عادت الخلافات القديمة بين حركتي حماس وفتح إلى الواجهة مجددا، مع تصاعد التوترات بينهما على خلفية اتهام حماس السلطة الفلسطينية، بإرسال رجال أمن إلى شمالي غزة بهدف تأمين شاحنات المساعدات، وهو الأمر الذي نفته السلطة الفلسطينية.
والإثنين، اتهمت حركة حماس، المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة ودول أخرى، السلطة الفلسطينية بإرسال "ضباط أمن" إلى شمالي قطاع غزة، "بذريعة تأمين شاحنات المساعدات".
وأبلغ قيادي بحماس تلفزيون "الأقصى"، التابع للحركة، أن "رئيس المخابرات بالسلطة الفلسطينية، ماجد فرج، هو المشرف على مهمة القوة".
وأضاف أن "6 أعضاء من القوة التي رافقت شاحنات المساعدات، التي دخلت من خلال معبر رفح الحدودي مع مصر، اعتُقلوا"، قائلا إن "قوات الشرطة تلاحق الأعضاء الآخرين للقبض عليهم".
ونفى مسؤول في السلطة الفلسطينية هذا الاتهام الذي وجهته أيضا وزارة الداخلية في القطاع الذي تديره حماس.
وقال مسؤول في السلطة الفلسطينية في رام الله بالضفة الغربية المحتلة، في بيان: "بيان ما يسمى بوزارة داخلية حماس حول دخول المساعدات إلى قطاع غزة لا أساس له من الصحة، وسنستمر في تقديم كل ما يلزم لإغاثة شعبنا".
وأضاف المسؤول، في إشارة إلى الحرب بين إسرائيل وحماس، أن السلطة الفلسطينية "لن تنجر خلف حملات إعلامية مسعورة تغطي على معاناة شعبنا في قطاع غزة، وما يتعرض له من قتل وتهجير وتجويع".
وأكد هذا النفي أيضا المتحدث باسم حركة فتح، عضو المجلس الثوري في الحركة، أسامة القواسمي، قائلا لموقع "الحرة": "هذا الكلام عار من الصحة ومعيب".
"أزمة ثقة"
وما بين اتهام حماس ونفي فتح، يؤكد محللون لموقع "الحرة"، أن ما حدث "يشير إلى أزمة ثقة بين الطرفين"، وأن هناك "فجوة كبيرة" بين وجهات النظر، بالرغم من محاولات تقريبها خلال الأشهر الماضية على خلفية الحرب.
واعتبر المحلل السياسي الفلسطيني، عصمت منصور، أن هذا التراشق "يذكرنا بحجم الخلاف والهوة بين فتح وحماس".
ويضيف لموقع "الحرة": "رغم كل ما حدث من حرب، لم يقتربا من بعضهما البعض، بل على العكس أصبح الآن وكأن هناك ظروف قد تمنح أي طرف منهما قوة على حساب الآخر".
ويرى المحلل السياسي، تيسير العلي، أن البيانات المتبادلة تأتي في سياق "حالة عدم الثقة بين الطرفين"، مشيرا خلال حديثه مع موقع "الحرة" إلى أنه "لا توجد قاعدة تفاهم بينهما حتى اللحظة".
وعلى الرغم من الاجتماعات التي عقدت في العاصمة المصرية القاهرة، والروسية موسكو، خلال الفترة الماضية، بين الفصائل الفلسطينية للتقريب فيما بينهم، فإن ما يحدث يشير إلى استمرار "الانقسام الفلسطيني-الفلسطيني"، حسب ما يقول المحلل السياسي والباحث في العلاقات الدولية، أشرف عكة.
ويضيف عكة لموقع "الحرة": "الخلاف بدأ يطفو على السطح مع تداعيات تشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة، والتراشق الإعلامي الذي جرى إثر ذلك، حيث اعتبرتها حماس خارج ما تم الاتفاق عليه في موسكو".
وفي منتصف مارس، انتقدت حركة حماس القرار "الفردي" الذي اتخذه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، بتعيين محمد مصطفى رئيسا للوزراء وتكليفه بالمساعدة في إصلاح السلطة الفلسطينية وإعادة إعمار غزة.
وقالت حماس، حسب ما نقلت رويترز حينها، إن "عباس اتخذ القرار دون التشاور معها، على الرغم من مشاركتها مؤخرا في اجتماع في موسكو"، كانت حركة فتح التي يترأسها عباس مشاركة به أيضا، بهدف لإنهاء الانقسامات الممتدة منذ فترة طويلة والتي تضعف التطلعات السياسية للفلسطينيين.
وردا على ذلك، يؤكد المتحدث باسم فتح لموقع "الحرة"، أن "السلطة الفلسطينية قامت بتشكيل حكومة جديدة لتتولى مسؤولية الحكم في الضفة الغربية وقطاع غزة، ومرجعيتها منظمة التحرير الفلسطينية. هذه الحكومة تحتاج في الوقت الراهن إلى التمكين المالي والسياسي".
ويضيف القواسمي: "هذا ما نبحثه في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، ومع الأشقاء العرب، ومع كافة الأطراف التي تستطيع أن تؤثر على القرار داخل حكومة الاحتلال الإسرائيلي، فالحكومة الجديدة بحاجة إلى التمكين لإعادة الإعمار وتقديم المساعدات، في إطار أفق سياسي".
"استباق نتائج الحرب"
على النقيض، يحمّل المحلل العلي السلطة الفلسطينية وحركة فتح "حال صحّت اتهامات حماس"، مسؤولية التوترات الأخيرة، حيث يقول: "إذا كانت السلطة الفلسطينية تريد فعلا المساهمة في توزيع المساعدات من خلال بعض أجهزتها، فكان يجب أن تنسق مع حماس في هذا الشأن".
وتابع: "إرسال قوات أمن لتوصل وتوزع المساعدات دون تنسيق مع حماس في غزة، بطبيعة الحال سيثير أزمة، خصوصا في ظل عدم الثقة والحساسية بين الطرفين".
من جانبه، كرر منصور ما جاء في بيان نفي حركة فتح، مضيفا: "لكن ما نُشر حتى الآن يوضح أن القضية تعكس حالة استقطاب حادة في الميدان بقطاع غزة".
ويتابع: "هذه الاتهامات تثبت أيضا أن نتائج الحرب ومصير القطاع اقتربت من الحسم بشكل فعلي.. كل طرف وخاصة فتح، حال كانت هذه الأخبار صحيحة، تحاول أن تضع لها موطئ قدم في غزة".
في المقابل، يُشكك عكة في صحة رواية "إرسال قوات أمنية إلى غزة"، معتبرا أنه "حال كانت هذه الأنباء صحيحة، فإنها تستبق نتائج الحرب، وهو ما قد تنظر إليه حماس باعتبار أن أحد الأطراف يحاول استثمار الوضع، مع تراجع قوتها السياسية والعسكرية وتلاشي قبضتها الأمنية على القطاع، بفعل العملية العسكرية الإسرائيلية".
ويقول عكة: "أي محاولة من هذا القبيل دون الاتفاق مع مختلف الفصائل الفلسطينية، يأتي في إطار التعاطي مع (اليوم التالي) ومع الوضع الراهن، خاصة أن المعركة لم تنته من وجهة نظر حماس".
وبالتالي، إذا أراد أي طرف الفلسطيني أن يذهب بهذا الاتجاه منفردا، "سيكون ذلك مقدمة لتوترات وقد يحدث صراع داخلي دموي بين الفصائل الفلسطينية من جهة، وأية قوة فلسطينية أمنية أخرى تحاول أن تفرض أمرا واقعا أو الاستفادة من مجريات الأحداث"، حسب ما يضيف عكة.
واعتبر البيان الذي نشرته حماس على قناة الأقصى عبر تطبيق تلغرام، الإثنين، أن رجال الأمن ومقاتلي الفصائل المسلحة "تلقوا تعليمات بمعاملة أي قوات تدخل قطاع غزة دون تنسيق معهم، على أنها قوات احتلال".
وسيطرت حماس على قطاع غزة في 2007 بعد عام من انتخابات فازت بها، وفي أعقاب اشتباكات مع قوات الأمن الموالية للسلطة الفلسطينية، مما أدى لتقليص حكم السلطة، ليقتصر على الضفة الغربية المحتلة.
وفشلت جهود المصالحة بين الجانبين حتى الآن، بسبب قضايا تقاسم السلطة الشائكة.
كما ضعف نفوذ السلطة الفلسطينية كثيرا بمرور السنوات. وتظهر دراسات أن "شعبيتها ضعيفة وسط الفلسطينيين"، لكنها تظل الهيئة القيادية الوحيدة المعترف بها عموما من المجتمع الدولي، حسب رويترز.
ولهذا السبب، يعتبر العلي أن "محاولات إعادة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة بدعم من الجهات الدولية، دون التوافق الوطني وحل الخلافات، ستبوء بالفشل".
ويضيف: "كل محاولات إبعاد حماس لن تنجح وليست واقعية. حماس لا تزال صحابة القرار السياسي في غزة وما زالت تحكم القطاع"، على تعبيره.
وتابع: "الشعب الفلسطيني يطالب بتوحيد الموقف تجاه كل الخطوات، سواء كانت خطوات المواجهة أو الحلول السياسية. الاستعانة بالأساليب الملتوية، لن تكون لها نتائج إيجابية لمصلحتنا"، لافتا إلى أن "البعض يعتقد أن اليوم التالي للحرب سيكون لصالحه دون المرور بمحطة الوحدة الوطنية".
ويتفق عكة مع هذا الرأي، قائلا: "استباق نتائج الحرب بأي شكل من الأشكال، والتعاطي مع اليوم التالي، يتنافى بشكل واضح مع الوطنية الفلسطينية".
لكنه يستبعد خلال حديثه، تحول الخلافات إلى صراع داخلي، قائلا: "خطوط الاتصال والتواصل بين الفصائل ما زالت قائمة، وأعتقد أن هناك فصائل وقوى وطنية تستطيع رأب الصدع، لأن هذا يعني كارثة جديدة إلى جانب الهجمات الإسرائيلية على كل الشعب الفلسطيني في غزة وفي الضفة الغربية والقدس".
تأمين توزيع المساعدات
واندلعت الحرب في غزة إثر هجمات حماس، المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة ودول أخرى، والتي أسفرت عن مقتل نحو 1200 شخص في إسرائيل.
في المقابل، استشهد نحو 33 ألف شخص في قطاع غزة، أغلبهم نساء وأطفال، وفق السلطات الصحية في القطاع، إثر العمليات العسكرية الإسرائيلية، فيما نزح مئات الآلاف من منازلهم متجهين إلى جنوبي القطاع، في محاولة للنجاة.
وتفاقمت الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة خلال الأسابيع القليلة الماضية، حيث تُحذر الأمم المتحدة من "مجاعة وشيكة" في الشمال، وذلك في ظل الصعوبات التي تواجه توزيع المساعدات وضمان أمن قوافل الغذاء، وهو ما أبرزته الكارثة التي وقعت في 29 فبراير الماضي، والتي قُتل فيها نحو 100 شخص كانوا ينتظرون تسلُم المساعدات، حسب رويترز.
وفي إطار ذلك، يعتبر عكة أن هناك "مؤسسات دولية وقوات مدنية تابعة للفصائل الفلسطينية، تشرف على عملية توزيع المساعدات للحيلولة دون حدوث أي أزمة"، مشيرا إلى أن "محاولة إدخال قوة تقوم بذلك الأمر يجب أن يكون بالتنسيق بين الفصائل من جهة والأجهزة الأمنية من جهة أخرى".
بدوره، يقول المتحدث باسم حركة فتح، لموقع الحرة: "ما نستطيع القيام به حاليا فيما يتعلق بالمساعدات هو حث كل الدول، والمتابعة مع الأطراف الدولية سواء مصر أو الولايات المتحدة أو وكالة الأونروا، من أجل زيادة حجم المساعدات وإزالة المعوقات".
ويستطرد: "نعمل لتحقيق ذلك مع الأشقاء والمجموعة العربية في مجلس الأمن. والقرار الأخير في مجلس الأمن تحدث عن ذلك بوضوح، لكن المشكلة تبقى لدى إسرائيل، الرافضة لتنفيذ كل القرارات الدولية، بما فيها قرار مجلس الأمن".
وقبل أسبوع، تبنى مجلس الأمن الدولي قرارا يطالب بوقف فوري لإطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس، والإفراج عن جميع الرهائن، بعد امتناع الولايات المتحدة عن التصويت.
وشدد القرار على "الحاجة الملحة لزيادة تدفق المساعدات الإنسانية، وتعزيز حماية المدنيين في كامل قطاع غزة". كما كرر "مطلبه برفع جميع القيود التي تقف أمام تقديم المساعدات الإنسانية على نطاق واسع".