• الساعة الآن 09:56 AM
  • 17℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

عودة للحرب؟ أم تلويح بها؟

news-details

خاص | النقار
 

لا يبدو أنه مجرد تلويح، فاللغة المتشنجة التي تبدت من خطابات ومواقف قيادات أنصار الله وسلطة صنعاء كانت من الحدة بحيث لا يخفى مقدار الغيظ الناجم عن قرارات بنك عدن.

جاءت خطوة البنك عبر قرارين الأول يتمثل بسحب العملة الورقية ما قبل 2016 تمهيدا لإلغائها، والثاني بوقف التعامل مع ستة بنوك رئيسية في صنعاء، ضربة رأت سلطة صنعاء أنها بمثابة إعلان حرب عليها حيث وضعتها في مخنق ضيق، لكنها في نفس الوقت لم تلتفت إلا إلى السعودية محملة إياها المسؤولية الكاملة دون أن تنوه بسلطة العليمي في شيء.

ليست سلطة صنعاء وحدها من استشعرت خطورة تلك الخطوة، بل ‏ضج الشارع هو أيضا بمخاوف ربما لن تلتفت إليها جماعة أنصار الله الحاكمة، حيث شعر المواطن البسيط يأنها مسته هو وليس هم، وأنه ‎إذا لم يكن هناك تدخل أو ضغط أو تراجع لتلك الخطوة فإن الناس سيتجرعون ما لا يطيقون.

على الفور أعلن زعيم أنصار الله  عبدالملك الحوثي حالة استنفار غير معهودة في خطابه الأسبوعي، رابطا الضغط على البنوك في صنعاء "ضمن الخطوات الأمريكية دعماً للكيان الإسرائيلي"، حيث "الأمريكي يحاول أن يورط السعودي في الضغط على البنوك في صنعاء، وهي خطوة عدوانية ولعبة خطيرة".

وأن يصف زعيم الجماعة الخطوة بالعدوانية واللعبة الخطيرة معنى ذلك أنه سيصعد من لهجته بالقول: "أوجه النصح للسعودي ليحذر من الإيقاع به من قبل الجانب الأمريكي خدمة للعدو الإسرائيلي"، مضيفا أن "استهداف البنوك في صنعاء عدوان في المجال الاقتصادي، وإذا تورط السعودي خدمة لإسرائيل سيقع في مشكلة كبيرة".

المتحدث الرسمي للجماعة محمد عبدالسلام أكد أن "إشعال الحرب على البنوك اليمنية العاملة في العاصمة صنعاء خطوة خطيرة يقف خلفها الأمريكي الذي يسعى لتوريط دول أخرى ومنها السعودية في حرب تجويع الشعب اليمني".

في المقابل تبدو المواقف الرسمية لحكومة عدن معنية بما تسميه تثمين "الجهود التي يبذلها الأشقاء في السعودية والامارات لدعم ملف الاقتصاد والمساعدة في تقديم الخدمات الاساسية للشعب اليمني"، حسب ما ذكر عبد الله العليمي نائب العليمي الآخر الغارق في مجلس قيادة بلا مجلس وبلا قيادة.

العليمي العضو اعتبر أن "دعم إجراءات البنك المركزي مطلوب شعبيا واقليميا ودوليا لمواجهة الصلف الحوثي وإنقاذ الاقتصاد الوطني والمضي نحو سلام عادل وشامل". وإذا كانت "مواجهة الصلف الحوثي" هي نفسها العبارة المستهلكة منذ عقد من الزمن بالنسبة لحكومة العليمي ومن قبلها حكومة هادي، فإن عبارة "إنقاذ الاقتصاد الوطني" لا أحد يعرف ما المقصود منها بالضبط وعن أي اقتصاد وطني يتحدث العليمي العضو.

جاء اليوم التالي لقرار بنك عدن بمؤتمر صحفي لمحافظه أحمد غالب المعبقي أكد فيه أن القرار الخاص يإيقاف التعامل مع بعض البنوك العاملة في صنعاء "سيادي ذو طابع نقدي ومصرفي وليس له أي صلات بأي أحداث أو جهات محلية أو إقليمية أو دولية"، مشيرا إلى أن "البنك يعمل وفقاً للقانون وليس التوجيهات أو التوجهات، وأن البنك ماض في تنفيذ القرار بكل مراحله ووفق الخطة المقررة".

المعبقي حاول ألا يعطي صورة بعدم التراجع والعدول عن القرار، مشددا على "انفتاح البنك للحوار من أجل الوصول إلى حلول لكل الإشكالات التي تعيق عمل القطاع المصرفي في اليمن، وتضمن عمله بحيادية وفقاً للقوانين ورقابة البنك المركزي اليمني".

بل وأوضح أن البنوك الستة التي استهدفها القرار ومنع التعامل معها، وهي بنك التضامن وبنك الأمل ومصرف اليمن والبحرين وبنك الكريمي وبنك اليمن الدولي وبنك اليمن والكويت، مبرأة من أية شبهة، محذرا "من محاولة استغلال القرار لتصفية حسابات مع البنوك التي شملها القرار"، موضحاً أن "هذه البنوك هي أكبر البنوك العاملة في اليمن ولم ترتكب أي جرائم لغسيل الأموال أو تمويل الإرهاب وإلا كان تم إيقافها وإغلاقها بشكل نهائي".

سرعان ما أعلن بنك صنعاء بدوره الرد بالمثل على قرار بنك عدن، وذلك بإعلانه حظر التعامل مع 13  كيانا من البنوك العاملة في عدن، وهي: بنك القطيبي الإسلامي للتمويل الأصغر، بنك البسيري للتمويل الأصغر، بنك عدن الإسلامي للتمويل الأصغر، بنك عدن الأول الإسلامي، البنك الأهلي اليمني - عدن، بنك التسليف التعاوني الزراعي - عدن، بنك الشمول للتمويل الأصغر الإسلامي، بنك السلام كابيتال للتمويل الأصغر الإسلامي، بنك تمكين للتمويل الأصغر، بنك الإنماء للتمويل الأصغر، بنك الشرق اليمني للتمويل الأصغر الإسلامي، بنك حضرموت التجاري، بنك بن دول للتمويل الأصغر الإسلامي.

وجاء في القرار الذي أصدره الينك مساء الجمعة أنه "يحظر على المؤسسات المالية وغير المالية والخارجية والأفراد التعامل مع أي من تلك الكيانات"، وأن "كل من يخالف هذا القرار سيقع تحت طائلة المساءلة والعقوبات القانونية".

مراقبون رأوا في الفعل وردة الفعل من قبل البنكين المتصارعين إيذانا حقيقيا بشيء يخشاه اليمنيون أكثر من أي شيء آخر: أن يستفيقوا على وطن لم يعد واحدا.

كما رأى المراقبون في قرار بنك صنعاء ردا تشنجيا ليس فيه من فائدة ترتجى حتى بالنسبة له، ولا من ضرر قد يمس بالطرف الآخر كون البنوك التي استهدفها ليسب بحضور البنوك التي استهدقها بنك عدن بالنسبة للمناطق الخاضعة لسيطرة أنصار الله.

الغريب في قرار صنعاء، بحسب المراقبين، هو أنه لم يتطرق إلى مسألة سحب العملة المطبوعة ما قبل 2016، والتي يعتبرها هي العملة القانونية. هذه الورقة ظلت حتى وقت قريب هي الورقة الرابحة في يد بنك صنعاء، وأن يتم تجريده من تلك الورقة معناه بكل بساطة انهيار تام للبنك، وهو ما يتوقعه كثير من المراقبين إن تمكن بنك عدن من تحقيق تلك الخطوة.

كما توقعوا أن يصدر عن البنك قرار بهذا الشأن، لكن لا يدرون ما هي طبيعة ذلك القرار بالضبط، هذا إن كان البنك نفسه يعرف شيئا بهذا الخصوص.

لكن ها هو بنك صنعاء يجيء بقراره الثاني بذلك الخصوص والذي بدأه بـ: "حفاظا على أموال ومدخرات المواطنين في المحافظات المحتلة والذين بحوزتهم مبالغ مالية من العملة القديمة... فإن البنك يعلن أنه سيقوم بتعويض المبالغ من العملة القانونية... بما يقابلها من القيم الحقيقية بالعملة غير القانونية...".

فعن أي عملة قانونية يتحدث بنك صنعاء هنا تبقت لدى المواطني في ما سماه المحافظات المحتلة وبأنه سيقوم بسحبها منهم مقابل تعويضهم بما يقابلها من العملة غير القانونية؟ والسؤال الأهم: أليست تلك الخطوة تكريسا فعليا للانفصال؟

تبقى لغة المواطن البسيط هي التي يمكن أن تصدق مثلما تصدق دائما، وهي تقول بأن المواطن شمالا وجنوبا هو المتضرر الوحيد من كل السياسات الكارثية لأطراف الصراع والتي قادت وتقود البلد إلى الهاوية.

شارك الخبر: