خاص | النقار
تتفنن سلطة صنعاء في استباحة معتقليها فيصبح مجرد السماح بزيارتهم في السجن كرما باذخا منها تجاههم وتجاه عائلاتهم. وذاك ما أصبح يلاحظه حتى نشطاء أنصار الله أنفسهم، فضلا عن البقية.
يكتب رئيس تحرير صحيفة لا التابعة للجماعة صلاح الدكاك منشورا علق فيه على خبر السماح لعائلة خالد العراسي بزيارته في السجن، قبل أيام، بالقول: "أن تقول إن عائلة الزميل خالد العراسي زارته في السجن، ليس هذا خبراً... الخبر أن تقول إن الزميل خالد العراسي عاد مع عائلته إلى البيت. وهذا ما لم يحصل حتى اللحظة".
يضيف الدكاك محتجا: "عندما تضرب عشرة قيود حول معصمي وساقي ثم تحررني من قيدين، لا أكون قد تحررت ولا تنتظر مني أن أشعر بالامتنان لك".
العراسي إعلامي كتب عن فساد حكومة، وقطران قاض كتب عن فساد سلطة، وكذلك فعل المهندس محمد المليكي، لكنه كتب عن فساد وزارة. وثمة من سيكتب عن فساد هيئة مكافحة فساد وسيلقى المصير ذاته.
في صفحة ما تتجمع وجوه أولئك المعتقلين كما لو كانت إفصاحا مؤلما عن حزن يضرب قلوب اليمنيين جميعا ولا ينتهي أثره إلا وقد أتى على كثير من أحلامهم. فاعتياد النظر إلى تلك الوجوه يسبب إحباطا بعمر سنين لا تنتمي للحاضر ولا للماضي ولا للمستقبل، هي سنين زمن لم يتوقف في عيون أولئك المعتقلين الذين تحولوا إلى مجرد صور، بثدر ما توقف في عيون عائلاتهم التي بهتها السهاد.
يتحمل محمد قطران، نجل القاضي المعتقل عبد الوهاب، الألم في كونه أصبح مجرد ناقل أوجاع لا يدري إلى من تنتمي، هل إلى والده أم إلى أمه وإخوته الصغار، أم إليه هو وقد شاخ ضعف عمره في ظرف الأشهر التي مرت على اعتقال أبيه، وكذلك الأمر بالنسبة لنجل خالد العراسي، وهو يحظى أخيرا بفرصة اللقاء بأبيه في مكان مازال لا يعرف أين هو بالضبط.
كأن على كل واحد من أولئك الأبناء أن يدفع ثمن كونه الابن البكر أو الأكبر لذلك المعتقل، وأن يواسي أمه وأباه معا وإخوته وعائلته والأصدقاء والأقارب بل وحتى السلطة وجهاز المعتقل، ولا يجد هو من يواسيه.
عداد الأيام يمضي ولا أحد يلتفت إليه سوى أولئك الذين يرصدون حركته البطيئة ويحسبونها بالدقة اللامتناهية. إنهم أبناء وزوجات وذوو المعتقلين الذين تعرضت وتتعرض مشاعرهم للانتهاك الأقسى والأشد والأفدح من قبل سلطة أقل ما يقال عنها أنها مصابة بالتبلد.