل.
وأطلقت الشرطة النار على الحشود التي حاولت اقتحام البرلمان، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 22 شخصاً وإصابة العشرات، وشهدت العاصمة نيروبي دوريات للشرطة المسلحة في أنحاء متفرقة.
وأفاد مراسل بي بي سي في مكان الحادث أنه رأى جثثًا ملقاة في الشارع وسط برك من الدماء.
وبدأ المحتجون الحشد لمظاهرات كبيرة يوم الخميس، وأطلقوا حملة على مواقع التواصل الاجتماعي تحت وسم أو هاشتاغ #tutanethursday، ويعني "أراك يوم الخميس" بمزيج من اللغة السواحيلية والإنجليزية.
وأدانت الولايات المتحدة ما يجري في كينيا، وقال البيت الأبيض إنه يدين "العنف بجميع أشكاله"، مشيرا إلى أنه "يراقب الوضع في نيروبي عن كثب" بحسب متحدث باسم مجلس الأمن القومي.
وأبدت الولايات المتحدة وأكثر من عشر دول أوروبية بينها ألمانيا وفرنسا وبريطانيا "قلقها العميق" إزاء أعمال العنف، داعية إلى الهدوء.
حركة احتلال البرلمان
تفاقم التوتر تدريجيا يوم الثلاثاء في المنطقة التجارية في نيروبي حيث خرجت تظاهرة هي الثالثة خلال ثمانية أيام لحركة معروفة باسم "احتلال البرلمان"، لمعارضة مشروع ميزانية 2024-2025 الذي ينصّ على فرض ضرائب جديدة.
وقالت المتظاهرة إليزابيث نيابيري، وهي محامية تبلغ 26 عاما، "نحن صوت الشباب في كينيا".
وأضافت "إنهم يطلقون الغاز المسيل للدموع علينا، لكننا لا نكترث. نحن هنا للتحدث نيابة عن جيلنا وعن الأجيال القادمة".
وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية وصلت ثلاث شاحنات عسكرية لتعزيز الشرطة وحماية المنطقة المحيطة بالبرلمان الكيني، حيث كان عشرات المتظاهرين يواجهون الشرطة.
واندلعت اشتباكات ظهر الثلاثاء، بعدما تقدّم متظاهرون نحو منطقة تضم منشآت حكومية رسمية، أبرزها البرلمان والمحكمة العليا ومقر بلدية نيروبي.
واخترق المتظاهرون حواجز الشرطة ودخلوا مقرّ البرلمان، بعد إعلان النواب الموافقة الأولية على تعديلات مشروع قانون الموازنة وزيادة الضرائب، ومن المقرر أن يتم التصويت عليه بحلول 30 يونيو/حزيران.
قطع الإنترنت
ومع حلول المساء أحرق المتظاهرون أجزاء من البرلمان، وتحدث صحفيون عن تعطل شبكة الإنترنت في البلاد، كما أكدت منظمة "نيت بلوكس"، المعنية بمراقبة الأمن السيبراني وإدارة الإنترنت عن "اضطراب كبير" في خدمة الإنترنت في كينيا الثلاثاء.
وأشارت المنظمة إلى أن السلطات الكينية أكّدت الاثنين أنها لن تقطع الإنترنت، وقالت "لا نخاف شيئا".
واندلعت مظاهرات في عدة مدن أخرى غير العاصمة، خاصة معاقل المعارضة في مومباسا (شرق)، وكيسومو (غرب)، وإلدوريت (غرب)، ونييري (جنوب غرب)، وناكورو (وسط) بحسب وسائل إعلام محلية.
وانطلقت حركة "احتلال البرلمان" على وسائل التواصل الاجتماعي عقب تقديم الحكومة مشروع ميزانية 2024-2025 إلى البرلمان في 13 يونيو/حزيران، الذي ينص على فرض ضرائب جديدة بينها ضريبة القيمة المضافة وتطبيقها بنسبة 16 في المئة على الخبز، وفرض ضريبة سنوية بنسبة 2.5 في المئة على السيارات الخاصة.
وتقول الحكومة إن هذه الضرائب ضرورية لاستعادة توازن البلد المثقل بالديون.
"رحيل الرئيس"
وبعد بدء الاحتجاجات، أعلنت الحكومة في 18 يونيو/حزيران التراجع عن معظم إجراءات الضرائب، غير أن المتظاهرين واصلوا تحركهم مطالبين بسحب كامل للموازنة والتراجع عن كل الضرائب المقررة، خوفا من أن الحكومة سوف تقوم بفرض ضرائب بأشكال أخرى منها زيادة الوقود بنسبة 50 في المئة.
وتحول التحرك الذي بدأه أساسا شباب إلى حركة احتجاجية واسعة تنتقد سياسات الرئيس وليام روتو، الذي أعرب الأحد عن استعداده للتواصل مع المتظاهرين.
وتقول ستيفاني وانغاري، 24 عاما، وهي عاطلة عن العمل "لا نخاف شيئا"، "لم يف روتو بوعوده أبدا ولم يتمكن حتى من توفير وظائف للشباب. نحن متعبون. فليرحل".
واستمرت الاحتجاجات طوال الأيام الماضية قبل أن تبلغ ذروتها يوم الثلاثاء، وفُتل شخصان في العاصمة نيروبي قبل تظاهرات الثلاثاء، وأُصيب العشرات في مواجهات مع الشرطة التي اعتقلت مئات آخرين.
الرئيس يتوعد
وفي خطاب ألقاه مساء الثلاثاء، توعد الرئيس ويليام روتو، المتظاهرين باستخدام "كل الوسائل" لإحباط أي محاولات من جانب "المجرمين الخطرين لتقويض أمن واستقرار بلدنا"، وأعلن نشر الجيش لقمع الاحتجاجات.
وقال ديريك مواتو البالغ من العمر 24 عاما لبي بي سي، في إشارة إلى بعض المقترحات الواردة في مشروع القانون الأصلي: "هناك بعض الأشياء التي يصعب فهمها، مثل كيف يمكنك فرض ضريبة بنسبة 16 في المئة على الخبز؟ كيف يمكنك فرض ضريبة على الفوط الصحية؟"
لكن الرئيس روتو وصف المتظاهرين بأنهم مجرمون، قائلا "ليس من المنطقي أو حتى من المعقول أن يتمكن المجرمون، الذين يدعون بأنهم متظاهرون سلميون، من إثارة الرعب ضد الشعب وممثليه المنتخبين والمؤسسات التي أنشئت بموجب دستورنا، ويتوقعون الإفلات من العقاب".
وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، عن حزنه لوقوع وفيات وإصابات جراء الاحتجاجات ومن بينهم من يعمل في الصحافة والقطاع الطبي، وحث السلطات الكينية على "ممارسة ضبط النفس"، ودعا إلى أن تكون جميع المظاهرات سلمية.
ووردت أنباء عن إصابة المئات، بالرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع. وفي كاتدرائية في نيروبي حيث أقيم معسكر طبي لرعاية المتظاهرين المصابين، شهد مراسل بي بي سي، قيام الجنود بإجبار الأطباء على الخروج من المبنى. كما أقيمت وحدة مؤقتة أخرى خارج وحدة الطوارئ في مستشفى كينياتا الوطني.
ودخل الرئيس السابق أوهورو كينياتا، على خط الأزمة ودعا إلى الحوار، قائلا إن زعماء كينيا يجب أن "يعلموا أن السلطة والصلاحيات منحها لهم الشعب".
وقالت مورين أوور البالغة من العمر 23 عاما: "يجب أن يُسمَع صوتنا... نحن الجيل القادم، لذا فهم بحاجة إلى سماعنا".
وتصدرت الاحتجاجات عناوين الصحف في جميع أنحاء أفريقيا وأجزاء أخرى من العالم.