خاص – النقار
يمر كل يوم من أيامنا لندخل نفقا أشد ظلمة من سابقه، ومشوار ضيق نمشيه مع سلطة جماعة "أنصار الله" نشهد خلاله تدمير كل شيء له قيمة في اليمن أمام عيوننا.
يرافقنا في هذا المشوار المظلم أبناؤنا النشء الذين نحيا من أجلهم ومن أجل مستقبلهم المجهول، إذ تستهدفهم الجماعة وفق خطة مفخخة لضرب التعليم والمعلمين الذين يعيشون ويعملون دون مرتباتهم وحقوقهم التي يتعمد "أنصار الله" قطعها رغم قدرتهم على الصرف وبانتظام.
في آخر إطلالاته طالب عبدالملك الحوثي الآباء والأمهات بدفع أبنائهم إلى الدورات الصيفية، وطالب المجتمع بالتعاون بمبادرات مجتمعية مع الدورات الصيفية لإنجاحها، وقال إن على الناس ألا يتأثروا بشائعات "الأعداء" تجاه الدورات الصيفية، لأن هؤلاء الأعداء ينزعجون من الدورات الصيفية بشدة، لذا يسخرون لصالحهم "أبواقا من المجتمع" تنشط لاستهدافها.
هل يعلم السيد القائد أن أول الناس المناهضين لدورات الجماعة الصيفية هم المعلمون وأولياء الأمور أنفسهم؟ هل هؤلاء أبواق تعمل لصالح الخارج؟ وما معنى "الشائعات" أصلا ونحن نعيش فوضى وفساد وتجهيل ممنهج؟
بينما يطالب اليمنيون بتحصينهم من الفقر والجوع والبطالة، يطالب الحوثي بأن يتحصنوا بالدورات الصيفية من "حضارة الغرب الكافر"!
لم يعرف التعليم في اليمن واقعا أسوأ وأكثر تشوها وتلوثا من الذي يشهده الآن في ظل سيطرة الجماعة:
- تصنع الجماعة بالدورات الصيفية تعليما موازيا موافقا لمنهجها الخاص، بينما تعمل على ضرب القطاع التعليمي والتربوي عرض الحائط.
- تضخ مئات الملايين إن لم يكن المليارات في سبيل تجهيزات ونفقات هذه الدورات الخاصة، بينما تقمع أي معلم يطالب بحقه في الراتب وتهدده بالسجن وتتهمه بالعمالة والارتزاق.
- تضخ الملايين من أجل طباعة منشورات وملازم الدورات المرصوفة بمضامين "المسيرة القرآنية" وأفكارها و"تشاعيبها"، وتسخر المؤسسات المعنية بالكتاب المدرسي لذلك، بينما تغذي السوق السوداء لتجارة الكتب المدرسية المفروشة على الأرصفة وبأسعار باهظة، ولا تأبه حتى بطلاب صغار لم تساعدهم الظروف للحصول على كتب المدرسة، أو لم يتمكنوا أصلا من الالتحاق بالمدرسة.
- تتيح الجماعة الدورات الصيفية مجانا مثل دس السم في العسل المجاني، بينما تتاجر بالتعليم الطبيعي في المدارس وتجني من هذه التجارة أموالا طائلة لا علاقة لها لا بالتربية ولا بالتعليم.
- تسخر عائدات "صندوق دعم المعلم" للإنفاق على الدورات الصيفية من ضرائب الشعب وأموالهم، ثم تفرض على أولياء الأمور دفع أموال غير قانونية تحت زعم تغطية نفقات المعلمين.
- تلزم رجال الدين والشخصيات والوجاهات بزيارة الدورات الصيفية تحت عنوان "تحفيز النشء وتشجيعهم" كما يقول زعيم الجماعة، بينما لا تعرف المدارس وطلابها نزولا جادا واحدا يتفقد هذه المدارس وأوضاعها وواقعها المتردي حكومية كانت أو أهلية.
- تقهر المعلمين بمبرر انعدام إيرادات وأموال تغطي نفقاتهم، ثم تدعوهم بكل تبجح للذهاب لتعليم الأطفال والنشء في الدورات الصيفية التي تُصرف عليها المبالغ الفلكية.
الجماعة تدرك جيدا أنها مضطرة لضخ هذه الأموال على الدورات الصيفية الخاصة لإرساء دعائم العبث الفكري في عقول النشء، ولإدراكهم البالغ بأهمية عملية التلقين لبناء النشء وفق خططهم، وفي المقابل تعمد الجماعة إلى الحط من التعليم الطبيعي الذي تنشأ عليه الأجيال في كل العالم، من خلال استهدافه وتشويهه وتطبيعه بطابعهم الخاص، لمعرفتهم بأن التعليم الطبيعي يثمر صحةً عقلية وذهنية وعلمية، وهذا ما لا يريده صناع الجهل والتعبئة الشعبوية.
أفقدت الجماعة المدارس حرمتها وقدسيتها وحولتها إلى معامل متطرفة لحياكة وتفصيل مفاهيم الجماعة ودسها في رؤوس الناشئين وتدجينهم بمسمى ثقافتهم القرآنية، بينما يتقدم العلم وأدوات التعليم في العالم كله في سبيل إنشاء عقول نظيفة لها قيمتها ومكانتها في الوجود، وما أتعس المفارقة وما أوقح الواقع وسلطة الواقع.