أثار كبير الحاخامات السفارديم في إسرائيل، يتسحاق يوسف، ضجة كبيرة حينما أعلن أن المتدينين المعروفين باسم "الحريديم"، "قد يغادرون البلاد" إذا تم تجنيدهم في الجيش، حسبما ذكرت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية.
وجاءت تصريحات يوسف لتزيد من حدة الجدل المتصاعد حول إعفاء طلاب العلوم الدينية، المستمر منذ عقود، من الخدمة العسكرية، مما أثار انقسامات في الائتلاف اليميني الذي يتزعمه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو.
وقال يوسف، الذي يتمتع بنفوذ كبير داخل حزب شاس الديني، ثاني أكبر حزب في الائتلاف الحاكم: "إذا أجبرونا على الذهاب إلى الجيش، فسننتقل جميعًا إلى الخارج".
قد تسقط الحكومة
وحتى قبل اندلاع الحرب مع حماس في أكتوبر الماضي، كانت طائفة "الحريديم"، التي تشكل ثُمن سكان إسرائيل ومن المتوقع أن تمثل الربع بحلول عام 2050، وفق الصحيفة البريطانية، ترفض انضمام الشباب إلى الجيش على خلاف بين بقية المجتمع الإسرائيلي، كون الخدمة العسكرية إلزامية لمدة 24 شهرا.
لكن حسب "فاينانشال تايمز"، فإنه مع خوض إسرائيل لأطول حرب لها منذ تأسيسها عام 1948، أثارت تعليقات يوسف انتقادات من الحلفاء والمعارضين على حد سواء، وكشفت عن التوترات المتصاعدة بشأن هذه القضية في ائتلاف نتانياهو، الذي يضم الأحزاب الدينية مثل شاس، وعسكريين سابقين مصممين على إلغاء الإعفاء.
ويعتبر رئيس المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، يوهانان بليسنر، أن "قضية تجنيد الحريديم يمكن أن تُسقط الحكومة"، التي شُكلت من ائتلاف مستقر نسبيا يضم 64 مقعدا في الكنيست الإسرائيلي المؤلف من 120 مقعدا، معتبرا في الوقت نفسه أنه "ليس لدى أي من أعضاء الحكومة مصلحة في إسقاطها".
ويعود القرار الذي يعفي شباب "الحريديم" من التجنيد الإجباري إذا التحقوا بمدرسة دينية، إلى تسوية تم التوصل إليها في عهد مؤسس إسرائيل، ديفيد بن غوريون، عام 1948، والتي أعفت 400 شاب متدين من الخدمة العسكرية.
وعلى مر السنين، أصبحت التسوية مثيرة للجدل بشكل متزايد، مع توسيع إعفاءات "الحريديم" بفضل قرار صدر عام 1977، بالرغم من نمو السكان المتدينين، الذين لدى الأسرة الواحد منهم، في المتوسط، 7 أطفال، حسبما تذكر "فاينانشال تايمز".
وفي عام 2017، وجدت المحكمة العليا في إسرائيل أن هذا القرار غير دستوري.
وبعد سنوات من المحاولات الفاشلة لإيجاد حل، أمرت المحكمة الحكومة بأن تشرح بحلول 27 مارس الجاري، دوافعها في عدم إلغاء الإعفاء، مما يزيد من احتمال تجنيد طلاب المدارس الدينية اعتبارا من أبريل.
هل الجيش في حاجة لهم؟
وبالنسبة للعديد من الحريديم، يمثل هذا الاحتمال تهديدا أساسيا لأسلوب حياتهم، حيث على مدى السنوات الـ 75 الماضية، بنوا عالما بعيدا عن التيار الرئيسي في إسرائيل، والتزموا بقواعد صارمة ضد الاختلاط بين الرجال والنساء، ومتطلبات الأكل "الحلال" الأكثر صرامة من تلك التي تفرضها إسرائيل.
ويقول أحد أعضاء حزب شاس، ديفيد مناحيم: "نحن ندرك أننا جزء من صورة أكبر، ويجب علينا المساهمة. لكن الجيش خط أحمر".
ويضيف: "الجيش يرغب في أن يخدم الرجال والنساء معا، لكننا نعتقد أن وجود رجل متزوج وامرأة متزوجة يخدمان معا في دبابة لمدة 12 ساعة أمر غير صحيح ومحرم حسب التوراة".
ويقول محللون للصحيفة البريطانية: "في حين أن الجيش سيحتاج إلى (الحريديم) على المدى الطويل، فإنه على المدى القصير، لن يكون لتجنيدهم تأثير يذكر على القدرات العسكرية الإسرائيلية".
وبالنسبة للعديد من الإسرائيليين "العلمانيين"، فإن الإعفاء العسكري يمثل سببا لاستياء أوسع بشأن الوضع الذي يتمتع به "الحريديم"، في ظل الإعانات السخية التي تسمح لنحو نصف رجالهم بتكريس حياتهم للدراسة الدينية بدلا من الانضمام إلى القوى العاملة، وفق "فاينانشال تايمز".
ورفعت الحكومة الإسرائيلية، العام الماضي، تمويل المدارس الدينية إلى 1.7 مليار شيكل (467 مليون دولار)، من 1.2 مليار شيكل في العام السابق.
تسوية
وحسب الصحيفة البريطانية، فقد "تفاقم الشعور بالظلم بسبب الحرب، حيث دفعت الجيش إلى السعي إلى إطالة فترة خدمة المجندين، وتوسيع الواجبات التي يجب على الإسرائيليين القيام بها كجنود احتياط، بمجرد الانتهاء من الخدمة بدوام كامل".
وفي هذا الصدد يقول بليسنر: "هذه واحدة من أكبر القضايا، حيث إن الأمر يتعلق بمسألة حساسة للغاية بشأن من هو المستعد للمخاطرة بحياته للدفاع عن هذه الدولة المهددة"، مشيرا إلى أنها "قضية لم يتمكن النظام السياسي من حلها لعقود من الزمن".
من جانبه، يقول عضو البرلمان عن حزب "يهدوت هتوراة" الديني، موشيه روث، إن "الجيش يمكنه التعامل مع احتياجاته من القوى البشرية، دون تجنيد طلاب المدارس الدينية".
ويقر روث بأن هناك "فرصة للتسوية"، والتي بموجبها "يواصل الطلاب الأكثر تفانيا دراستهم، في حين يتم تجنيد الآخرين، طالما يضمن الجيش حفاظهم على أسلوب حياة مجتمع الحريدي".
ويرى أنه من الناحية السياسية، سيكون هناك نوع من التسوية، حيث ستطلب الحكومة من المحكمة تمديدا للوقت، أو "تشكيل لجنة من نوع ما".
لكن آخرين يتساءلون عما إذا كان كسب الوقت سينجح مرة أخرى، خاصة إذا أمرت المحكمة العليا الحكومة بتعليق الإعانات المقدمة لطلاب المدارس الدينية، إلى أن يتم إقرار التشريع الذي ينظم قواعد التجنيد، وفق "فايننشال تايمز".
ويقول بليسنر: "إذا حدث ذلك، فإنه سيؤدي إلى تصعيد الأزمة السياسية، لأنه يعني أن المماطلة لم تعد بلا تكلفة"، مضيفا أن "الأحزاب الدينية لن تقبل توقف الإعانات التي اعتادت عليها مؤسساتهم".