أقر جيش الاحتلال الإسرائيلي اليوم الأربعاء بارتكاب "خطأ جسيم" بعد الضربة التي أسفرت عن استشهاد سبعة متعاونين مع منظمة "وورلد سنترال كيتشن" الأميركية غير الحكومية في قطاع غزة، في حادثة تسببت بمأساة أثارت غضباً دولياً.
وتأتي هذه الضربة بعد نحو ستة أشهر من الحرب المدمرة في قطاع غزة بين إسرائيل و"حماس" التي أثارها هجوم غير مسبوق شنته الحركة على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.
وبعد عودته من مهمة في غزة، قال ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA) دومينيك آلن إن الوضع في القطاع المحاصر الذي أصبح على شفا المجاعة، "أسوأ من أن يكون كارثياً".
ظروف معقدة للغاية
وقتلت الغارة الإسرائيلية أول من أمس الإثنين في دير البلح (وسط) سبعة متطوعين في منظمة "وورلد سنترال كيتشن" كانوا أفرغوا لتوهم "أكثر من 100 طن من المواد الغذائية التي نقلت إلى غزة بحراً"، وفق المنظمة.
وقال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال هرتسي هليفي إن الضربة "خطأ جسيم ما كان يجب أن يحدث"، متحدثاً عن "خطأ في تحديد الأشخاص" في "ظروف معقدة للغاية".
ومساء أمس الثلاثاء، أعرب الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ عن "حزنه الكبير واعتذاره الصادق" إثر مقتل سبعة عمال إغاثة، فيما وصف رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الضربة بأنها "غير مقصودة" و"حادثة مأسوية".
وأعربت منظمة "وورلد سنترال كيتشن" عن "صدمتها" لمقتل أعضاء فريقها "الأبطال" الذين نشرت أسماءهم وصورهم وجنسياتهم في المساء على منصة "إكس"، وهم سيف الدين عصام عياد أبو طه (25 سنة) وهو فلسطيني ولالزاومي (زومي) فرانكوم (43 سنة) وهي أسترالية وداميان سوبول (35 سنة) بولندي وجايكوب فليكينجر (33 سنة) أميركي - كندي والبريطانيون جون تشابمان (57 سنة) وجيمس (جيم) هندرسون (33 سنة) وجيمس كيربي (47 سنة).
وقال مدير مستشفى أبو يوسف النجار في رفح مروان الهمص، "سيتم اليوم نقل جثامين الشهداء الستة الأجانب العاملين في منظمة المطبخ المركزي العالمي الإغاثية عبر معبر رفح الى بلدانهم".
إسرائيل في الامتحان
ودانت دول ومنظمات عدة من بينها الأمم المتحدة بشدة غير مسبوقة "تجاهل القانون الدولي الإنساني"، فيما انتقد الرئيس الأميركي جو بايدن إسرائيل بشدة على الغارة الجوية، مؤكداً أنها "لم تفعل ما يكفي" لحماية المتطوعين ممن يمدون يد العون للفلسطينيين الذين "يتضورون جوعاً".
ودعت واشنطن، أكبر داعم لإسرائيل، إلى تحقيق "سريع ومحايد".
من جهته، قال رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك اليوم إن الهجوم الذي أسفر عن مقتل عمال الإغاثة في غزة ومن بينهم بولندي، ورد فعل إسرائيل عليه، يضع التضامن مع هذا البلد "أمام امتحان".
وعبر البابا فرنسيس اليوم عن "حزنه العميق" لمقتل عمال الإغاثة، مجدداً دعوته إلى وقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن الذين خطفتهم "حماس" والعمل على وصول المساعدات الإنسانية بصورة كاملة وحذر من اتساع "غير مسؤول" للصراع.
وقال البابا فرنسيس في عظته الأسبوعية "أعبر عن أسفي الشديد حيال مقتل المتطوعين خلال مشاركتهم في توزيع مساعدات إنسانية بغزة. أصلي من أجلهم ومن أجل أسرهم".
واعتبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن "هذا أمر غير مقبول، لكنه النتيجة الحتمية للطريقة التي تدار بها الحرب"، مجدداً دعوته إلى وقف فوري لإطلاق النار وتحرير الرهائن وإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة.
وقت الاعتراف آتٍ
من جانبها، قالت وزيرة خارجية بلجيكا حجة لحبيب إن "قرار الأمم المتحدة في شأن غزة ليست له أية عواقب على الأرض، ويشكل علامة استفهام حقيقية حول نفوذنا في الصراع"، وأكدت أن "الاعتراف بفلسطين هو أمر سنأخذه في الاعتبار عندما يحين الوقت".
وأوضح وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس أنه "سنعترف بفلسطين دولة ذات سيادة، لذلك سيكون لها مكان في الأمم المتحدة".
وطالبت وزيرة الخارجية الكندية ميلاني جولي اليوم بإجراء تحقيق كامل في مقتل موظفي الإغاثة في قطاع غزة، ومن بينهم مواطن كندي نتيجة غارة جوية إسرائيلية.
وقالت على هامش اجتماع وزراء خارجية دول حلف شمال الأطلسي (ناتو) في بروكسل إن إسرائيل بحاجة إلى احترام القانون الدولي، مضيفة أن كندا ستتأكد من ذلك.
وأفادت وزارة الصحة التابعة لـ"حماس" صباح اليوم بـ"وصول 60 قتيلاً إلى المستشفيات غالبيتهم من الأطفال والنساء، إثر الاستهدافات والقصف الاسرائيلي، ولا يزال عشرات المفقودين تحت الأنقاض". وبذلك ترتفع الحصيلة في قطاع غزة إلى 32975 قتيلاً منذ اندلاع الحرب، بحسب الوزارة.
وأعلنت منظمة "وورلد سنترال كيتشن" الأميركية التي شاركت منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة "حماس" في عمليات الإغاثة وتوزيع وجبات غذائية على سكان القطاع، أمس وقف عملياتها في غزة.
حرب المستشفيات مستمرة
ومنذ بداية الحرب، شاركت المنظمة في عمليات إنسانية من خلال توفير وجبات طعام في قطاع غزة، حيث غالبية السكان البالغ عددهم حوالى 2.4 مليون نسمة مهددون بالمجاعة وفقاً للأمم المتحدة. وساعدت في إرسال سفينة أولى محملة بمساعدات إنسانية من قبرص عبر ممر بحري إلى غزة في منتصف مارس (آذار) الماضي.
وبسبب صعوبة إدخال المساعدات الإنسانية براً إلى القطاع المحاصر، فتح ممر بحري في أواسط مارس، لكن الحكومة القبرصية أعلنت أمس أن السفينة "جينيفر" التي أبحرت من سواحل الجزيرة المتوسطية السبت الماضي إلى غزة، في طور العودة للجزيرة مع حمولتها البالغة زنتها 240 طناً من الأغذية بعد الضربة.
وانسحبت أول من أمس القوات الإسرائيلية من مجمع مستشفى الشفاء في غزة، مخلفة وراءها دماراً هائلاً وقتلى بعد تنفيذ عملية عسكرية داخله وفي محيطه بدأتها في الـ18 من مارس لاتهام "حماس" باستخدامه "مركز قيادة".
وأشارت أمس إلى أنها تواصل عملياتها في مدينة خان يونس (جنوب)، خصوصاً في محيط مستشفى "الأمل" الذي اضطر إلى التوقف عن العمل قبل أسبوع بسبب العمليات الإسرائيلية.
وزعمت أنها "قتلت وأوقفت عدداً من الإرهابيين" في المستشفى، حيث عثرت أيضاً على "أسلحة".
ميدانياً، ذكر إعلام "حماس" في القطاع أن "الاحتلال شن عشرات الغارات الجوية والقصف المدفعي خلال الساعات الـ24 الأخيرة، واستهدف منازل المدنيين التي انهارت على ساكنيها في مخيم النصيرات والمغراقة وخان يونس".
وأفاد شهود بأن اشتباكات عنيفة تركزت في وسط مدينة خان يونس ومنطقة المغراقة وشمال النصيرات وتل الهوى بمدينة غزة.
ضد عائلات الرهائن
وفي القدس، تظاهر آلاف الإسرائيليين من بينهم عدد من أقارب الرهائن المحتجزين في غزة مجدداً مساء أمس، مطالبين باستقالة نتنياهو ومتهمين إياه بـ"خيانة" الثقة الشعبية.
وهتفت إيناف زانغاوكر والدة رهينة في غزة عبر المذياع مخاطبة نتنياهو، "تخوض حملة ضدي، ضد عائلات الرهائن، لقد انقلبت علينا. أنت خائن لشعبك ولناخبيك ولدولة إسرائيل".
وفي سياق الصراع، ألقى الجيش الإسرائيلي اليوم باللوم على "حزب الله" في جرح ثلاثة مراقبين من قوات الأمم المتحدة ومترجمهم في بلدة رميش بجنوب لبنان قبل أيام، مشيراً إلى أنهم أصيبوا في انفجار عبوة زرعها الحزب.
وقال في منشور على منصة "إكس"، "بحسب المعلومات المتوافرة لدى الجيش الإسرائيلي، الانفجار الذي وقع السبت الماضي، الـ30 من مارس، في بلدة رميش وأسفر عن جرح عدد من عناصر قوات ’يونيفيل‘ الدولية، نتج من تعرض دورية يونيفيل لتفجير عبوة ناسفة كان زرعها الحزب في المنطقة سابقاً".