خاص | النقار
بين ذي القعدة ومايو مناسبتان لمؤسس جماعة "أنصار الله" حسين بدر الدين الحوثي، الأولى هي مناسبة "موت أمريكا وإسرائيل" التي تطلق عليها الجماعة "ذكرى الصرخة" بتاريخ الثالث من ذي القعدة 1422 هجرية، أما المناسبة الثانية فأداء الحوثي "اليمين الدستورية" أمام مجلس النواب في العاشر من مايو 2003.
مناسبتان متزامنتان تقريبا في ذكراهما الهجرية والميلادية تشكّلان المفارقة الساخرة "الصارخة" في وجه اليمنيين قبل أن تكون في وجه "أعداء الله" حسب اصطلاح الجماعة.
تحشد جماعة "أنصار الله" الآن، وفي هذا اليوم، المال العام وطاقة التحشيد التعبوي احتفاءً بالذكرى الثالثة والعشرين لإطلاق "الصرخة في وجه المستكبرين" المستوردة من الأب الروحي الإيراني، آية الله الخميني، مضافا إليها لعنة الجماعة التي حلت على اليهود: "اللعنة على اليهود".
شعار اتخذت منه الجماعة منطلقا لأسلوب حياتها الذي تحيا به الآن، تتنفس موتا وكذبا، فيما لم يمت غير اليمنيين وعاش الأمريكيون وبعثوا حتى هذه اللحظة بتعازيهم الحارة عن مصارع اليمنيين وجحيم أوضاعهم التي اشترك الجميع في صناعتها، بتدبير وتخطيط وتنفيذ الجماعة أولا وأخيرا.
بعد عام ونصف العام على إطلاق صرخته، وقف "حسين بدر الدين الحوثي" ليؤدي يمينه الدستورية في البرلمان العاشر من مايو 2003. جاء من صعدة منتخبا لعضوية مجلس النواب بصنعاء ليحلف بالله أمام الشعب كذبا أن يتحمل ما لا يقوى عليه ذوو الخلفيات المؤدلجة المتطرفة.
كان الشعب على موعد مع إطلالة "غير دستورية" لرجل يؤدي "يمينا" مشوهة، أو كما يُقال "أول القصيدة كُفر": "أقسم بالله العظيم أن أكون متمسكا بكتاب الله وسنة رسوله، وأن أحافظ مخلصا على النظام الجمهوري، وأن أحترم الدستور والقانون، وأن أرعى مصالح الشعب وحرياته رعاية كاملة، وأن أحافظ على وحدة الوطن واستقلاله وسلامة أراضيه".
"استقلاله وسلامة أراضيه" هذه وحدها تقول لنا كل شيء. تقول كما كان مؤسس الجماعة، النائب حسين الحوثي، صادقا للغاية في صرخته وكاذبا في يمينه كل الكذب. كيف لشخص يتبنى مشروعا سياسيا مؤدلجا وفق ولاية الفقيه على الطريقة الإيرانية من العتبة حتى الذروة، أن يحلف بالله العظيم أن يصون نظاما جمهوريا أفنى اليمنيون سنوات وأرواحا وأكبادا في سبيل تحقيقه؟
الآن تتحدث الجماعة عما يسمى "الصراع العربي الإسرائيلي" وتتحاشى ما أحدثته من صراع "يمني يمني". تصرخ بـ"الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل" بينما يموت اليمنيون والفلسطينيون وغيرنا من الذين يستحقون الحياة دون أن يكونوا تحت رحمة جماعات متطرفة. تلعن "اليهود" بينما تحل علينا لعنات الأزمات والسحق المعيشي منذ سنوات دون أن تتحمل هذه الجماعة مسؤولية واحدة تجاه اليمنيين منذ عرفناها سلطةً عنجهية منذ عام 2014 حتى اليوم.
صنعاء ملأى بشعار الصرخة ذات المرامي السياسية التي ليست لوجه "الله الأكبر"، وأصبح صاحب الأولوية على العلم اليمني الذي هو رمز اليمنيين وهويتهم، وكأن سحق الهوية اليمنية هو النصر الذي تقصده الجماعة للإسلام، وكأن الإسلام أساسا كان منهزما منكسرا قبل ذلك ولم ينتصر إلا بعد أن شقت الجماعة طريقها على يد مؤسسها حسين الحوثي!
بإمكان كل مواطن يمني أن يصرخ وأن يحلف "يمينا دستورية" في نفس الوقت، بأن لا خير في هذه الجماعة وفي أهدافها ومفاهيمها وسلطتها، وأن الرجل الذي صرخ سابقا ثم أقسم على حماية النظام الجمهوري، هو نفسه الذي خلف أتباعا يعيشون بيننا اليوم ويصرخون في وجوه اليمنيين الذين يطالبون بـ"الرواتب" ويعيثون فسادا في البلاد وفي الجمهورية وفي حاضر ومستقبل اليمنيين جميعا.