• الساعة الآن 09:37 PM
  • 21℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

الحديدة .. فقر وحرارة وظلام

news-details

خاص | النقار

فصل الصيف هذا العام شديد الحرارة، هكذا تبدو ملامحه منذ البداية، درجة الحرارة فيه مخيفة وقاتلة، في ظل واقع يعج بالفقر والعجز والحرمان، وهنا علينا التوقف عن كل شيء، لنتحدث فقط عن أشد المدن اليمنية حرارة وفقرًا وتغييبًا عامًا، عن مدينة الحديدة، عن أشد بقاع اليمن لهيبًا وعجزًا وخذلانا. 

مدينة الحديدة تعاني دائمًا بصمت، مع بقية مديرياتها المترامية بالحر والفقر والمعاناة، مدينة بلا كهرباء، بلا مكيفات، بلا نداءات، بلا استغاثات، بلا هشتاقات، بلا سلطة ترعى مواطنيها في قهر الجحيم، طلاب الحديدة يخلعون ملابسهم من حرارة المدرسة، وعلى دفاترهم يكتبون عن ضيق العيش والحرمان، يذاكرون دروسهم في الشوارع، يعيشون زمانهم في الأزقة، يتنفسون هواءهم في الحرارة، يلتحفون لياليهم تحت ظلام السماء الواحدة، وأطفالها الصغار مع عجائزها الكبار مرغمون فيها على الويل والعجز والحرمان، ومن حرارة الزمان والمكان يصيغون أحلامهم البسيطة والضئيلة جدًا، أحلام الكهرباء الرخيصة، والكرامة المنتهكة، والدولة التي تشفق على الفقراء المساكين ببعض الكهرباء. 

الكهرباء المجانية لمدينة الحديدة ومديرياتها أكثر أهمية من الغذاء العابر خلال الموانئ والواردات، وأكثر الحاحًا من البترول السائر من طرقاتها إلى بقية المحافظات، لا خير في السلطة إن تجاهلت الحديدة وكارثة انقطاع الكهرباء وأسعارها التجارية المهوّلة، هذا الأمر لا يصدق، ولا يمكن وصفه بكلمات بعيدة، عن مدينة تحوي المئات من الفنادق العملاقة والمكيفة والمكهربة، مدينة يزورها الأغنياء السائحون بأموالهم وسياراتهم وابتسامات أبنائهم، ليقضون حياتهم تحت سقوف المباني العامرة بالهواء والتكييف، بينما البشر المتروكون بجوارهم يحترقون من ويل الزمان وحرارة المكان، دون أن يلتفت لهم العابرون والمتصيفون فيها. 

أبناء الحديدة، ليس لهم الحق في الحياة، وليس لهم الحق في السلطة والسياسة والحقائب والمناصب والثروات، لهم الموت فقط، والحر والضيق والقهر والصواريخ المارقة منتصف الظلام، لهم درجات الحرارة بأقصى ارتفاعاتها وشدتها، وهم البضاعة الرائجة في الإستعطاف والإستغلال والمتاجرة، وأعظم ما سيقدمونه لهم صورًا تبكي العالم للشفقة والبكاء. أبناء تهامة صاروا بشرًا للبكاء فقط، جدارًا كـ مبكى النائحات، لا أحد يعترف بهم غير الحر والمعاناة، ولا ينظر لهم الا الجوع والموت واللعنة المتلاحقة من الإستغلال الرخيص. 

شارك الخبر: