على وقع أزمة مالية غير مسبوقة، يشهد اليمن خلافًا متصاعدا على الإيرادات المالية بين مجلس العليمي الرئاسي من جهة والمجلس الانتقالي الجنوبي من جهة ثانية، وسط مخاوف من انعكاس ذلك على المواطنين، الذين يواجهون واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية في العالم.
وقبل نحو أسبوع، أعلن محافظ عدن أحمد حامد لملس، منع تحويل إيرادات العاصمة المؤقتة، إلى البنك المركزي اليمني الذي تسيطر عليه الحكومة الشرعية.
وأوضح لملس، وهو قيادي فيي المجلس الانتقالي، في بيان أن «وقف توريد إيرادات عدن إلى البنك المركزي مسؤولية وواجب إنساني وأخلاقي، رفضا لتعذيب أبناء العاصمة».
ويسيطر المجلس الانتقالي على عدن، وعدة مناطق في جنوبي اليمن، ويشارك في حكومة معين عبدالملك ومجلس القيادة الرئاسي.
وأضاف لملس أن قرار وقف تحويل إيرادات عدن «تعبير عن الرفض التام لعدم إيفاء الحكومة بالتزاماتها تجاه عدن، واستمرارها في استخدام ملف الكهرباء كأداة لمعاقبة المواطن».
وتعاني عدن من تدهور كبير في الخدمات، بما في ذلك الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي، وسط سخط من السكان خصوصا مع ارتفاع درجة الحرارة في فصل الصيف.
ولا يوجد تقدير لإجمالي إيرادات عدن، لكنها واحدة من المحافظات المهمة التي تستند عليها الحكومة ماليا.
في 13 يونيو/حزيران الجاري، قال المجلس الانتقالي في بيان أصدره عقب اجتماع ناقش فيه تطورات البلاد، إن «الوضع المعيشي في تدهور، والخدمات الأساسية المتردية أنهكت المواطن في كافة المحافظات».
واتهم الحكومة وقيادتها «بالفساد وإفراغ خزينة الدولة المالية، وإيصال الوضع إلى حافة الإفلاس لمزيد من الإفقار والإجهاز على حياة الناس».
وأضاف البيان أن «صبر شعب الجنوب قد جاوز مداه، وأصبح الوضع لا يطاق.» ودعا المحافظين «إلى وقف توريد الإيرادات إلى البنك المركزي، واستخدامها في معالجة تدهور الخدمات».
وصعد الانتقالي من موقفه، حيث دعت الجمعية الوطنية (برلمان المجلس) يوم الإثنين الماضي في بيان «إلى إدارة ذاتية لجنوب اليمن، وتشكيل حكومة وقيادة جنوبية للبنك المركزي».
وكما هو كتوقع أثار وقف تحويل إيرادات عدن إلى البنك المركزي حفيظة الحكومة اليمنية التي اعتبرته «مخالفا للدستور والقوانين النافذة».
واستغرب مصدر حكومي مسؤول حديث محافظ عدن، حول تنصل الحكومة من مسؤولياتها في دعم خدمة الكهرباء في العاصمة المؤقتة. وأضاف المصدر أن «معاناة المواطنين تتفهمها الحكومة جراء انقطاعات الكهرباء في عدن والمحافظات المحررة». حد قوله.
وأشار إلى أن الحكومة «لا تحتمل تكتيكات رمي المسؤوليات والهروب إلى الأمام بقرارات غير مسؤولة، تتجاوز الدستور وتخالف القوانين النافذة، وتساهم في تعقيد المشكلة وليس حلها (في إشارة إلى وقف تحويل الإيرادات) ».
وشدد المصدر على أنه «لا يمكن القبول بالمساس بالإيرادات المركزية، والإضرار بالمالية العامة وقدرتها في توفير الرواتب والخدمات، ناهيك عن تعطيل متطلبات الإصلاحات وبرنامج دعم المالية العامة والبنك المركزي».
ودفع وقف إيرادات عدن والمخاوف من إجراء مماثل في محافظات أخرى قيادة البنك المركزي إلى عقد اجتماع عبر الاتصال المرئي يوم الأحد الماضي لمناقشة تطورات الوضع الاقتصادي.
وشددت قيادة البنك على «ضرورة استعادة الموارد المستدامة للبلد، لاستعادة التوازن وتخفيف معاناة المواطنين بتوفير الحد الأدنى من الخدمات والاستقرار المعيشي»، وفق بيان نشره الموقع الإلكتروني للبنك المركزي.
وناشد البيان «مجلس القيادة الرئاسي والحكومة إسناد البنك المركزي بتهيئة البيئة المناسبة التي تمكنه من القيام بمهامه بالمحافظة على الاستقرار، وإبعاده عن أي تجاذبات تؤثر على قيامه بوظائفه الهامة والحيوية لخدمة المواطنين والاقتصاد الوطني».
وطالب «بسرعة التحرك والعمل كمنظومة متكاملة لمعالجة الاختلالات باستخدام كل الوسائل الممكنة والمتاحة لتأمين الموارد اللازمة لتجاوز الوضع الصعب والاستثنائي».
يأتي ذلك، مع مواجهة البنك المركزي تحديات كبيرة، أبرزها استمرار تراجع العملة المحلية (الريال).
وحسب مصادر مصرفية فإن سعر الدولار الواحد اقترب من 1400 ريال يمني، للمرة الأولى منذ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في أبريل/ نيسان 2022، حينما كان يساوي الدولار نحو ألف ريال.
ويواجه الاقتصاد اليمني تداعيات قاسية خلفها استمرار توقف تصدير النفط من الموانئ الواقعة تحت سيطرة الحكومة، عقب هجمات شنتها جماعة الحوثي قبل نحو 8 أشهر.
ولأكثر من مرة، أعلنت الحكومة، أنها تكبدت خسائر تفوق مليار دولار، بسبب توقف تصدير النفط.
يقول الكاتب والباحث اليمني يعقوب العتواني أن «بلاده تمر بواحدة من أسوأ المراحل في تاريخها، ما يحتم على مختلف المكونات السياسية التوحد من أجل حل الأزمات التي أنهكت السكان».
وأضاف العتواني «الخلاف الحاصل على الإيرادات بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي، مؤشر خطير قد يؤدي إلى تصعيد وتأزم الوضع الاقتصادي المتدهور، الذي لا يحتمل المزيد من النزاعات».
وتابع «منع تحويل الإيرادات إلى البنك المركزي، من قبل الانتقالي الجنوبي، إجراء غير سليم، كونه شريك أساسي في الحكومة والمجلس الرئاسي».
وأردف «المجتمع الدولي في مجمله يشدد مرارا على ضرورة دعم الحكومة الشرعية ووحدة مجلس القيادة الرئاسي، ووقف تحويل الإيرادات للبنك المركزي يناقض ذلك، وقد يؤدي هذا النزاع إلى تفاقم أكبر للوضع المعيشي لليمنيين».
وأضاف الباحث اليمني «في ظل هذه الظروف الصعبة، يجب أيضاً على الحكومة أن تحارب كافة أشكال الفساد المالي، والعمل بشتى السبل من أجل إصلاح الخدمات، وإيجاد البدائل لتلبية مطالب المواطنين».