خاص | النقار
هي سلطة أسياد وطيرمانات ومحسوبيات وبدرومات، ذاك هو ما خلص إليه شقيق القاضي عبدالوهاب قطران، المعتقل لدى جهاز الأمن والمخابرات، من تشخيص وتوصيف لسلطة صنعاء. فبعد أن تلاشى شيء اسمه مجتمع مدني ومؤسسات وأنظمة ودستور، لا يبقى أمام الناس إلا اللجوء إلى القبيلة والمنطقة بحثا عن الحماية. فراح يبحث عنها عارف قطران في قبائل همدان التي ينتمون إليها فلا يجدها كما يبدو عند تلك القبائل. إنها مرافعة تكشف جانباً من الهمجية التي كسرت قواعد الشرف والقبيلة والقانون والسلطة والنظام وتجاوزت كل الحدود. هكذا يقول ناشطون أطلقوا على شقيق قطران عارف لقب "شجاع حاشد" وهو يتحدث ببساطة اليمني عن دولة قبيلة بدواوينها الممتدة من العصيمات إلى الحصبة سابقا، ودولة سادة بطيرماناتها الممتدة من صنعاء إلى صنعاء حاليا، ولا فرق عنده بين منطق هذه وتلك، فكلتاهما أنموذج لما قبل شيء اسمه دولة مدنية بمؤسسات يحكمها النظام والقانون ممتدة من أقصى شمال اليمن إلى أقصى جنوبه. وطالما والأمر منحصر بين دواوين وطيرمانات يصبح الخيار المتاح أمام المواطنين هو اللجوء إلى القبيلة كملاذ يحميهم من سلطة بهذه الحال ومن سطوتها المتأججة كالسياط تجلد بها ظهورهم وتخلس جلودهم وتبني لهم الزنازن والمعتقلات.
لكن يبدو أن القبيلة نفسها في حالة القاضي قطران أصبحت ملاذا خائبا وهو يراها تخذله ولا تحرك ساكنا تجاهه كواحد من أبنائها تم اعتقاله بطريقة مشينة وأسلوب مهين كأنما كانت تتعمد من خلالهما سلطة الطيرمانات توجيه إهانتها لكل يمني.
فقطران الذي خذلته وظيفته كقاض معتبر له حصانته القانونية، وخذله نادي القضاء الذي هو واحد من أعضائه، يتعرض أيضا لخذلان قبيلته في همدان، وبصورة أكثر ألما باعتبارها الملاذ الأخير الذي كان يظنه سيحميه أو سيدافع عنه.
وإذا كانت قبائل الحدا بمحافظة ذمار بتحركاتها المستمرة التي كان آخرها تنفيذ اعتصام في ميدان السبعين بصنعاء أوصلت من خلاله رسالة قوية إلى سلطة صنعاء قد أجبرت تلك السلطة على إطلاق سراح أحد أبنائها وهو أبو زيد الكميم رئيس نادي المعلمين من سجن جهاز المخابرات والأمن التابع لها، واستطاعت فرض مطلبها على أعلى مستوى حتى كان لها ما أرادت، فإن قبائل همدان التي ينتمي إليها القاضي عبد الوهاب قطران لا يبدو أنها في وارد اتخاذ موقف مشابه لموقف قبائل الحدا ولا في أن تمارس أي ضغط قبلي على سلطة صنعاء للإفراج عن ابنها المعتقل بلا تهمة.
هكذا يعتقد كثيرون ممن تابعوا ويتابعون قضية الكميم وقطران، بل ويجزمون بذلك من كون قبائل همدان خذلت ابنها منذ اليوم الأول من اعتقاله. فحتى اللقاء القبلي الذي كان عدد من أبناء همدان يعتزمون الدعوة إليه للوقوف أمام اعتقال قطران، تبخر في مواعيد عرقوبية تحولت بدورها إلى يأس مرير بالنسبة لعائلته. وهو ما تبدى في تغريدات محمد عبد الوهاب قطران ابنه الأكبر في الأيام الأولى من اعتقال والده، ليتوصل إلى نتيجة مفادها أن التعويل على قبيلتهم همدان للإفراج عن والده أو على الأقل لاتخاذ موقف مندد باعتقاله مجرد رهان على جواد خاسر، خصوصا وهو يرى أن الإفراج عن والده كان مفترضا أن يحدث مع الإفراج عن أبو زيد الكميم باعتبار أن توجيها قد صدر من زعيم جماعة أنصار الله عبد الملك الحوثي بالإفراج عنهما معا. لكن يبدو أن قبائل الحدا بتحركها الضاغط في إطلاق سراح ابنها الكميم لها من الاستجابة لأن تكون ملاذا حقيقيا لأبنائها ما ليس لقبائل همدان مثله.