تتعدد العلامة الدغسانية متوزعة بين أسماء ورموز من مثل محمد ودغسان وصالح وعبد العظيم... الخ، لكن تبقى العلامة الأم الجامعة هي اللقب نفسه الذي استحق من خلاله كل دغساني أن يطلق عليه عندما يرحل "رجل الخير والإحسان".
أما قبل
من وسيط شهير بين الدولة والجماعة في ما قبل، إلى تاجر الجماعة الأشهر صاحب الفضل الكبير بصعودها إلى السلطة في ما بعد، فكان جزاؤه أن حاز قصب السبق في تجارة المبيدات والسلاح والنفط وتبييض الأموال والأسواق السوداء، وأحد أسماء القائمة الذهبية في دفع الزكاة، والتي تذهب من حين لآخر إلى مكتب زعيم الجماعة في صعدة.
هذه العلامة الدغسانية المحتوية على أسماء متعددة يمكن العثور فيها على ما لا يمكن له أن يحدث إلا معها وحدها، ضمن سلسلة لا تنتهي من المفاجآت والتي من ضمنها دفن نفايات في حي الجراف بصنعاء، قبل أن يتم إغلاق مقرها في نفس الحي بأمر قضائي، واضطرارها بعد سنوات لإخراج مئات الأطنان مما كان قد تم دفنه من تلك النفايات ونقلها سرا إلى حرف سفيان، فتكوينها مع محمد عبد السلام فليتة (ناطق أنصار الله) وعلي ناصر قرشة (قيادي نافذ) ثالوثا تجاريا نافذا كان ضحيته الصحفي محمد عبده العبسي والذي تمت تصفيته ربما بالسموم نفسها التي أصبحت هي الأداة القاتلة في يد دغسان، وقد أسس بها جمهوريته التجارية الصعدية التي لا تجرؤ الجماعة أن تفكر بأي إمامة معها، حتى كانت فضيحة شحنات المبيدات الإسرائيلية أخيرا، بحيث لم يعد هناك من مجال لبقاء تلك العلامة تعمل بصمت، بل لا بد أن تنبعث روائح جرائمها عاصفة في أرجاء وطن لم يعد صالحا إلا للموت.
أما بعد
في العام 2014، وفي مكان ما جوار السجن المركزي بحي الجراف في صنعاء وفي أرضية واسعة اشتراها دغسان بسخاء حتى يتسنى له ما يريد، كانت الجريمة الدغسانية الأشهر: دفن نفايات سامة بمئات الأطنان لتضطر محكمة الأموال العامة إلى إصدار قرار بإغلاق مؤسسة بن دغسان للمبيدات في قضية دفن المبيدات في الجراف.
لكن دغسان كان واثقا مما يفعل، فالنفايات التي ضاق بها ذرعا سور الصين العظيم استطاعت أرضيته في الجراف أن تحتويها، حتى أنه ضحك ملء شدقيه حينها ساخرا مما يحدث من ضجة لا داعي لها، فأصدر نفيا قاطعا تناقلته مواقع إخبارية من صعدة إلى آخر بقعة من أرض اليمن تصل إليها ذبذباته، تحت هذا العنوان: "مؤسسة بن دغسان تنفي علاقتها بالمبيدات المدفونة في الجراف بالعاصمة صنعاء وتستنكر اتهام المحكمة".
تم الدفن
تحفظت المحكمة على أرضية دغسان، فوجد هو الأمر لصالحه، حيث إن المهم بالنسبة له هو أن الدفن تم بسلام وفاز هو بالرهان مع الصينيين. فأن تأتي المحكمة للتحفظ على الأرضية معناه أن النفايات محفوظة بعهدة المحكمة. وذاك هو ما تم. إذ استمر الحال على ما هو عليه من 2014 وحتى 2018، تسنى خلالها لنفايات دغسان أن تخصب التربة وتصبح صالحة لأن تتفجر سموما في مياه الحي وأمراضا تنتشر بين الأهالي. لم يكتف دغسان بذلك فحسب، بل وكافأ أهالي الحي بمبيدات وسموم انتهت صلاحيتها على حين غفلة منه فآثر وضعها في صناديق وأماكن تجمع القمامة بالجراف الغربي، حسب شهادات أهالي الحي أنفسهم، والذين كتب أحدهم تغريدة على منصة إكس (تويتر سابقا) يقول فيها إن الحي أصبح "غارقا برائحة مبيدات وسموم منتهية الصلاحية تم وضعها في صناديق وأماكن تجمع القمامة"، مشيرا إلى أنها تابعة للتاجر دغسان "الذي دفن المبيدات في أرضية في الجراف والآن يتخلص من الفائض عبر رمي المبيدات في القمامة".
الناشط بشير عبد الرحمن أضاف حينها، أي في 2018، أن "أمراض في الحي كفيلة بسحب التجارة عنه ويمنع من التجاره لأنه تسبب بكارثة".
ياسين يحيى الشهاري، مواطن آخر من أبناء الحي، كتب في 7 يونيو 2018 أن دفن وحرق المبيدات السامة أسلوب يتكرر في حي رسلان بالجراف أمانة العاصمة كل عام.
وأضاف: "دغسان معضلة متى يتم معالجتها؟! مع التحية المكللة بسموم المبيدات الممتلئة بها الصدور والرئتان وتجري في دماء كبارنا وصغارنا ".
بعدها بيومين، أي في 9 يونيو، كتب الشهاري تغريدة تقول: "دغسان وإجراءات إبادة ساكني الجراف بالتلوث عبر دفن المبيدات في حي رسلان.. لليوم الثالث والنيابة المناوبة وصحة البيئة ومدري من لم تقم بحركة تجاه دفن المبيدات في حارة رسلان من قبل المدعو دغسان
ما ضر دغسان ما فعل بعدها
في يوليو 2015، حصل دغسان على صك "جهادي" من قبل التحالف بقيادة السعودية، إثر غارة استهدفت منزله في حي الجراف الذي يتشارك فيه مع الأهالي تلك النفايات المدفونة تضامنا منه كما يبدو. عندها كان لجماعة أنصار الله أن تعزي تاجرها السخي دغسان بسخاء أكبر، مذكرة إياه بما أعد له الله من قصور في الجنة مقابل بيته الذي قصفه الشيطان في الجراف، ولعله سيستطيع هناك أن يدفن نفاياته بارتياح دون إزعاج أو منغصات من أهالي حي اسمه الجراف. لكن يبدو أن جزءا من الغارة أثار الدفينة الدغسانية فبدأت الحفرة تتسرب شيئا فشيئا حتى بلغت ذروتها فانفجرت أخيرا.
تم النقل
في الأول من يونيو 2018 كان دغسان على موعد مع نقل نفاياته المدفونة في أرضيته بالجراف جوار قسم شرطة 26 سبتمبر إلى مكان مجهول. وهو ما كشفه النائب في برلمان صنعاء أحمد سيف حاشد في منشور له بتاريخ 18 يوليو 2018 قائلا إنه تم "نقل سموم منتهية كانت مدفونة في حوش في الجراف جوار قسم 26 سبتمبر صنعاء تتبع المدعو دغسان تاجر السموم فجر يوم 2018/06/01 إلى جهة مجهولة".
وأضاف حاشد: "هل تعرفون كم هي الكمية التي تم ضبطها على مؤسسات دغسان من المبيدات المحظورة والمهربة بحسب التقرير البرلماني من قوام 429 طنا المضبوطة؟! إنها: (251) طنا
يليها (115) طنا لـ صالح صالح عجلان".
وفي فبراير 2019 سيعثر حاشد على محضر ضبط كان ضمن ما ورد فيه أنه "يوم الخميس مساء 5/7/2018 تم ضبط شاحنة نوع دينه + سيارة تتبع ملكيتها لـ علي أحمد دغسان، على متنها عشرون برميل عبوة 200 لتر قادمة من صنعاء إلى سفيان، وأمر تكليف حرر في 2/7/2018 للنزول الميداني، موجه من رئيس الهيئة العامة للبيئة للنزول الميداني إلى مقر المبيدات المنتهية والتربة المتبقية، والتي نقلت إلى حرف سفيان، ومذكرة من رئيس محكمة الأموال العامة بالأمانة القاضي عبد الحفيظ بن عبد الرزاق المحبشي إلى مثنى مهدي محمد الترابة ورد في نصها: يكون منكم رفع الحراسة القضائية للأرض في منطقة الجراف، والخاصة بالمدعو محمد دغسان".
تغريدات حاشد تلك لم يتبق منها سوى أسطر هي التي كان يكتبها في "تويتر" محيلا قراءتها كاملا في صفحته على "فيسبوك"، لكن فيسبوك لم يكن في وارد أن يحتفظ بمثل تلك الأمور كما يبدو، حيث اختفت كل المواضيع المتعلقة بدغسان في تلك الفترة، وكأن يدا استطاعت الوصول إليها وتعطيل كل الروابط.
بالنسبة لمذكرة رئيس محكمة الأموال العامة القاضية برفع الحراسة القضائية عن الأرض الخاصة بدغسان في حي الجراف فيبدو أنها جاءت بناء على رغبة دغسان حيث لم يعد ثمة ما يستدعي من المحكمة التحفظ على النفايات وقد تم نقلها إلى مكان آمن بديل في حرف سفيان، وبالتالي لا بأس من رفع الحراسة القضائية وإعادة الأرض إلى صاحبها ليتولى حفظها هو، بدلا من تخسير الدولة وتكليفها ما لا تطيق.
وبالنسبة للشاحنة والسيارة اللتين تم ضبطهما في "محضر الضبط"، فيبدو أنهما لن تكونا الوحيدتين، حيث سيكتب الناشط بشير عبد الرحمن في 3 نوفمبر 2017
أن "القيادي الحوثي تاجر المبيدات المحرمة دغسان يقوم بتمرير قاطرات مليئة بالمبيدات السامة بتوجبهات مشرف الأمن القومي أبو عماد المراني.
العبسي وثالوث الرعب: فليتة - دغسان - قرشة
وفاة الصحفي الشهير محمد عبده العبسي الغامضة، في 20 ديسمبر 2016، والتي لم تكن سوى تصفية بالسم حسب ما توصل إليه الطب الشرعي، كانت هي الإفصاح الحقيقي عن يد دغسان الطولى.
كان العبسي في العام 2016 قد انتهى من إعداد ملف عن فساد في ملف النفط يشترك فيه ثالوث سيصبح هو الأكثر رعبا ونفوذا وفتكا في جماعة أنصار الله: دغسان أحمد دغسان ومحمد عبد السلام فليتة وعلي ناصر قرشة.
لم يكن يعرف أنه سيدفع حياته ثمنا لكشفه حقيقة ذلك الثالوث المرعب من خلال التخلص منه بالسم، باعتباره السلاح الأمثل لدغسان والذي يمكن له به أن يقتل شعبا بأكمله ولا يبالي.
وبحسب الصحفي غمدان اليوسفي، فإن العبسي كان قد سلم ما أعده من وثائق وملف لفساد الثالوث الفليتي الدغساني القرشي لصديقه علي البخيتي، القيادي حينها في الجماعة وصاحب الجولات والصولات التي ستقذف به أخيرا إلى البحث عن مكان في الخارج يلجأ إليه من جماعته بعد أن ضاق بها ذرعا حسب قوله، وبالتالي هو المتهم الرابع في نظر اليوسفي بقتل العبسي الذي وَثِق به وسلمه ملفا طافحا بالفساد لسوق نفط سوداء يديرها طيلة سنوات الحرب ثالوث الرعب:
في 23 ديسمبر 2016 كتب اليوسفي عددا من التغريدات قائلا:
1- لماذا يجب اتهام علي البخيتي بالمساهمة في قتل الزميل العبسي؟ البخيتي سكت منذ شهر على الوثائق التي أرسلها له العبسي وتخص فساد النفط.
2- حين قرر البخيتي نشر وثائق الفساد أخفى اسمي دغسان وقرشة وهذا يعني أنه فقط استخدم صراعه مع محمد عبدالسلام لتعزيز موقفه أمام قيادة الجماعة.
3- إخفاء اسمي دغسان وقرشة في ما نشره البخيتي يؤكد أنه قام بإبلاغ من تم شطب أسماءهم بأن العبسي يملك وثائق تفضحهم وبالتالي هو من دلهم عليه.
4- اغتيال العبسي بالسم كشف أكذوبة البخيتي بأنه يقف ضد لصوصية الحوثيين وأعمالهم وإنما وقف معهم ليكون أحد المتسببين باغتيال شخص وثق بنزاهته.
5- لماذا أخفى البخيتي الوثائق لأكثر من شهر إذا كان يهمه فعلا ما يقوم به العبسي، ولماذا إخفى اسم دغسان وقرشة وترك اسم محمد عبدالسلام؟
الآن صار البخيتي معارضا بارزا ضد الجماعة تتسابق الدول على استضافته كما يبدو من فرحه وانشغاله بالعصافير والجندر، وللدرجة التي أصبح معها متحررا من كل شيء إلا من الإجابة على سؤال اليوسفي عن الملف الذي أودعه العبسي عنده ثقة بنزاهته، ولدرجة أنه أصبح مستعدا لأن يعلن براءته حتى من أخيه محمد الذي مازال يمثل جماعة الأنصار ويشغل منصب محافظ ذمار في سلطتها، لكن ليس له بحسب الصحفي غمدان اليوسفي أن يمتلك الشجاعة الكافية فيعترف ما الذي حدث مع ملف العبسي ولماذا قام بإسقاط اسم قرشة ودغسان من الملف والإبقاء فقط على اسم محمد عبد السلام فليتة.
بحسب ما تم التوصل إليه من استنتاجات، كان هناك مراسلات بين العبسي شركة أويل برايمر لتاجر المبيدات والسلاح والنفط وشركات الأموال دغسان محمد دغسان، والتي تعتبر أحد أضلع ذلك الثالوث، بالإضافة إلى الضلعين الآخرين وهما شركة يمن ﻻيف لناطق الجماعة محمد عبدالسلام وشركة بلاك جولد للقيادي وتاجر الجماعة النافذ هو أيضا علي ناصر قرشة، فعلى أي أساس سيكون هناك مراسلات بين العبسي وشركة دغسان النفطية إن لم تكن متورطة هي الأخرى بتهريب النفط؟! وإذا كان ثمة من تصفية حسابات بين البخيتي وعبد السلام جعلته يبقي على اسمه فقط ويسقط الاسمين الملاصقين فإن علاقة وطيدة بين دغسان وقرشة جعلت الأخير على سبيل المثال يتوجه على وجه السرعة إلى سلطنة عمان، وبدعوة لا شك من محمد عبد السلام فليتة المقيم الدائم في مسقط ومفاوض الجماعة الأول صاحب الامتيازات. هناك اكتمل الثالوث الفليتي الدغساني القرشي، حيث سيلتقط قرشة صورة تاريخية من زيارة قام بها لدغسان في مستشفى قابوس بتاريخ 3 يناير (دون تحديد العام) كما أشار إلى ذلك في تغريدة على صفحته في منصة إكس (تم حذفها في ما بعد) قائلا: "دعواتكم للأخ دغسان أحمد دغسان تمت العملية بنجاح في مستشفى السلطان قابوس. نسأل الله له الشفاء العاجل ونسأل الله الرحمة لأخوه المرحوم صالح دغسان". فالرجل لم ينس حتى الترحم على شقيق صديقه الأثير وزميله في النفوذ التجاري الأطغى في البلد المنهك.
كما أن تقرير الخبراء الأمميين في فبراير 2019 أكد أن الصحفي العبسي ذكر ثلاث شركات متورطة في أنشطة تهريب النفط وبيعها في السوق السوداء، وهي: يمن لايف لعبد السلام، وأويل برايمر لدغسان و"بلاك غولد" لقرشة. وبالتالي كيف لشركتي دغسان وقرشة أن تسقطا من تقرير العبسي في نسخته البخيتية ولا يبقى ذكر إلا لفليتة فقط؟!
الأدلة غير كافية دائما
دائما تنتهي كل القضايا الخاصة بدغسان إلى نقطة واحدة: عدم كفاية الأدلة. توفي الصحفي العبسي بتاريخ 20 ديسمبر 2016 في ظروف غامضة بصنعاء، وتم تأجيل دفنه إلى 13 يناير 2017، بعد طلب من أهله وزملائه بتشريح الجثة تقدموا به إلى النائب العام للتحقيق في ظروف وفاته المفاجئة.
وفي 6 فبراير 2017، أعلنت نقابة الصحافيين اليمنيين أن العبسي مات مسموما.
وقال بيان للنقابة حينها إن نتيجة الفحص المخبري وتقرير الطبيب الشرعي خلصت إلى أن الصحفي العبسي (35 عاما) توفي بسبب التسمم والاختناق بغاز أول أوكسيد الكربون، حيث وجدت مادة (الكاربوكسي هيموغلوبين) في الدم بنسبة تشبع 65%، والتي تعتبر قاتلة.
وأضاف البيان: "بناء على هذه النتيجة تدعو أسرة الصحافي العبسي ومعها فريق المتابعة المساند لها النيابة العامة البدء بتحقيق شفاف وكفؤ حول ملابسات الوفاة، بما يكفل معرفة كافة الأسباب والظروف المحيطة بها".
وحتى الآن لا جديد. ففي 3 نوفمبر 2023 تحدثت منظمة رايتس رادار الحقوقية عن آخر ما تم الوصول إليه في قضية تصفية العبسي، حيث "طالب المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للعلوم والتربية (اليونسكو) بإجراء تحقيق شامل ومستقل في مقتل العبسي، لكن ذلك لم يحدث".
ونقلت المنظمة عن محامي الدفاع (لم تشر إلى اسمه) قوله بأن "سلطات جماعة أنصار الله (الحوثيين) في صنعاء تعاملت مع القضية بنوع من اللامبالاة، حيث استمرت مرحلة جمع الاستدلالات 3 سنوات قبل أن يتم رفع ملف القضية إلى نيابة غرب صنعاء التي رفضت السير بإجراءات التحقيق في القضية، واستدعاء المتهمين للمثول أمامها بالرغم من تقديم طلبات لاستيفاء بعض النواقص في ملف القضية، وبعد مرور نحو سبع سنوات وفي نوفمبر 2022 أصدرت النيابة قرار بحفظ القضية لعدم كفاية الأدلة".
فـ"دغسان وأمثاله من تجار المبيدات لهم نفوذ كبير جدا لدرجة أن الحكومة لم تستطع حتى إصدار بيان توضيحي والذي يعتبر من أبسط حقوق هذا الشعب المغلوب على أمره الذي أنهكه العدوان من جهة والأوبئة ومبيدات دغسان وأمثاله من جهة أخرى"، حسب الناشط علي عبد الكريم.
ويبدو أن شحنة المبيدات الإسرائيلية (بروميد الميثيل) الأخيرة ستنتهي قضيتها هي الأخرى مثلما انتهت قضية دفن المبيدات في حي الجراف ودفن صوت الصحفي الاستقصائي محمد عبده العبسي.
في تغريدة ملغزة ولافتة لمراسل قناة المنار اللبنانية في صنعاء خليل العمري بتاريخ 10 يونيو 2023 يتبدى المشهد أكثر فأكثر حول من يحكم فعلا. عنون العمري تغريدته بـ: ("سعادة" و"الأخ"!! سابر)، قائلا: "واحد نصحني قبل كم شهر ومن الواضح أنه كان مصيبا في قوله. قال: تشتي تعرف تفاصيل المفاوضات وتوجهات السلطة وشؤونها أول بأول؟ ابرد لك من ابوصلاح واعضاء السياسي الأعلى والأدنى. عليك بهذا الثالوث: قرشة، دغسان، مناع. فهم ندامى الطيرمانة وجلساء الديوان".
فبحسب العمري لم يعد الأمر مقتصرا بالنسبة لدغسان على تجارة المبيدات والسلاح والسوق السوداء فحسب، وإنما تعدى ذلك إلى السياسة ودهاليز السلطة، حيث يمكن حينها فهم لماذا لم تتخذ سلطة صنعاء أي موقف من شحنة المبيدات الإسرائيلية الدغسانية التي تم إخراجها بالقوة من حوش مكتب جمارك صنعاء. بل لقد حاولت، بحسب مصادر مقربة منها، تسريب إشاعة مفادها أن ما تم إخراجه من مكتب الجمارك بتوجيهات رئاسية لم يكن شحنة مبيدات، وإنما نفايات سامة جيء بها عبر "دولة معادية" بغرض دفنها في اليمن، وكأنها تزيد من توريط نفسها لا إلا، خصوصا وأن مثل هكذا تبرير سيكون أقبح بكثير وأكثر توريطا لها ولتاجرها الأثير الذي لا تريد التفريط به. وكأننا نتحدث عن جريمة دفن جديدة لنفايات دغسانية ليس من المعلوم بعد في أي أرض سيقوم بدفنها.
مصنع مبيدات دغساني في صنعاء
عنّ لدغسان في الآونة الأخيرة أن يفكر بطريقة تعفيه من تعنتات وأمزجة موظفي الجمارك في الإفراج عن هذه الشحنة والتحفظ على تلك، فقرر أن يؤسس مصنعا محليا للمبيدات والسموم، وبدعم ومباركة من الجماعة. حيث اختار لمصنعه الاستثماري الجديد أرضا زراعية بين مديريتي همدان وبني مطر، وبدأ العمل في الشمروع بأسرع ما يمكن. هذه المرة ترك دغسان العلامة العائلية جانبا، ودخل المشروع باسم شركة "رواد الوطن" كواحد من المشاركين والمساهمين مثله مثل غيره، باعتبار "رواد الوطن" شركة تابعة لقيادات في أنصار الله، تأسست في ديسمبر 2021 كشركة مساهمة مكونة من عدة قطاعات، تشمل "جميع مستوردي وتجار المواد الزراعية في اليمن، وثلاثين جمعية زراعية، ومؤسسة تنمية وإنتاج الحبوب، برأس مال إجمالي 40.000.000 مليون دولار أمريكي".
يأتي ذلك وسط رفض كبير من أهالي مديريتي همدان وبني مطر لأي مصنع مبيدات سامة في منطقتهم، حيث يعنى ذلك تهديدا حقيقيا لحياة عشرين ألف نسمة هم سكان تلك المنطقة التي قام عليها المصنع، حسب مناشدة لهم إلى زعيم الجماعة وقيادات سلطة صنعاء.
الناشط علي علي المطري، أحد أهالي المنطقة، أورد في صفحته على إكس عريضة المناشدتين الموقعتين باسم جميع سكان ومزارعي أكمة همدان ومراصب بني مطر برفض وجود المصنع رفضا قاطعا في منطقتهم.
المطري أكد في مناشدة أخرى وجهها إلى القيادي الناشط نائف القانص وعبره إلى كل أبناء الشعب اليمني، أن "شركة دغسان تحاول فتح مصنع مبيدات وأسمدة قريب لصنعاء بين اللكمة همدان والمراصب بني مطر"، راجيا "من جميع الإعلاميين ردع هذه الشركة".
وخاطب اليمنيين بالقول: "يا منعاه يا رجال ندعوكم بدعوى الله وبدعوى رسوله وبدعوى ضمائركم الحية. هذه آفة على الجميع.
خاتمة ليست كذلك
قد يكون من الصعب العثور على خاتمة في الحديث عن دغسان، باعتبار أن كل ما تم ذكره هنا ليس سوى غيص من فيض كما يقال حول هذا الرجل.
يلخص الناشط بلال النهاري حقيقة دغسان بأنه هو الدولة الفعلية التي تحكم، مستغربا من مطالبات كثير من الناشطين بضبطه من قبل تلك الدولة، إذ كيف للدولة أساسا أن تقوم بضبط نفسها؟
ولذا فإن النهاري يؤكد أنه عندما قدم شكوى بدغسان إلى نيابة شرق الأمانة في قضية منظورة لديها، اعتذرت النيابة عن ضبطه "كونه شخصا نافذا... فنصحوني بعدم البقاء في صنعاء وعلي المغادرة والخروج منها حفاظاً على روحك. من قال لك تشتكي على هؤلاء؟! أنت ما تعرفهم؟! غيروا كم من مسؤول!".