خاص – النقار
بعد مضي أشهر على اعتقاله ومُقاساته أصعب الظروف الصحية في سجن المخابرات، أحالت سلطات "أنصار الله" ملف القاضي عبدالوهاب قطران من جهاز الأمن والمخابرات بصنعاء إلى النيابة الجزائية المتخصصة، وهي نيابة استثنائية تعنى بالقضايا الجسيمة التي ترتبط بالإرهاب وتمس أمن الدولة.
وعلمت "النقار" أن إحالة قطران إلى النيابة جاءت للتحقيق معه بتهمة مستحدثة هي إطلاق أخبار وشائعات تحريضية ضد سلطات "أنصار الله".
ما كان منسوبا إلى القاضي قطران هو صنع الخمور والمتاجرة بها وتعاطيها، وقد تم اقتحام منزله والتشهير به في بداية اعتقاله، في الثاني من يناير 2024، بعد أن أظهر مسلحو الجماعة زجاجات خمور أكد نجل قطران أن الجماعة زعمت أنها عثرت على الزجاجات في المنزل. وعلى هذا الأساس اعتُقل القاضي قطران وتمت مصادرة الهواتف وحواسب العائلة ولم يتم إعادتها. وبشأن هذه الخمور ظهر نجل قطران في وقت سابق بمقطع فيديو ليرد على الجماعة بقوله: "هذا المنزل منزل قاضٍ وبيتُ فقه".
الآن وبعد مرور الأشهر الخمسة العجاف دون إثبات تهمة واحدة على قطران، يؤكد المحامي عبدالمجيد صبرة أنه تم إلصاق تهمة التحريض "ضد قيادة الثورة والسلطات الرسمية". وقد تمت إحالة ملف القاضي المعتقل إلى النيابة الجزائية الابتدائية المتخصصة للتحقيق معه في التهمة المزعومة.
وقد مهدت الجماعة للانتقام من قطران المعروف بإبداء آراء حرة حول الأوضاع الراهنة التي تعيشها صنعاء. فبعد اعتقاله بأكثر من شهر، في 12 فبراير 2024، أصدر مجلس القضاء الأعلى بصنعاء الذي يرأسه القاضي أحمد يحيى المتوكل، قرارا برفع الحصانة القضائية من القاضي عبدالوهاب قطران، تمهيدا لمباشرة إجراء تحقيقات معه، دون أن يتم توضيح في قرار رفع الحصانة ما هي التهمة أو مجموعة التهم المنسوبة إلى قطران، والتي بناء عليها تم رفع الحصانة.
المحامي عبدالمجيد صبرة يؤكد أن سلطات "أنصار الله" تعمدت تشويه سمعة القاضي عبدالوهاب قطران لدى الجميع من خلال ادعاء وجود خمر في منزله، وبعد ذلك اعتقاله وإيداعه في جهاز الأمن والمخابرات في "زنزانة انفرادية"، ومنع الزيارة والاتصال عنه قبل أن يُسمح له بذلك لاحقا. وفي مكالمة مع نجله قال قطران من سجنه الانفرادي: "أنا ميت".
وكانت سلطة "أنصار الله" أرسلت قضية قطران إلى المحكمة الجزائية المتخصصة لكن المحكمة اعتذرت لأن التهمة الموجهة إليه "حيازة الخمر" ليست من اختصاصها وفق ما علمته "النقار". وجاء ذلك بعد أن تعهدت الجماعة بالإفراج عن قطران مع حلول عيد الفطر الماضي ولم تنفذ تعهدها.
وفي صنعاء يتم ترهيب واعتقال كل منتقدي الأوضاع أو من يطالبون بحقوقهم المكفولة قانونا، ويتم احتجازهم في ظروف غير آدمية وتلفيق التهم لهم، حتى ينتهي بهم الأمر إما إلى إلصاق تهم مختلقة بالتجسس والتخابر تمهيدا لتصفيتهم، أو ينتهي بهم المطاف إلى الموت في السجن تحت التعذيب وفي ظل ظروف صحية بالغة الصعوبة.
قتلُ القانون بزعم القانون
يقول المستشار القانوني عبدالوهاب الخيل، والذي يعرف نفسه بأنه ناشط حقوقي محسوب على جماعة أنصار الله، إنه لا يتنازل للوقوف مع القاضي المعتقل عبدالوهاب قطران، مبررا ذلك بأن "ضبط معصرة الخمر في منزله أمر حقيقي وليس محاولة لتشويه السمعة".
ويصف الخيل عملية الاقتحام والقبض على قطران بأنها "تمت وفقا للإجراءات القانونية الصحيحة وبإذن من النيابة العامة المختصة، طبقا للإجراءات والشروط المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجزائية".
الخبير القانوني والمحامي عبدالله الثور يرد على مثل هذا الطرح، بقوله إن أقرب دليل يسقط دعوى حيازة الخمر هذه هو أن السلطات فيما بعد قررت إحالة قطران إلى النيابة الجزائية بتهمة غير تلك التي تم اعتقاله بناء عليها.
ويوضح الثور في تصريح لـ"النقار": "يجب النظر إلى خلفيات اعتقال قطران، بالعودة إلى ما قبل اعتقاله، فقد تم التضييق عليه واستهدافه في منصات التواصل الاجتماعي لكونه كان ناشطا معارضا لكثير من السياسات التي تنتهجها الجماعة، ولم يتبق إلا المدخل الجنائي الذي من خلاله تتذرع به الجماعة اعتقال قطران، وكان أمامهم ورقة مكشوفة هي الخمر، وأعتبر ذلك غباء سياسيا مفرطا، فضلا عن كونه مخالفة للقانون".
ويتابع القانوني الثور: "لأن استهداف قطران لم يكن وليد اللحظة التي تم فيها التشهير به بقصة الخمر، فإن هذه القصة برمتها قابلة للدحض بأبسط القرائن، أبرزها أنه لم يتم إحالة قطران إلى المحاكمة في ساعتها أو حتى بعد شهر من اعتقاله، بل على العكس تمت مماطلة القضية لإبقائه تحت قيود السجن وهذا إجراء انتقامي أكثر منه تأجيلا قانونيا، وبسبب ذلك دخل قطران في إضراب عن الطعام".
ويضيف: "ثانيا الجماعة أحالت ملف قطران وقد تم ملؤه بالمزاعم المرتبطة بالخمر، إلى المحكمة الجزائية، لكن المحكمة اعتذرت لأن هذه القضية ليست من اختصاصها، والجماعة تريد محاسبة قطران كـ(إرهابي) أساسا، لذا لابد أن يتم تلفيق تهمة جديدة له مرتبطة بكونه محرضا وناشرا لأكاذيب ضد سلطة أنصار الله، ومن ثم إعادة محاكمته على هذا الأساس".
وبحسب القانوني الثور فإن "هذا الأساس هو نفسه الذي يقتل القانون ويلتف عليه وعلى إجراءاته، والذي يقول إن اعتقال قطران تم بناء على أساس قانوني سليم وبإجراءات قانونية سليمة، ندعوه إلى إعادة النظر في ما يتم اليوم من إلصاق تهمة نشر التحريض بقطران، والتعرف على كيفية التفاف أنصار الله على القانون بالقوة وحرف مجريات القضية من عناصر معينة إلى عناصر أخرى جديدة".
ويختتم الثور حديثه لـ"النقار" بقوله: "لنتساءل ما هو الذي يثبت حيازة قطران للخمور، وهل هذا أصلا من اختصاص المخابرات؟"، مردفا: "لا أساس لهذا لأن أنصار الله حتى الآن لم يثبتوا صحته وأبعاده الكاملة، لكن اتهامهم لقطران بالتحريض ضد السلطة مبني ربما على منشورات انتقد فيها السلطة على الإنترنت، ومن هذه الناحية ليس هناك قانون يمنع انتقاد السلطة، والذين يكتبون ضد أنصار الله كثيرون وليس قطران وحده الذي تحدث عن سوء الأوضاع، وهذا يستدعي إعادة نظر السلطة في أخطائها بدلا من اعتقال الناس".
من جانبه يرى المحامي بشير عبدالله في حديث لـ"النقار" أن وضعية القمع التي يعيشها سكان صنعاء والتخويف الذي يطال المنتقدين، يتزامن مع ترويج أنصار الله لأنفسهم كمدافعين عن الفلسطينيين الذين يتعرضون للتنكيل من قبل الصهاينة، في الوقت الذي تنطبق فيه المطالبة بالحقوق على اليمنيين أيضا.
ويرى بشير أن سلطة "أنصار الله" حولت قضية قطران إلى أبعاد "أكثر تعقيدا"، حيث إن "تعهد السلطة سابقا بالإفراج عنه كان يوحي بأن القضية قد تنحو منحى مرنا لكون التهمة من البداية ملفقة، لكن إلصاق الإرهاب بقطران لا يبشر بخير من السلطة، لأن الجماعة وضعت قطران في رأسها، وستبذل كل جهودها للتبخيس من قيمة قطران والحط من شأنه وتقديمه كمجرم دون أن يكون هناك جريمة".