خاص – النقار
حالة من الرفض غير المعلن تسود البنوك الرئيسية في صنعاء بشأن تطبيق القرار الصادر عن البنك المركزي بعدن، والخاص بانتقال البنوك إلى عدن في غضون شهرين ينتهيان بنهاية شهر مايو الجاري، بعد إصدار سلطة جماعة "أنصار الله" عملة معدنية جديدة فئة 100 ريال.
وأكدت مصادر مصرفية في صنعاء لـ"النقار" رفض نقل البنوك من سوقها المركزية في صنعاء إلى عدن، لأسباب مرتبطة بالنطاق الجغرافي في صنعاء كسوق رئيسيةوبالتالي فقدان المزايا السوقية المتوفرة بصنعاء، إضافة إلىضغوط تفرضها جماعة "أنصار الله" على عدد من البنوك.
وتلوح الجماعة بإنشاء بنك خاص جديد يسد الفجوة التي سيخلفها نقل البنوك في السوق، ويستحوذ على الحركة المصرفية والمالية وعلى إقبال العملاء عقب خروج البنوك من صنعاء، كورقة من بين أوراق ضغط تستخدمها الجماعة ضد البنوك بحسب ما علمته "النقار".
وفيما يشبه هدوء ما قبل العاصفة، لم يعلن أي من البنوك التجارية والإسلامية وبنوك التمويل الأصغر في صنعاء عن موقفه حتى الآن، سواء البنوك المحلية أو الأجنبية، مع قرب انقضاء المهلة المحددة، والتي يؤكد البنك المركزي بعدن أن انقضاءها دون انتقال البنوك يعني بدء فرض إجراءات ضد البنوك المخالفة طبقا لأحكام قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
ضربة قاصمة بالعزل الدولي
مصدر مصرفي في البنك المركزي بعدن، أكد لـ"النقار" أن المركزي أعد سلسلة من الإجراءات العقابية بحق البنوك المخالفة التي ترفض الانتقال إلى عدن، وأن البنك يسلط الضوء على حرمان البنوك المخالفة من نظام "سويفت" الدولي وقطعه عنها، وهو ما من شأنه أن يحول البنوك إلى مصارف محلية حصرا لا يمكنها التعامل مع البنوك الخارجية، مما يمثل ضربة قاصمة للبنوك بصنعاء.
ويعنى نظام "سويفت" بخدمات الدفع الدولي والمراسلات الخاصة بالمدفوعات المالية، ويجمع بين أسواق المال عبر البنوك المسؤولة عن تغطية المراسلات والتعاملات البنكية والمالية بمختلف الدول، مما يمكن المشتركين في هذا النظام من تغطية احتياجات العملاء الأجانب والمحليين، وإرسال رسائل موحدة حول تحويلات المبالغ وأوامر الشراء وبيع الأصول.
وأوضح المصدر الذي تحفّظ على ذكر هويته، أنه لا يمكن حاليا الإعلان عن كافة الإجراءات، وأنه يتم التعامل معها كمعلومات سرية يمنع التحدث بها لوسائل الإعلام، كي لا تستخدم جماعة "أنصار الله" ذلك للإقدام على أي ردة فعل احترازية تُفشل إجراءات المركزي بعدن.
لكن المصدر أكد أن إدارة البنك المركزي بعدن على ثقة بفعالية هذه الإجراءات التي يبدأ إنفاذها اعتبارا من شهر يونيو المقبل، وبأنها قادرة على إحداث وضع جديد للقطاع المصرفي بصورة تكفل ليّ ذراع سلطة الجماعة والحد من هيمنتها، وتتيح للمركزي بعدن مراقبة أدق التفاصيل البنكية في السوق، دون توضيح مزيد من المعلومات.
ويرى البنك المركزي بعدن أن قراره يحمي البنوك وأموال المودعين من تدخلات الجماعة المصنفة على قوائم الإرهاب الأمريكية، ويعتبر أن هذه التدخلات تشكل مخاطر خارجية قد تفقد البنوك علاقاتها مع البنوك الخارجية أو تؤدي لتجميد بعض أرصدتها في الخارج.
وسبق وقال وكيل قطاع الرقابة على البنوك بالبنك المركزي بعدن منصور راجح، إن لدى المركزي القدرة الكاملة على تنفيذ القرار، لأن البنوك ستكون مجبرة على الامتثال للحفاظ على علاقاتها الخارجية، إذ من دون هذه العلاقات الخارجية لن يكون لأي بنك معنى من استمراره في العمل.
وبينما تؤكد معلومات "النقار" أن البنوك المخالفة بصنعاء تواجه تهديد قطع نظام "سويفت" عنها، فإن البنوك في الوقت الراهن تشهد أزمة شحة بالغة في السيولة من النقد المحلي، إضافة إلى شحة النقد الأجنبي الذي تهيمن عليه الجماعة، والتي أثرت بشدة على البنوك وبالأخص التجارية.
ويتفاقم الوضع المصرفي بعد أن فرضت الجماعة قانونا يحظر ما زعمت أنها "تعاملات ربوية" في العام الماضي، وهو ما أدى إلى ضياع أموال ومدخرات المواطنين في البنوك ومنع تسليم عوائدهم المستحقة من الودائع، وكذلك شرعنة سيطرة الجماعة على أموال البنوك وتوسعةالاستيلاء عليها تحت الغطاء القانوني المختلق.
خيارات البنوك في صنعاء
تمر بنوك ومصارف اليمن في صنعاء بمرحلة طارئة من إعداد الخطط حول أية نتائج وتداعيات لفرض عقوبات من جانب البنك المركزي بعدن.
بنك اليمن والكويت مثالا، وهو أحد أبرز البنوك التجارية في اليمن، يقوم حاليا بدراسة فصل الإدارة العامة بين صنعاء وعدن، في حال فرض عقوبات مؤثرة، بحيث يتم تعامل البنك المركزي بعدن مع إدارة البنك في عدن، ويستمر عمل "اليمن والكويت" في صنعاء بإدارته فيها.
ذلك ما أكده مصدر مسؤول رفيع في بنك اليمن والكويت لـ"النقار"، مشيرا إلى أن ذلك سيقتضي أن تكون إدارتا البنك مركزيتين، وأن "من غير المناسب الانتقال كليا إلى عدن بينما بنوكها الرئيسية لا تجد مناخا مصرفيا جيدا".
وأضاف أن بنوكا أخرى في صنعاء قد تضطر بالفعل للانتقال بإداراتها بشكل كامل إلى عدن، لعدم وجود حلول أخرى لديها، إلا أن بنك اليمن والكويت قام باحتياطاتهمسبقا، وفقا لحديثه.
وعلى البنوك أن تعمل على حلول "تساير الوضع" كما يقول المسؤول المصرفي في اليمن والكويت، وتابع: "لا يوجد حتى الآن رد رسمي بالرفض أو القبول، لأننا نعلم أن الرد لن يكون في صالحنا، فلا نريد الدخول في صراع مع سلطة صنعاء ولا نريد مواجهة البنك المركزي في عدن المعترف به دوليا، وبنفس الوقت لا نريد فقدان المزايا السوقية لصنعاء".
أما البنك المجاور له "بنك اليمن الدولي"، فيرى أنه من البنوك التي تتسم بوضع خاص، لعلاقته الوثيقة والمباشرة مع البنوك والمؤسسات المالية الدولية الكبرى، وكذلك المنظمات غير الحكومية التي تتعامل ماليا مع البنك.
وبحسب أحد مسؤولي إدارة العلاقات لدى بنك اليمن الدولي، فإن هذا "وضع خاص" قد يؤخذ بعين الاعتبار من جانب البنك المركزي بعدن، وأضاف لـ"النقار": "يمكن أن نصل إلى تسوية بهذا الخصوص، لكن انتقال البنك إلى عدن أمر بالغ التعقيد، علما بأن البنك المركزي في عدن على اطلاع بالعمليات المالية للبنك في الداخل والخارج".
وحتى الآن لم يصدر البنك المركزي بصنعاء ردا رسميا على قرار نقل البنوك، إلا أنه على تنسيق مع البنوك بهذا الخصوص وفق معلومات "النقار".
ومن صنعاء يفسر المصرفي أحمد سلام سكوت المركزي إزاء مسألة حساسة كنقل البنوك، بأن "البنك المركزي في صنعاء يبدو أن عليه أكل خبز وعجين جماعة أنصار الله وهو ساكت، فهذه نتيجة سياسات الجماعة تجاه البنوك ونهب أموال المواطنين".
ويعتقد سلام في حديث لـ"النقار" أن قرار نقل البنوك سيزيد من تهالك القطاع المصرفي الذي تملك البنوك رأس ماله، كما لا يمكن إقناع كافة الكوادر بالانتقال وترك أسرهم، إضافة إلى عدم وجود ضمانات مشجعة للإفراج عن الأموال اليمنية المجمدة في الخارج في حال نقل البنوك، إلا أن "البنك المركزي بعدن لن يتمكن من ممارسة صلاحياته كاملة في ظل بقاء البنوك في صنعاء، وسيظل الاعتراف الدولي به محصورا على المناطق التي يديرها فقط".
ويتحدث محللون اقتصاديون جنوب البلاد عن إمكانية الوصول إلى "تسوية" بين صنعاء وعدن، كالخبير الاقتصادي ماجد الداعري، الذي يقول إن من الممكناللجوء إلى تسوية تقايض فيها سلطة عدن الجماعة في صنعاء بإبقاء مراكز البنوك بصنعاء كخيار قسري وصرف مرتبات كافة موظفي الدولة وفق كشوفات 2014، من عوائد النفط عقب السماح باستئناف تصديره، وبمقابل أن تقبل الجماعة بتداول العملة المحلية الحديثة وتوحيد سعر صرف توافقي حقيقي بين صنعاء وعدن قابل للثبات ولو عند مستوى 1000 ريال للدولار، باعتبار هذا السعر هو الحقيقي والمنطقي بالنظر إلى الظروف المحلية والمعطيات الدولية، على حد قوله.
ويستبعد الخبير الاقتصادي الداعري، في حديثه مع "النقار"، أن يفرض البنك المركزي بعدن أي عقوبات ضد البنوك التي لم تنقل مراكزها الرئيسية من صنعاء؛ لأن القرار يهدف للضغط على الجماعة للقبول بتسوية ما للأزمة الاقتصادية عموما، ولأن العقوبات الممكن اتخاذها بحق البنوك ستدمر ما تبقى من قطاع مصرفي.
لكن يستطيع البنك المركزي بعدن معاقبة البنوك بإجراءاتكثيرة أهمها إلغاء تراخيص عملها ومصادرة أصولها بمناطق سلطة عدن، عبر القضاء والجهات المعنية، وإيقافها من نظام سويفت، وإيقاف أي اعتمادات مستندية وحرمانها من المزادات والحماية الحكومية أمام الجهات الدولية المعنية، ووضعها في قائمة سوداء وإبلاغ الخزانة الأمريكية والجهات الدولية الأخرى المعنية بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بفرض عقوبات عليها باعتبارها غير ممتثلة لقوانين مكافحة جرائم غسل وتمويل الإرهاب، وفقاللداعري.
وتبقى البنوك التي تقود القطاع المصرفي ميدانا تمكنت سلطة جماعة "أنصار الله" من إهلاكه وتفريغه من أدوارهوأمواله، وإبداله بعدد هائل من شركات الصرافة التي تمإحلالها ونسب مهام البنوك إليها لتمرير عمليات التهريب وغسل الأموال والهيمنة المطلقة على الحركة المالية، والهرب من التزامات الدين الحكومي، والاستيلاء على أموال المواطنين، وغيرها من العوامل التي من خلالها اختلقت الجماعة واقعا جديدا أدى إلى انهيار القطاع ككل، فكانت القشة التي قصمت ظهر البنوك.