قال ضابط سعودي منشق إن السلطات في بلاده أصدرت أوامر بقتل أي شخص يعترض طريق بناء مدينة نيوم، وسط الصحراء، وخاصة الذين يرفضون ترك أراضيهم لصالح إكمال المشروع.
وقال رابح العنزي، وهو عقيد سابق في الأمن السعودي، في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، إنه تلقى أوامر بإخلاء قرويين لإفساح المجال أمام مشروع مدينة "ذا لاين"، وهي جزء من مشروع نيوم.
وأضاف العنزي، الذي هرب إلى المملكة المتحدة العام الماضي، إن أمر الإخلاء الذي طُلب منه تنفيذه كان يتعلق بمنطقة الخريبة، التي تبعد نحو 4.5 كيلومتر جنوب مدينة "ذا لاين".
ووفقا لتقرير "بي بي سي" فقد كان معظم سكان المنطقة من قبيلة الحويطات، التي سكنت منطقة تبوك في شمال غرب البلاد منذ أجيال.
وكانت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية ذكرت في وقت سابق أن قبيلة الحويطات تعد واحدة من أقدم القبائل في السعودية ويعمل أفردها كمزارعين ورعاة في نفس المنطقة لعدة قرون.
وتنتشر قبيلة الحويطات في 13 قرية واقعة على طول البحر الأحمر وهي من بين أكثر القبائل تعرضا للوحشية، بحسب الصحيفة.
وأكد العنزي أن أمر الإخلاء الصادر في أبريل 2020 كان ينص على أن الحويطات مكونة من "العديد من المتمردين" و"يجب قتل كل من يستمر في مقاومة الإخلاء، لذا فقد سمح باستخدام القوة المميتة ضد كل من بقي في منزله".
وأشار العنزي إلى أنه تهرب من مهمة الإخلاء لأسباب طبية مختلقة، لكن مع ذلك فقد مضت السلطات السعودية قدما فيها.
بحسب تقرير "بي بي سي" فقد رفض شخص يدعى عبد الرحيم الحويطي السماح للجنة تسجيل الأراضي بتقييم ممتلكاته، فقتلته السلطات السعودية بالرصاص في اليوم التالي، أثناء مهمة الإخلاء.
وكان الحويطي قد نشر سابقا عدة مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي احتجاجا على عمليات الإخلاء.
وفي ذلك الوقت أشار بيان صادر عن أمن الدولة السعودي إلى أن الحويطي فتح النار على قوات الأمن مما اضطرهم للرد، لكن منظمات منظمات حقوقية وأخرى تابعة للأمم المتحدة أفادت بأنه قُتل لمجرد مقاومته لأوامر الإخلاء.
وتقول "بي بي سي" إنها لم تتمكن من التحقق بشكل مستقل من حديث العقيد العنزي بشأن استخدام القوة المميتة، لكن مصدرا مطلعا على عمل مديرية الاستخبارات العامة السعودية أبلغها أن شهادة العنزي فيما يتعلق بكيفية إرسال أوامر الإخلاء وما ورد فيه كانت متوافقة مع ما يعرفونه عن مثل هذه المهام بشكل عام. وقالوا أيضا إن مستوى أقدمية العقيد كان مناسبا لقيادة مثل هكذا مهمة.
وبحسب منظمة القسط الحقوقية السعودية لحقوق الإنسان ومقرها المملكة المتحدة ومنظمات أممية فقد جرى اعتقال ما لا يقل عن 47 قرويا آخرين بعد مقاومة عمليات الإخلاء، وتمت محاكمة العديد منهم بتهم تتعلق بالإرهاب.
وتقول منظمة القسط لحقوق الإنسان، ومقرها المملكة المتحدة، إن من بين هؤلاء ما زال 40 شخصا رهن الاحتجاز، خمسة منهم ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام.
وقالت المجموعة إن العديد منهم اعتقلوا لمجرد الحداد بشكل علني على وسائل التواصل الاجتماعي على موت الحويطي.
وتقول السلطات السعودية إن الأشخاص المطلوب منهم الإخلاء حصلوا على تعويضات كافية، لكن منظمة القسط أشارت إلى أن المبالغ المدفوعة كانت أقل بكثير من المبلغ الموعود.
وبحسب أرقام رسمية فقد جرى إخلاء أكثر من 6000 شخص من المنطقة، لكن منظمة القسط تقدر أن الرقم أعلى من ذلك.
ووفقا للعنزي، فإن "نيوم هي محور أفكار ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ولهذا السبب كان وحشيا للغاية في التعامل مع الحويطات"، حسب تعبيره.
تقول "بي بي سي" إنها أجرت تحليلا لصور أقمار اصطناعية تظهر كيف محيت المنازل والمدارس والمستشفيات من الخريطة في مناطق الخريبة وشرما وقيال.
وتضيف أن سكان تلك المناطق الذين أخلوا منازلهم كانوا مترددين للغاية في التعليق، خوفا من أن يؤدي التحدث إلى وسائل الإعلام الأجنبية إلى تعريض أقاربهم المحتجزين لمزيد من الخطر.
ومع ذلك تقول "بي بي سي" إنها أجرت لقاءات مع أشخاص جرى إجلاؤهم من أماكن أخرى من أجل مشروع آخر لرؤية السعودية 2030.
وتضيف أن أكثر من مليون شخص أخلوا من منازلهم لصالح مشروع وسط جدة الذي سيشمل دار أوبرا ومنطقة رياضية ووحدات سكنية وتجارية راقية.
نشأ نادر حجازي (اسم مستعار) في حي العزيزية، وهو واحد من حوالي 63 حيا تأثرت بعمليات الهدم، حيث جرى هدم منزل والده في عام 2021، وتلقى نتيجة لذلك إنذارا بالإخلاء خلال فترة لا تتجاوز 30 يوما.
يقول حجازي إن الصور التي شاهدها للحي الذي كان يقيم فيه سابقا كانت صادمة "وكأنها منطقة حرب". وأضاف "إنهم يشنون حربا على الناس، حربا على هوياتنا."
وقال نشطاء سعوديون لـ"بي بي سي" إن شخصين اعتقلا العام الماضي فيما يتعلق بعمليات الهدم في جدة، أحدهما لمقاومة الإخلاء جسديا، والآخر لنشر صور لكتابات مناهضة للهدم على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقال أقارب أحد المعتقلين في سجن ذهبان المركزي بجدة إنهم سمعوا روايات عن 15 شخصا آخرين محتجزين هناك بسبب قيامهم بتنظيم تجمع وداع في أحد الأحياء المحددة للهدم.
وقالت منظمة القسط إنها استطلعت آراء 35 شخصا تم إجلاؤهم من أحياء جدة، لم يقل أي منهم أنهم تلقوا تعويضا أو تحذيرا كافيا، وفقا للقانون المحلي، فيما أكد أكثر من نصفهم أنهم أُجبروا على ترك منازلهم تحت التهديد بالاعتقال.
وذكرت "بي بي سي" أن السلطات السعودية وإدارة مشروع نيوم رفضتا التعليق.
كذلك لم ترد السفارة السعودية في واشنطن على طلبات أرسلها موقع "الحرة" عبر الهاتف والبريد الإلكتروني للتعليق. ولم يجب عدد من المحللين السعوديين على طلبات موقع "الحرة" للتعليق.
و"ذا لاين" واحدة من 4 مناطق تابعة للمشروع الأوسع "نيوم" والذي يتوقع أن تبلغ تكلفته نحو 500 مليار دولار أميركي.
وتنفذ المملكة استراتيجية تهدف إلى تنويع مصادر النمو الاقتصادي للبلاد بعيدا عن صادرات النفط والغاز، أطلقت عليها رؤية 2030، تخطط في إطارها لزيادة الإنفاق من أجل دفع النمو الاقتصادي ودعم الناتج المحلي غير النفطي.