كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية عما جرى خلال فترة البحث عن الطائرة التي كانت تقل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، واستغرقت 17 ساعة، وكيف تعامل المسؤولون الإيرانيون مع الحادثة التي أودت بحياة الرئيس ووزير الخارجية ومسؤولين آخرين.
وقالت الصحيفة إنها استقت معلوماتها لما حدث في الساعات التي تلت الحادث من روايات كبار المسؤولين الإيرانيين الذين كانوا يسافرون مع الرئيس وكذلك تقارير التلفزيون الحكومي وبيانات حكومية.
كذلك استعانت الصحيفة بتقارير مفتوحة المصدر ولقطات فيديو وتصريحات خمسة مسؤولين إيرانيين، بينهم اثنان من الحرس الثوري وثلاثة دبلوماسيين إيرانيين ونائب رئيس سابق والعديد من الصحفيين الإيرانيين ومصور كان حاضرا في مركز إدارة الأزمات قرب مكان الحادث وشارك في عمليات البحث.
تقول الصحيفة إنه ومع بدء عمليات البحث عن المروحية المفقودة، تحركت إيران للسيطرة على التهديدات المحتملة من الخارج والاضطرابات في الداخل.
وتضيف أنه وقبل وقت قصير من الشروع في رحلة المروحية يوم الأحد، أجرى رئيسي والوفد المرافق له من كبار المسؤولين صلاة جماعية، واقترح أحدهم تناول الغداء، لكن الرئيس اعترض قائلا إنه في عجلة من أمره للوصول إلى وجهته التالية.
استقل رئيسي الطائرة وجلس بجوار النافذة، فيما توقف وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان لالتقاط صورة مع حشد من الناس كانوا يتجمعون على المدرج.
وفي حوالي الساعة الواحدة بعد الظهر، أقلعت قافلة مكونة من ثلاث طائرات هليكوبتر من مهبط للطائرات العمودية على حدود إيران مع أذربيجان، وكانت طائرة الرئيس في المنتصف، وبعد حوالي نصف ساعة من الرحلة، اختفت مروحية الرئيس.
بحسب الصحيفة فقد حاول المسؤولون الاتصال بهواتف ركاب مروحية الرئيس، لكنهم لم يردوا، حتى أجاب أحدهم، وهو إمام جمعة مدينة تبريز محمد علي الهاشم، وكان مصدوما، بالقول: "لا أعرف ماذا حدث.. انا لست على ما يرام". وبعد ساعتين، توقف هاتفه أيضا عن العمل.
ومع بدء عملية بحث محمومة استمرت 17 ساعة، بدأ المسؤولون الحكوميون جهودا حثيثة لتفادي أي تهديدات محتملة، وخاصة الاضطرابات في الداخل.
وبينما كان المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي يطمئن مواطنيه من على شاشة التلفزيون الرسمي بأنه لا داعي للخوف من أي خلل في أمن البلاد، وضعت إيران قواتها المسلحة في حالة تأهب قصوى، خوفا من قيام إسرائيل أو تنظيم داعش بتنفيذ ضربات سرية.
كذلك جرى توجيه التغطية الإعلامية للحادث، حيث تم التحكم بتدفق المعلومات وحظر أي معلومة تشير إلى وفاة الرئيس.
بالمقبل نشرت السلطات رجال أمن بملابس مدنية في شوارع طهران وغيرها من المدن الكبرى لمنع الاحتجاجات المناهضة للحكومة أو الاحتفالات بوفاة رئيسي.
كما قامت وحدات الأمن السيبراني التابعة للشرطة ووزارة الاستخبارات بمراقبة منشورات الإيرانيين على وسائل التواصل الاجتماعي.
كيف اختفت الطائرة؟
في ذلك اليوم، سافر رئيسي ووفد من كبار المسؤولين إلى الحدود الإيرانية مع أذربيجان لافتتاح مشروع سد مشترك.
وأظهرت مقاطع فيديو نشرتها وسائل الإعلام الرسمية، كيف أقلعت المروحيات الثلاث التي كانت تقلهم، والسماء ملبدة بالغيوم.
كان على متن المروحية التي كانت تقل رئيسي وأمير عبد اللهيان وإمام جمعة تبريز، مالك رحمتي، محافظ أذربيجان الشرقية؛ والعميد مهدي موسوي رئيس وحدة حماية الرئيس الإيراني.
اتبعت المروحيات مسار الرحلة المخطط له، لكن بعد وقت قصير من إقلاعها واجهت ضبابا كثيفا في واد بين الجبال.
كان وزير النقل مهرداد بازرباش ورئيس ديوان الرئاسة غلام حسين إسماعيلي، على متن المروحية التي في المقدمة، وبمجرد خروج مروحيتهم من الضباب سمعوا ضجة في قمرة القيادة.
عندها سأل بازرباش الطيار عما يحدث، حسبما قال للتلفزيون الحكومي وهو يتذكر تلك الساعات الأولى، ليخبره الطيار أنهم فقدوا أثر مروحية الرئيس ولم تعد تستجب للمكالمات اللاسلكية، مما يشير إلى أنها ربما قامت بهبوط اضطراري.
قال بازرباش إن الطيار استدار وحلق حول المنطقة عدة مرات، لكن الضباب حجب الرؤية وكان الهبوط في الوادي خطيرا للغاية.
تعتيم
في النهاية هبطت المروحيتان في منجم للنحاس قريب من مكان الحادث، تحول فيما بعد لمركز مخصص لإدارة الأزمات، يضم مئات المسؤولين والقادة العسكريين وحتى المتنزهين وراكبي الدراجات النارية على الطرق الوعرة، كما قال أزين حقيقي، وهو مصور من تبريز كان في الموقع.
في مقابلة مع التلفزيون الرسمي، قال إسماعيلي إنه اتصل بهواتف رئيسي وأمير عبد اللهيان والهاشم ومسؤول آخر، لكنهم جميعا لم يستجيبوا.
بعدها أجرى اتصالا بهاتف الطيار، لكن الهاشم هو من أجاب، وعندما سأله عن مكانه وما الذي جرى وإذا كان بإمكانه أن يعطي إشارة للعثور على موقعه ومصير الآخرين، أجاب: "أنا وحدي وسط الأشجار ولا أستطيع رؤية أحد".
وعندما ضغط عليه إسماعيلي للحصول على مزيد من التفاصيل، وصف رجل الدين مكانه بأنه في غابة بها أشجار محترقة.
وفي المكالمات اللاحقة، بدأ صوته يتلاشى، وبدا أكثر ارتباكا، وبعد حوالي ساعتين توقف عن الرد، وفقا للصحيفة.
اتصل بعدها بازرباش بالمركز الوطني لمراقبة الطيران لمعرفة إحداثيات المروحية، لكن الفنيين هناك لم يتمكنوا من تقديم سوى تقدير لمنطقة التحطم. وبسبب بعد الموقع لم يتمكنوا من تتبع إشارات الهاتف.
ظل الموقع الدقيق للطائرة المنكوبة غير معلوم، ولم تكن هناك أي إشارة من المروحية.
تقول الصحيفة إن الذعر بدأ يدب في المكان عندما أدرك المسؤولون أن طائرة الرئيس قد تحطمت بعنف وأن رئيسي، الذي كان يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه خليفة محتمل للمرشد الأعلى، وآخرين على متن الطائرة، إما أصيبوا بجروح خطيرة أو ماتوا.
وقال بازرباش في مقابلة مع التلفزيون الرسمي إن المسؤولين أبلغوا طهران وطلبوا إرسال فرق بحث وإنقاذ، لكن وصول هؤلاء استغرق ساعات، بسبب حالة الطقس والطرق الضيقة التي تلتف حول الجبال.
وأضاف بازرباش أن المسؤولين الذين كانوا متواجدين في منجم النحاس لم ينتظروا طواقم الطوارئ بل انطلقوا في سيارات مع أشخاص يعملون من المنجم.
ولكن نتيجة للضباب والرياح والأمطار، اضطروا إلى ترك سياراتهم والسير إلى القرى المجاورة، على أمل أن يتمكن السكان المحليون من مساعدتهم في العثور على موقع التحطم، لكن جهودهم باءت بالفشل، وعادوا إلى المنجم.
في طهران، أشرف محمد مخبر، النائب الأول للرئيس والذي يشغل الآن منصب الرئيس بالنيابة، على اجتماع اعتيادي لمجلس الوزراء.
وعلى الرغم من علمه بالحادث واحتمال وفاة رئيسي، إلا أنه واصل أعماله الحكومية وانتظر حتى نهاية الاجتماع ليخبر باقي أعضاء مجلس الوزراء بالحادث، وفقا للمتحدث باسم الحكومة.
بدوره دعا خامنئي، الذي تم إبلاغه بالحادث مباشرة بعد أن تأكد المسؤولون من اختفاء مروحية الرئيس، إلى اجتماع طارئ للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني في منزله، ونصح أعضاءه بالحفاظ على النظام وإظهار القوة، وفقا لعضو في الحرس الثوري ومسؤول حكومي تم اطلاعهم على الاجتماع، ولكن لم يُسمح لهم بمناقشته علنا.
فوضى وذعر
في الأثناء، اتصلت وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي بالمؤسسات الإعلامية ووضعت مبادئ توجيهية للتغطية، وأصدرت أمرا بعدم نشر أي تلميحات إلى أن الرئيس ومسؤولين آخرين قد يكونون قد ماتوا، حسبما قال أربعة صحفيين في إيران طلبوا عدم الكشف عن هويتهم خوفا من الانتقام.
قالت التقارير الأولية في الإعلام لحكومي إن مروحية الرئيس "هبطت بشدة".
وقال رجل أعمال ومحلل إعلامي إيراني، وكلاهما لهما عدد كبير من المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي، في مقابلات، إن وزارة الاستخبارات اتصلت بهما حوالي الساعة 6 مساء الأحد وطلبت منهم حذف أي منشورات حول الحادث.
وذكرت وكالة فارس للأنباء أن مخابرات الحرس الثوري اعتقلت شخصا "نشر معلومات غير دقيقة عن مروحية الرئيس".
ومع ذلك، بحلول الساعة 11 مساء يوم الأحد، طلبت وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي من وسائل الإعلام الحكومية دعوة الناس، الدعاء للرئيس وطلبت منها الاستعداد لإعلان رسمي في الصباح.
وبالعودة إلى المنجم، تولى الجنرال حسين سلامي، القائد العام للحرس الثوري، قيادة العملية هناك، واستقر في غرفة الاجتماعات حيث عرضت شاشة كبيرة خريطة ثلاثية الأبعاد لمنطقة التحطم.
يقول المصور أزين حقيقي إن الوضع كان عبارة عن فوضى حيث "كانت مجموعات البحث تخرج على دفعات وتعود قائلة إنه من المستحيل رؤية أي شيء".
ويضيف أنه "داخل مركز التحكم، كان الناس يصرخون، ويركضون من غرفة إلى أخرى ويائسون للحصول على أخبار".
جثث متفحمة
ومع أول ساعات الصباح يوم الاثنين، توجهت فرق الإنقاذ سيرا على الأقدام، بعد أن جرى الإعلان عن العثور على موقع تحطم الطائرة بمساعدة طائرات مسيرة.
يقول حقيقي إن الأمر استغرق ساعة ونصف لتسلق جبل شديد الانحدار ثم النزول عبر غابة موحلة.
لكن أول من وصل إلى الموقع كان راكبو الدراجات النارية المتطوعون، حيث يُظهر مقطع فيديو متداول أحدهم وهو يجري بين الأشجار ويصرخ: "الحاج آغا، الحاج آغا" في إشارة إلى الرئيس.
ووفقا لبيان الجيش الإيراني فقد تحولت المروحية إلى كرة من النار عند الاصطدام، مضيفا أن التحقيقات الأولية لم تظهر أي علامات على وجود استهداف للطائرة.
لكن الصحيفة أشارت إلى أن "العديد من المسؤولين تساءلوا عما إذا كانت البروتوكولات الأمنية قد تم الالتزام بها؟ ولماذا سافر الرئيس جوا في ظل ظروف عاصفة؟".
بعدها جرى العثور على جثتي رئيسي وأمير عبد اللهيان بالقرب من بقايا الطائرة، وقد احترقا بشكل لا يمكن التعرف عليه، وفقا لثلاثة مسؤولين إيرانيين واثنين من أعضاء الحرس الثوري والصحافي حقيقي، الذي شاهد الجثث.
بحسب الصحيفة فقد جرى التعرف على رئيسي من خلال خاتمه، وأمير عبد اللهيان عبر ساعته.