• الساعة الآن 02:56 AM
  • 19℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

اعتقال بلا تهمة إلى إفراج بلا محاكمة

news-details

خاص | النقار

من اعتقال بلا تهمة إلى إفراج بلا محاكمة. هكذا فقط يحلو لسلطة صنعاء أن تمارس مع معتقليها وعائلاتهم لعبة سأم مميتة، ينجو فيها من نجا بعد وساطات وتدخلات وأوامر عليا، ويموت فيها من يموت تعذيبا أو إهمالا أو سهوا، فيتم الإعلان لمصلحة الأحوال المدنية عن وفاته تماما كما يتم الإعلان فيها عن فقدان بطاقة شخصية.

أكثر من مائة يوم منذ اعتقال القاضي عبد الوهاب قطران من منزله في العاصمة صنعاء واقتياده بتلك الطريقة المهينة التي جمعت كل قبح وزيف السلطة وأجهزتها الأمنية في تلفيق تهم سخيفة مرقعة ضده. يأتي التوجيه في شهر شعبان بالإفراج عنه، ثم يمر شعبان ورمضان ويدخل شوال كأيام عيد أولى بالنسبة للسجان وكأيام إضراب كلي عن الطعام بالنسبة لقطران وأيام حزن بالنسبة لعائلته. فهناك سجان لم يشف غليله بعد، حيث نتحدث عن جهاز يعاني إداريوه وسجانوه من مرض نفسي حاد بلا اسم ولا توصيف.

 

قيود بلا قيود

من حيث المبدأ بالنسبة لسلطة صنعاء فإن كيانا بحجم وسمعة جهاز الأمن والمخابرات التابع لها من المعيب كما يبدو أن يظل سجنه فارغا وبدون معتقلين، وعليه لا بد من أن يكون هناك عمليات اعتقال ومعتقلون ومناشدات وتغريدات وما إلى ذلك، حتى يكون رئيس الجهاز عبد الحكيم الخيواني، ونائبه عبد القادر الشامي، قد طبقا بعضا من الأهداف التي تم على ضوئها إنشاء كيانهما الأمني الاستخباراتي هذا، وذلك في 31 أغسطس 2019 وبالقرار رقم 155 الصادر عن رئيس المجلس السياسي الأعلى لجماعة أنصار الله مهدي المشاط، والقاضي بإنشاء جهاز الأمن والمخابرات، وذلك بدمج فروع جهازي الأمن القومي والأمن السياسي في جهاز استخبارتي موحد أطلق عليه اسم جهاز الأمن والمخابرات وتعيين القيادي الأمني البارز للجماعة عبد الحكيم هاشم علي الخيواني رئيساً للجهاز والقيادي البارز أيضا عبد القادر قاسم أحمد الشامي نائباً لرئيس الجهاز.

بحسب "ويكيبديا"، فإن مهام وصلاحيات الجهاز هي صلاحيات ومهام جهازي الأمن السياسي والأمن القومي المتركزة في حفظ الأمن الداخلي ومحاربة الإرهاب والتصدي لمعارضي الجماعة والقيام بعمليات أمنية ومهام استخباراتية ورصد وجمع المعلومات في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، وتمتد صلاحية الجهاز إلى الاعتقال والاحتجاز والتحقيق مع المتهمين، ويمتلك الجهاز مراكز احتجاز.

إذن طالما أن صلاحية الجهاز "تمتد إلى الاعتقال والاحتجاز والتحقيق مع المتهمين"، وطالما "يمتلك الجهاز مراكز احتجاز"، فلا بد من ملئها وعدم تركها شاغرة.

فمثلا، أن يعود الشاب فوزي أحمد عبيد، ذات مساء، من عمله بالأجر اليومي في مهنة البلاط بمنطقة بيت بوس إلى مكان سكنه بمذبح، أمر يستدعي الريبة بالنسبة لجهاز الأمن والمخابرات فلا بد من اعتقاله وأن يبقى لأعوام قابعا في السجن بلا تهمة وبدون السماح لأسرته بزيارته. وتربوي كصبري الحكيمي لا يخرج إلا إلى المقبرة دون أن يعرف أحد لماذا اعتقل ولماذا توفي، وآخرون وآخرون. فالقائمة أكبر من أن يحصيها النائب أحمد سيف حاشد ولا رابطة أمهات المعتقلين والمخفيين قسرا وقد بح صوتها في صنعاء وعدن على حد سواء.
 

الوساطة أقوى حكماً

ومع إطلاق سراح رئيس نادي المعلمين أبوزيد الكميم بعد حوالى سبعة أشهر من اعتقاله وتردي حالته الصحية، تتأكد فرضية أن عمليات الاعتقال التي ينفذها هذا الجهاز تحدث فقط حتى لا تظل مراكز الاعتقال خالية من أي معتقل، حيث لا تهم يتم تثبيتها قضائيا ولا هم يحزنون، بدليل الإفراج نفسه الذي تم للكميم، وهو ما أشار إليه الناشط رداد الحذيفي في تغريدة عنونها بـ"حكم سلطة" أكدت أن "اعتقال المعارضين دون تهمة بينه وحبسهم بالمخالفة للقانون ثم الإفراج عنهم دون محاكمة عادلة أكبر دليل إدانة للسلطة وحكم بات بكذبها وتلفيقها وفشلها".

بالنسبة للشيخ محمد حسين المقدشي الذي كان الوسيط بين سلطة صنعاء وقبائل الحدا في قضية الكميم وقام قبل أشهر بتقديم عسيبه لقبائل الحدا في ميدان السبعين مشفوعا ببندق السيد، فقد تنفس الصعداء، حيث

كتب تغريدة بالمناسبة قال فيها: "‏الحمد والشكر لله، باسمي واسم محافظة ذمار نشكر القيادة للإفراج عن أبو زيد الكميم".

بحسب نجل القاضي عبد الوهاب قطران في التصريح الذي أدلى به مؤخرا لشبكة النقار، فإن الكميم كان قد قال لوالده بأن قرارا بالإفراج شيشملهما معا حسب ما أفاده به الشيخ المقدشي، فحمل نجل قطران الأمل في أن يحدث ذلك. ثم بعد أن رأى خروج الكميم وحيدا وسكوت تغريدة المقدشي عن أي ذكر لوالده، كتب ساخرا: "أبي معه مضبوطات خيرات، فيمكن ان عادهم بيجمعوها ويدوروها من فجر. المهم ادوا المضبوطات كاملة لا ينقص شي"، في إشارة إلى أن المزاج لم يسمح بعد بإطلاق سراح القاضي قطران، وهو ما أكده أيضا النائب في برلمان صنعاء أحمد سيف حاشد بالقول: "‏رأيت في ما يرى النائم أن نفوسهم لم تطب بعد، ولا يسعنا هنا إلا أن نقول للقاضي عبدالوهاب قطران عيد سيعود أجمل منه. المجد لك".

أما الناشط ‏مهيب الغولي فكتب عن القاضي قطران: "أن يطلبوا منه إبلاغ أسرته عبر هاتفهم بأنه سيتم إطلاق سراحه قبل العيد ثم لا يفعلون. فهذه ليست أخلاق حتى أشباه الرجال كونه يمثل تعذيبا نفسيا للأهل وله".

انتظر المنتظرون ساعات ما بعد إطلاق سراح الكميم أملا أن يتم فيها إطلاق سراح قطران هو أيضا، لكن يبدو لم يحن الوقت بالنسبة لسلطة صنعاء، فكتب الناشط مجدي عقبة قائلا: "‏لم يتم الإفراج عن القاضي قطران حتى هذه اللحظة، رغم أن قرار الإفراج عنه صدر في شعبان ورغم سماحهم له بالاتصال بعائلته قبل أيام وتطمينهم بأنه سيخرج قبل العيد".

عقبة أضاف ساخرا: "كنت أعتقد أن المقالح بالغ بعض الشيء عندما قال: السلطة في القاع وليست في القمة، واليوم تأكد لي ذلك".

أما القاضي عرفات جعفر فقد دعا إلى عدم فقدان الأمل بخصوص الإفراج عن قطران "طالما وهم قد أخبروه أنهم سيفرجون عنه قبل العيد. فأكيد أنهم سيفون بوعدهم"، مضيفا بسخرية: "لازال هنالك وقت إلى قبل الفجر".

ثم جاء الفجر ولبت تكبيرات العيد من المساجد، ولا شيء تغير بخصوص القاضي قطران سوى أن جهاز الأمن والمخابرات واصل ساديته المريضة تجاه الرجل وعائلته، لتستمر الحكاية ويدخل القاضي قطران مع أول أيام عيد الفطر في مرحلة الإضراب عن الطعام والتي قد يكون ثمنها فادحا بالنسبة لوضعه الصحي الذي لا يسمح بذلك على الإطلاق، نظرا لكونه يعاني من أمراض بينها السكر.

شارك الخبر: