• الساعة الآن 04:12 PM
  • 23℃ صنعاء, اليمن
  • -18℃ صنعاء, اليمن

هيئة الزكاة بصنعاء..الخزانة الأكثر عبثاً باسم "شرع الله"

news-details

خاص - النقار

على مدى سنوات سلطة جماعة "أنصار الله" بصنعاء، طال الفساد كافة القطاعات الاقتصادية والمالية والاستثمارية والإدارية، وصولاً إلى الهيئات بمختلف ميادينها وليس انتهاءً بـ"الهيئة العامة للزكاة" الإيراديةالتي استحدثتها الجماعة في العام 2018، تغييراً لاسم "الإدارة العامة للواجبات الزكوية".

 

فبينما يُفترض أن تؤدي هيئة الزكاة واجباتها تجاه مصارف الزكاة الثمانية وتسخر المقدرات المالية المتحصل عليها لصالح مستحقيها، يجري العبث بأموال المستحقين ضمن عمليات فساد وسرقات واسعة بعشرات المليارات بما يخدم مسؤوليها ونافذي الجماعة والمشاريع الخاصةبـ"أنصار الله"، وهو ما تطرقت إليه عدة جلسات برلمانية أكدت عدم كفاءة الهيئة وعبثها بالأموال.

 

ومع قرب انقضاء شهر رمضان وحلول عيد الفطر المبارك،يقدم المواطنون اليمنيون من واقعهم المسحوق أصدق التمنيات لهيئة الزكاة بإحالتها ومسؤوليها إلى القضاء ومحاكمتهم وفق القانون ووفق بنود تأسيس الهيئة نفسها، متسائلين عن الجدوى من وجود الهيئة التي تحصر أداء مهامها في المواسم والأعياد فقط، ثم ترمي بمبالغ زهيدةلا تغطي أدنى الاحتياجات خلال هذه المواسم والأعياد.

 

الزكاة بالقوة وحصرياً

 

تحصر هيئة الزكاة التابعة رأساً للمجلس السياسي الأعلى بصنعاء، إخراج الزكاة عبرها حصراً، إذ تمنع المواطنين والتجار وملاك الأراضي والعقارات وغيرهم من صرف أي أموال لصالح الفقراء والأسر المحتاجة، وتجبرهم على تسليمها إلى الهيئة ومندوبيها، ويتم تنفيذ حملات ميدانية للتأكد من تنفيذ اشتراطات الهيئة.

 

وفي حال وجود أي شكل للإنفاق على المحتاجين، تقوم هيئة الزكاة بإفساده ومنعه بالتعاون مع القوات الأمنية التابعة للجماعة، على غرار ما حدث في واقعة التدافع ليلة عيد الفطر الماضي والتي قُتل فيها ما لا يقل عن 85 مواطناً خلال تهافت الحشود للحصول على نحو (5 آلاف ريال) للفرد في عملية الصرف التي تبناها التاجر حسن الكبوس، وذلك بسبب إطلاق مسلحي الجماعة الرصاص مما أصاب المواطنين بالهلع وتسبب في التدافع. بعدها صرح الكبوسبأنه لولا تدخل الأمن بالرصاص لسارت عملية الصرف كما يجب، وأن هيئة الزكاة تريد حصر الزكاة عبرها فقط.

 

وصبيحة العيد تقوم هيئة الزكاة بتحصيل مبالغ زكاة الفطر عبر قطع سندات، ويتم إيفاد مندوبين من الهيئة إلى مراكز صلاة عيد الفطر في أنحاء العاصمة والمحافظات، لاستلام المبالغ من المصلين بحسب معلومات "النقار".

 

وتقتطع الهيئة الزكاةَ من الموظفين الحكوميين الذين يعانون من قطع مرتباتهم منذ عام 2016 وانهيار القدرة الشرائية أمام الغلاء المعيشي، في حين يُصرف نصف راتب فقط في مناسبات معينة مثل عيدي الفطر والأضحى، وهو ما يُقابل باحتجاجات واسعة تعبر عنها وسائل التواصل الاجتماعي.

 

وعلى قلة هذه المرتبات، يتم اقتطاع مبلغ الزكاة منها، وهذا العام تم تحديد المبلغ بـ550 ريالاً عن كل نفس من الموظفين، بالتنسيق مع وزارة الخدمة المدنية.

 

موظفان في مؤسستين حكوميتين بصنعاء، تحفظا عن توضيح هويتهما، أكدا لـ"النقار" أن عدداً من الموظفين احتجوا على كون اقتطاع الزكاة يأتي غير مصاحب لتسليم راتب كامل ومستحقات إضافية متراكمة ومنقطعة من أجل إسنادهم لتغطية التزامات العيد.

 

وأوضح المصدران، وأحدهما يعمل بوزارة الكهرباء والآخر في الصناعة والتجارة، أنه إذا كان ولابد اقتطاع زكاة الفطر من نصف الراتب (وهو النصف الأول لشهر أكتوبر 2018)، فإنه يجب صرف مرتبات كاملة بمناسبة العيد أو صرف مستحقات مقطوعة هي حق للموظفين منذ سنوات، وتوفير إكراميات عيدية مستحقة، مشيرين إلى أن أوضاع كثير من الموظفين تدرجهم أصلاً مع مستحقي الزكاة ضمن مصارف الفقراء أو المساكين.

 

وفي السياق أكد المصدران الحكوميان لـ"النقار" على اتباع سياسات تمييزية بين الموظفين، عبر منح الكوادر المدعومة من الجماعة إكراميات ومصروفات غير قانونية، بينما يضطر الموظفون البسطاء لمزاولة أعمالهم خشية فقدان وظائفهم دون الحصول على مستحقاتهم، ودون معاملتهم على السواء مع الموظفين المحسوبين على الجماعة.

 

جبايات ضد الشركات

 

تحولت هيئة الزكاة إلى جهة جباية إجبارية كمصلحة الضرائب، حيث تعمد إلى انتزاع الأموال من الشركات اليمنية بالقوة، ما دفع أكثر من 15 شركة في العام الماضي 2023 إلى رفع دعاوى قضائية ضد الهيئة.

 

واطلعت "النقار" على قوائم جلسات قضائية سابقة بنيابة الأموال العامة تشير إلى تضرر كثير من التجار بسبب هيئة الزكاة وإجبارها الشركات بالقوة على دفع مبالغ طائلة، في ظل انحياز قضائي إلى الهيئة.

 

وكان فريق خبراء العقوبات الأممي المعني باليمن ذكر أن إيرادات الزكاة بلغت نحو 45 مليار ريال بالطبعة المتداولة القديمة، متهماً الجماعة بإنشاء شركات خاصة لتمويل الحرب مع مواصلة الامتناع عن دفع المرتبات، واستيلائها على نحو 70% من إجمالي الموارد في اليمن.

 

فساد الهيئة ضد الناس

 

جرائم مالية ترتكبها هيئة الزكاة بحق أموال المواطنين والمستحقين، رغم أن رئيس الهيئة القيادي "شمسان أبو نشطان" قال في العام 2022 -أي بعد تأسيسها بخمس سنوات- إن الهيئة مستعدة للمكاشفة أمام الجميع بتكاليف كل مصرف من مصارف الزكاة؛ وذلك بسبب اتهامها شعبياً بالفساد، إلا أنها لم تقم بأي مكاشفة منذ ذلك الوقت.

 

الهيئة متهمة باستفادة قياديين في الهيئة وخارجها من أموال الزكاة بعشرات الملايين من الريالات، وصرف سيارات فارهة لهم، وبتمرير من رئيس الهيئة أبو نشطان الذي استقر في منصبه كرئيس لها منذ إنشائها.

 

وتخصص الهيئة مبالغ الزكاة لصالح أسر وأشخاص يتبعون الجماعة دون غيرهم، على غرار برنامج تغذويدُشن العام الماضي لصالح موالي الجماعة بقيمة 16 ملياراً و724 مليون ريال كما هو معلن.

 

كما أعلنت الهيئة في رمضان الجاري عن مشاريع بأكثر من 13 مليار ريال قالت إنها لصالح 700 ألف مستفيد،وتشمل صرف زكاة الفطر لـ263 ألف أسرة بواقع 5 مليارات و259 مليون ريال (ما يعني حصول الأسرة الواحدة على أقل من 20 ألف ريال فقط)، كما تشمل المبالغ فئات تابعة لأنصار الله على الأغلب، مثل فئة أبناء الشهداء المحسوبين على الجماعة، وأسر المقاتلين المرابطين، ومعاقي الحرب، والجرحى، وكذلك العلماء التابعين للجماعة (1400 من العلماء).

 

وتُتهم الهيئة بعدم الوصول إلى المستحقين في كافة المناطق، وبتجاهل شرائح واسعة من المواطنين أحق بمبالغ الزكاة وتعاني من أوضاع معيشية قاهرة تضطر بكثير من اليمنيين إلى بيع أثاثهم وأدواتهم المنزلية لجني أي مبالغ تسندهم مع قرب حلول العيد.

 

وعلاوة على تسخير الموارد لمصلحة أتباع الجماعة، تفرض الهيئة مبالغ غير مشروعة على أصحاب المحلات الصغيرة وباعة الأرصفة والباعة المتجولين.

 

وسبق وطالب نواب في برلمان صنعاء بإجراء مسح دقيق لشريحتي الفقراء والمساكين لكونهما أول مصارف الزكاة، وبقيام هيئة الزكاة بواجباتها تجاه هذه الشرائح بدلاً من تسخير الأموال على نافذي الجماعة، كما طالبوا بإلزام الهيئة بالتقيد بالدستور والقوانين النافذة.

 

وعلى سبيل المثال لا الحصر، شهدت محافظة إب العام الماضي مظاهرة لمواطنين أمام فرع الهيئة، متهمين إياها بنهب أموال الزكاة من التجار والمواطنين وحرمان المستحقين منها، والمماطلة في صرف مستحقات لهم وتقديم الوعود فقط، وعدم سماحها بتقديم التجار والميسورين مالاً للفقراء بشكل مباشر.

 

لم تُتخذ ضد الهيئة أي مساءلة رسمية حتى مع تأكيد قياديين في الجماعة على فسادها، على رأسهم مفتي الجماعة شمس الدين شرف الدين، الذي اتهم "الزكاة" العام الماضي بالتعدي على حدود الله ومخالفة أحكام الشريعة.

 

وقال المفتي إن الهيئة تتحصل مبالغ "حتى على الأمور التي ليس فيها زكاة"، مثل "العقارات التي لا يُراد بها التجارة"، وذاك بتواطؤ من أمناء شرعيين، وطالب شرف الدين الهيئة بأن "تتقي الله" ورأى أن الأموال المسلوبة سيُحاسبون عليها "يوم القيامة"، إلا أنه لم يطالب الهيئة بإعادة الأموال إلى أصحابها.

 

ويُعرف المفتي بكونه أبرز مساندي هيئة الزكاة منذ إنشائها، ويُعد من أكبر مطالبي الناس بدفع الأموالللهيئة وبضرورة التعاون معها كونها هيئة قائمة بشرع الله.

 

"شرع الله" بات أسطوانة جماعة "أنصار الله" التي تتبناها سياسياً لمواصلة عمليات الإثراء غير المشروعة على حساب شعب في معظمه أصبح من الفقراء والمساكين وازداد بؤساً واحتياجاً منذ بدء الحرب، وإلى هنا وتظل هيئة الزكاة "خارج التغطية" وبعيدة عن غرض إنشائها، وحبيسة الفساد والهدر المالي والبيروقراطية العمدية للجماعة، وغريبة عن المستحقين وعن أوضاعهم، أولئك الذين لا يرونمن الهيئة سوى الوعود الأخاذة دون الإفراج عن حقهم المعلوم.

شارك الخبر: